حكاية ٢١

15 2 3
                                    

_يعني اي مش موافقة؟
_ يعني مش موافقة يا ماما، مش عايزة أقابل عرسان أنا.
قعدت جنبي وربتت علي ايدي بهدوء وقالت:_ليه بس يا حبيبة ماما، بابا بيقول إنه شخص كويس، اقعدي معاه وشوفيه، ولو مرتاحتيش ارفضي، مفيش حد هيغصبك علي حاجه.
اتنهدت بتعب وقولت:_وأنا مش مستعدة أقابل أي حد دلوقتي، حتي لو كان كويس، وبعدين لسه بدري، أنا لسه مخلصتش الكلية.
_ حبيبتي إنتِ في أخر سنة خلاص، يعني فيها اي لو اتخطبتي دلوقتي، عشان خاطر ماما يا شيري وافقي، عايزة أفرح بيكِ.
غمضت عيني قبل ما ندخل في خناقة تانية وقولت:_حاضر يا ماما زي ما تحبي، إنتِ عارفة إني مش بحب أزعلك.
_ حبيبة قلب ماما من جوه يا ناس، يلا قومي اجهزي بقي عشان العريس جاي انهاردة، ومشيت بسرعة!
_ انهاردة!، دي تدبيسة بقى، يا ربّ ارحمني من العيلة دي يا ربّ.
قومت من علي سريري، وقربت من مكتبي، طلعت النوتة اللي بكتب فيها دايمًا، النوتة اللي شهدت علي كل حاجه جوايا، واللي عمري ما قدرت أخرجها من جوايا إلا فيها، شهدت علي كل  كلمة اتكتبت له وعشانه، علي كل دمعه غبية نزلت علي فراقه، وعلي كل لحظة احتاجته فيها ومكنش موجود فيها زي دلوقتي.
مسحت دموعي اللي نزلت غصب عني وقومت أجهز، بقلب مكسور، وعقل جلاد، وبكل سخرية العالم، لاقتني لابسه أكتر فستان كان بيحبه، وكأن عقلي وقلبي اتفقوا عليا.
_ يلا يا شيري العريس جه.
ماما بصيتلي شوية، وبعدين قالت بشوية زعل علي حالي:_ملبستيش حاجه تانية ليه يا حبيبتي؟
ابتسمت وقولت:_عادي يا ماما، وبعدين هو ده مش حلو عليا يعني؟
_ إنتِ قمر دايمًا يا حبيبة ماما، يلا تعالي عشان تشوفي العريس.

قاعدة بنص عقل ونص قلب، تايهه في حياتي اللي فاتت، وحياتي الجديدة اللي المفروض أركز فيها، لحد ما فوقت علي صوت بابا وهو بيقول: شيري حبيبتي خدي محمد واقعدوا سوا في البلكونة شوية.
بصيت لبابا شوية، وبعدين قومت وأنا بشاور للأستاذ محمد يتفضل معايا.

ولأني بحب البلكونة والسما بالليل، ونسمات الهوا اللي بعتبرها لطف لقلبي دايمًا، كنت قاعدة مستمتعة بالجو وناسية إني في حد قاعد معايا أصلاً.
_ أنسة شيرين حضرتك معايا؟
غمضت بهدوء وأنا بلتفتله، أهو المقاطعة دي كفيلة تخليني أرفضه.
_ أيوه مع حضرتك.
_ طب مش حابة تسأليني عن أي حاجه؟
_ أيوه أكيد ممكن تعرفني بنفسك؟
_ تمام أنا اسمي محمد المنشاوي، ٢٧ سنة، مهندس.
_ عايزة أسالك علي رأيك في النقاب؟
_ هو العلماء كلهم اختلفوا علي فرضيته أو لأ، بس أنا الرأي اللي ارتحتله إنه مش فرض.
_ طب لو حصل بينا نصيب، وجيت في يوم قولتلك إني عايزة ألبس النقاب، هتوافق ولا هترفض.
_ هنتناقش ونحاول نوصل لنقطة مشتركة، مع إني شايف إنه مش مهم.
_ طب لو وصلنا لنقطة إني شايفة إن رأيي صح وإنت كمان كذلك، هنتصرف ازاي.
_ ممكن ناخد رأي حد يحكم بينا، أهلي أو أهلك مثلاً.
_ طب لو افترضنا إن أهلي مثلاً مش موافقين علي النقاب وهيبقوا في صفك، هتتصرف ازاي وقتها.
ابتسم بسخرية حاول يداريها وقال:_يعني كلنا مش هنبقي موافقين وإنتِ عايزاني أنفذلك طلبك بعدها يعني ولا اي؟
ابتسمت بهدوء وقولت:_حضرتك عندك أسئلة؟
_ سكت شوية وبعدين قال: عايزة أتكلم عن جزئية الشغل؟
_ ماله الشغل!
_ لو حصل نصيب أنا مش عايزك تكملي في الشغل، وأنا الحمد لله مرتبي كويس، يعني مش هنبقي محتاجين شغلك في حاجه.
ابتسمت بسخرية وقولت:_معلش بس طالما إنت عايز واحدة مش بتشتغل، جاي تتقدم لواحدة بتشتغل ليه؟
معندكش رد صح، عن إذنك يا بشمهندس، ردي هيوصلك مع والدي.
قومت دخلت أوضتي، وبابا ودعهم وبعدين دخل هو وماما يتكلموا معايا:_ها اي رأيك في محمد، شكله شاب هايل.
_ ايوه يا حبيبتي، مش قولتلك هو كويس
_ أنا مش موافقة.
سكتوا شوية بيحاولوا يستوعبوا أنا قولت اي وبعدين بابا اتكلم وقال:_سبيني مع شيري شوية يا رؤى معلش.
_ ها يا حبيبتي، ماما خرجت أهو، قوليلي بقي مش موافقة علي محمد ليه؟
_ مش شبهي يا بابا، إنت دايمًا بتقولي متوافقيش بحد مش شبهك، وكمان مش عايزني أشتغل، يعني كأنه بيقولي ضيعي تعب خمس سنين دراسة وسنتين امتياز عشان حضرته!
_ يعني مفيش سبب تاني؟
بعدت عيني عنه وقولت:_هيكون فيه سبب تاني اي يعني يا بابا.
_ يوسف مثلاً؟
بصيتله بسرعة لأنه قال أخر حاجه كانت ممكن تيجي في دماغي وقتها وقولت:_لأ يا بابا مش يوسف، ومفكرتش فيه أصلاً، إنت عارف  إنت مربيني ازاي، تفتكر إني ممكن أعمل كده!
ملاحظتش إن دموعي بتنزل غير لما بابا قرب مني وحضني، محستش بنفسي غير وأنا بمسك فيه جامد، وبعيط بوجع وصوت عالي:_بتجيب سيرته تاني ليه يا بابا، بتفتح جرحي اللي بحاول أقفله من سنين ليه تاني، سابني ومشي ليه، سابني عشان كان تعبان، ازاي يفكر إني ممكن أسيبه عشان تعبه، يا بابا احنا متربين سوا، ازاي يفكر فيا كده، أنا مش مسمحاه علي وجعي ده مش قادرة أسامحه.
_ بس بس يا حبيبة بابا متزعليش، مفيش حد يستاهل دموعك دي يا حبيبتي، حقك عليا أنا إني ضغطت عليكِ كده، حقك عليا، نامي، ارتاحي يا حبيبتي.

حكاوي رؤى وسليم.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن