دخل يونغي المشفى و أول مكانٍ إتجهَ إليه كان غرفةَ مدير المشفى الذي ما إن لمح يونغي حتى نهض من كرسيهِ مُنحنياً لسيدهِ الغاضِب ...
" هل تُسمي هذه الحضيرة مستشفى ؟ ... اين الحراس الذينَ عَيَّنتُهم هُنا ؟ "
"س... سيدي ... اقسمُ انه خطأٌ لن يتكرر .."
" هذا الخطأُ الذي لن يتكرر تسبب في هربِ طفلٍ مريضٍ جاهل في هذه الليلة العاصفة الممطرة ... أتمازحني يا هذا ؟ .. اين هم الحراس لن اكرر كلامي بعد ذلك ..."
" ك...كان كل شيءٍ يسيرُ على ما يُرام ل..لذلك امرتُ الحرس بالعودة في الوقتِ الحالي وإذا طرأ اي شيء سأتصل بهم ..."
صفق يونغي على كلام ذلك المعتوه وقال :
" واو ... ياللكرم "
" أ ... أشكركَ سيدي "
ضحك المدير ببلاهة فقاطع ضحكهُ تقدُم يونغي إليه وصوته البارد الذي يقول :
" مُنذُ متى وانتَ الذي يأمر وينهى ؟ ... انتَ حتى لستَ مُديرَ هذا المشفى انتَ مُجرد بديل ... من هو مُديرُ هذا المشفى ؟ أنسيت من هو زعيمكَ يا هذا ؟"
توقفَ يونغي امام البديل الجاثي على ركبتيه و إنحنى إلى مُستواه حتى يسمعَ ما يُريد فخرج صوتٌ مُرتجف قائلاً :
" إ...إنه السيد مين يونغي ..."
جلس يونغي على ركبته وهمس عند اذنهِ مُبتسماً وهو يقول :
" اوه ... على الرغم من معرفتك بهذا ما زلت تتصرف على هواك ؟ "
إستقام يونغي فركل رأس البديل وفرقع اصابعهُ فَفُتِحَ الباب و دخل ثلاثةُ رجالٍ إثنان منهم ضخام البنية و ثالثهم كان اصغر منهم جسداً يحملُ طبقاً حديدياً بين يديه فيه ظرفٌ ابيض اللون فإتجه ضخام البنية إلى الرجل فاقد الوعي و اخذاهُ إلى المقر و الثالث وقفَ خلف يونغي الجالس على الاريكة السوداء مُتَكِئاً بيديهِ على ظهرها واضعاً قدماً فوق الاخرى فأشعلَ سيجارتهُ و إستنشقَ سمها وقال :
" هل احضرتَ ما طلبتهُ مِنكَ يا فيليكس ؟ "
" هاهي رسالةُ الطفل سيدي يونغي .."
اعطى فيليكس الرسالة ليونغي فقال يونغي :
" اخرج .."
إنحنى فيليكس لسيدهِ وخرج من تلك الغرفة فبدأ يونغي يقرأُ الرسالة التي تركها ذلك الطفل الغريب ...
" سيد مين ... انا واثقٌ بأن من سيقرأُ هذه الرسالة سيكون انت لذلك سأقول لك كل شيء ... آه ذلك لا يعني انني لا أثقُ بالسيد كيم لكن اشعر انني استطيع البوحَ بكل شيءٍ عندما اعلم ان السيد مين هو من يقرأ رسالتي ... انا لا اعتذر عن اختفائي لأنني بذلك استطيع حماية الجميع ... لكن ... ماذا عني ؟ ... من بإستطاعتهِ حمايتي ؟ ... انا لا أطلب منكم حمايتي ... لا تأتوا للبحثِ عني ابداً ... لأنكم ما إن تعثروا علي سيستهدفكم جيون ... اشك ان هناك من سيقرأ رسالتي لكن سأكمل الكتابة .. اتعلم ؟ .. لقد راودني كابوس ... كنتَ انتَ و السيد كيم جثثاً هامدة تحمون جونغكوك و نامجون .. و جيمين و تايهيونغ قُتِلوا امام عيني بأبشعِ طريقةٍ قد تتخيلها ... لقد كان القاتل جيون والد جونغكوك وقد قال لي ألا ابقى معكم حتى لا افقدكم ... أليسَ هذا مُضحِكاً ؟ .. لماذا يستهدفني انا تحديدا ؟ .. ما الذي فعلته له ؟ .. انا حقاً لا اريد الهرب .. انا خائف .. اشعر انني اتلاشى .. انقذني .. انا لا اريد ان اموت .. انا حقاً خائف .. سيد مين .. فلتحمي إخوتي .. لا تتورط مع جيون ... فهو رجلٌ خطير ..."
كانت نهاية رسالة هوسوك فوضويةً مليئةً بالخربشة من بعد كلمة ( ما الذي فعلتُه ) و كأن ذهنه غاب قليلاً فكتب مشاعرهُ الحقيقية دون وعيٍ منه ...
إستنشقَ ويليام سُم سيجارته للمرةِ الأخيرة فرماها على الأرض و نهض من على الأريكة الجلدية و داسَ على السيجارة المشتعلة فحدث نفسهُ قائلاً :
" ما كان عليك طلب المساعدة منا في ذلك اليوم .. كان عليك الهرب بعيداً عندما رأيتنا ... لكن يالسوء حظك ... فأنتَ الآن أخٌ لرئيسي اخطر عصابةٍ في البلاد اجمع .. ليس هنالك شخصٌ اخطرُ مني انا وجين .."
رفع ويليام هاتفه و إلتقطَ صورةً للرسالة و ارسلها إلى جين فإنتظر دقيقةً واحدة و إتصل به :
" ما رأيك ؟ .. سيئ الحظ أوليسَ ؟"
قال يونغي فرد جين :
" همم .. ارى ذلك .. لابد ان ذلك الأب قد غسل دماغ الفتى .."
" كيف يسير البحث ؟ هل سنجده قبل الموعد الذي وعدتُ به الطفل ؟ "
" لا تستهن بي .. لقد وجدته بالفعل لكن .."
" لكن ؟"
" أريد أن ألعب لعبة الغميضة .."
إستغرب يونغي من كلام جين فقال :
" ايها اللعين .. إن الطفلَ مريض "
" ومن قال لكَ انني سألعبُ مع هوسوك ؟ "
" إذاً ؟ .. مع من هذه المرة ؟ "
" مع الوغدِ غاسلِ الادمغة .."
" ماذا ؟! هل وجدته بالفعل ؟! "
قال يونغي بصدمةٍ من قدرات جين فرد عليه جين قائلاً :
" اخبرتك بالفعل بأن لا تستهين بي ... لقد وجدتُ احدَ فئرانه القذرين وهو الآن في قبو المنزل "
" احسنتَ صنعاً يا جين ... سأوافيكَ حالاً "
" لا تتأخر "
اقفل يونغي هاتفه و إتجه إلى المقر ...
كان نامجون مستلقٍ بجانب جيمين و تايهيونغ النائمين بفوضويةٍ يُحدقُ بهدوء في السقف الجميل ذا الرسوم المذهلة كما قال فقاطع تأمله بكاء جونغكوك فنهض من مكانه و ذهب إليه فحمله بحذر و اخذه إلى السرير مع التوأمين فوضعه برفقٍ بعيداً عن اقدام تايهيونغ وقال :
" ما بك كوكي ؟ من الذي اذعجك ؟ لا تقلق جوني هنا لحمايتك انتَ و ميني و تاي تاي حثناً ؟ "
ربتَ نامجون على صدر جونغكوك حتى هدأ و وعاد إلى النوم فَفُتِحَ باب الغرفة و دخلت سيدةٌ في عقدها الرابع من العمر ففزعَ منها نامجون و نهض سريعاً ووقف امام السرير ماداً ذراعيه الصغيرتين يحاول حماية إخوته النائمين خلفه و سيفديهم بروحه إذا تطلّب الأمر ...
" م..من انتِ و..وماذا تريدين منا ؟ "
قال نامجون متصنعاً القوة لكن الكلمات كانت تخرج بصعوبةٍ بالغة فإبتسمت المرأة بشكلٍ غريب و إنحنت قائلةً :
" سعيدةٌ بلقائك ... انا المربيةُ تشوي وقد جِئتُ إلى هُنا بأمرٍ من سيدي يونغي .. لا داعي للقلق "
لم يخفض نامجون حذره و بقي يقظاً يتابع كل حركةٍ من المربية الغريبة ولو كانت حركةً بسيطة ...
بعدما عرفت السيدة تشوي بنفسها سمحت لنفسها بالإقتراب من السرير لترى الأطفال لكن نامجون وقفَ لها بالمرصاد فعادت إبتسامتها الغريبة وخرجت من الغرفة ...
وصل يونغي إلى مقر التجمع و توجه مباشرةً إلى جين فدخل غرفةِ الحواسيب وكان جين يقفُ خلفَ رجلٍ يعمل بالحاسوب الذي امامه بتركيزٍ شديد يراقب تصوير كاميرات المراقبة الخاصة بالمشفى و الشوارع المحيطة به بتمعن فقال جين :
" هان توقف !"
اوقف هان التسجيل على احد مخارج المشفى فنظر إلى يونغي وقال :
" سيدي .. خرج الطفل من المخرج الثالث للمشفى الذي كان فارغاً من اي شخص بسبب العاصفة وتوجه مباشرةً إلى الشارع الثامن في شمال المنطقة نحو الأزقة المظلمة و التي تخلو من كاميرات المراقبة ... بماذا تأمُرنا ؟"
تقدم يونغي و رمى على الطاولة ملابس ممزقة مهترئة وقال :
" هذه ملابس الفتى ... ناولها للكلاب و اطلقها في الشارع الثامن ... و ايضاً ارسل فرق البحثِ إلى هناك "
" هل ارسل فرقتان يا سيدي يونغي ؟ "
" إجعلها عشراً "
" امرك "
إنحنى هان وهم بالخروج ساحباً فيليكس الذي كان جالساً على الأريكة معه مُتجاهلاً تذمراته التي تعتبر بلا فائدة في مهمةٍ كهذه ...
انطلقت فرق البحث و بدأت لعبة البحث عن الإبرة في كومة القش لكن لاعبوا تلك اللعبة لم تكن نيتهم البحث في القش بل كانوا ينوون حرقه ليجدوا إبرتهم الصغيرة الضائعة ...
أستيقظ هوسوك فَزِعاً من كابوسه المعتاد فسمع نباح كلابٍ كثيرة بالقربِ من الشق فخرج ليرى سبب هذا النباح فوجد مجموعةً من الكلاب تهاجم كلباً صغيراً ذا فروٍ اسود وبني اللون و كثيفٌ جداً فهرع هوسوك إليه تحت المطر فخافت الكلاب منه وهربت فإذا بالكلب الصغير مصابٌ في احدِ قوائمه حاول الكلب الهرب من هوسوك لكنَ إصابته كانت تمنعه من ذلك فحمله هوسوك بحذرٍ وعاد به إلى الشق و قال :
" لا تقلق لن يجدنا احدٌ هنا .. سننتظر حتى الصباح و نذهب رلى الطبيب إتفقنا ؟"
حدّق هوسوك في عيني الكلب قليلاً فأردف :
" واو .. يبدو ان قلةَ النوم سببت لي الجنون فقد اصبحتُ احدثُ الكلاب "
جلسَ هوسوك وحاول العودةَ إلى النوم فهو ينامُ هرباً لا تعباً لكنه يهربُ إلى مكانٍ يُريدُ الهروبَ مِنه فعالم الأحلام الذي اعتاده ملاذاً اصبح يرفضُ إواءه بكابوسٍ مريع ..
و بعد ساعاتٍ من المحاولات غفا هوسوك اخيراً لكن سرعان ما فتح عينيه من إزاحة اللوح عن الشق ... تجمدّ من الخوف ... لم يستطع الحركة .. خافَ ان يجدهُ احد وخاصةً السيد جيون ..
دخلت اشعةُ الشمسِ و بدأ الكلبُ الصغير بالنباح بقوة فأغمض هوسوك عينيه و فتحها بصعوبة فإذا به يجلسُ امام الشقِ قائلاً بحزنٍ و عتاب :
" هذا ليسَ ما وعدتني به ... ألم تعدني انك لن تفارقهم ابداً ؟! "
نظر له هوسوك بصدمةٍ في بادئ الأمر لكنه إبتسم بإنكسارٍ وقال :
" اعتذرُ منكَ يا اخي تشانيول .. لكن بفراقهم لي سيعيشون بسعادة .."
ضرب تشانيول الحائط بيده فجرحت وصرخ بسخطٍ قائلاً :
" ما الذي تقوله بحق الجحيم؟! منذُ متى كانَ فِراقُ احداً سعادةً لنا ؟!"
فرد عليه هوسوك باكياً بحرقة :
" إذاً لماذا تركتني وحدي ؟! "
دخل تشانيول الشق و عانق هوسوك المصدوم فعناقُ تشانيول حقيقي جداً على ان يكونَ مُجرد حلم فقال تشانيول :
" انا لم اترك وحيداً .. مع الآن جوني و ميني وتاي تاي و كوكي ايضاً و .. إثنان من الرجال ستُصدمُ عندما تعرف ماضيهم .. انتَ لستَ وحيداً يا هوسوك"
صمتَ هوسوك و بكى بهدوء مستشعراً دفئ اخيه الذي افتقده كثيراً ففصل تشانيول العناق وقال هوسوك :
" انا لن اعود .."
غَضِبَ تشانيول كثيراً فلكم هوسوك وقال :
" سنرى .. ستعودُ إليهم رغماً عنك .. انتَ لا تزالُ طِفلاً ولا يجبُ عليك التصرفُ في امورٍ على الكبارِ التصرف فيها "
انهى تشانيول كلامه و خرج من الشق معاوداً إسناد اللوحِ عليه فأغمض هوسوك عينيه بتعب ونام ...
YOU ARE READING
تائه ... / Lost ...
Acción" الْفَتَى يَجْرِي بِمَلَابِسِ الْمَشْفى فَإِنْزَلَقَ بِبِرْكَةٍ فَي أَحَدِ الأَزِقةِ فَسَقَطَ يُقَاوِمُ ألَمَ قَلْبِه ... مُبَلَلٌ بِمَاءِ الْمَطَرْ ... مُتْعَبٌ مِنَ الرَكْضِ الْمُتَوَاصِل ... قَلِقٌ عَلَى إِخْوَتِهِ مِنْ بَطْشِ زَوْجِ وَالِدَتِهِ...