رفع "تميم" قوسه وسدد بسهمه؛ ليصيب ذاك السيف الموضوع على عنق الأميرة ويسقط بعيدًا، إلتفت إليه الخائن حينما رُفع سيف عاليًا ليتفاداه بجرح في وجهه، تراجع على إثره عدة خطوات للوراء ليعلم أي وضع هو به الآن.
- بئسًا لك أيها الخائن القذر.
اندفع "تميم" تجاه الأميرة ليطمئن قلبه دون أن يبرح نظره عنه، خبأها وراء ظهره وتقدم بخطوات تملؤها الثقة، بقلب مشتعل بالحقد والكراهية، وأنفاس تكاد تحرق الجميع غيظًا.
- لم تعجبني يومًا منذ أردت الزواج من أختى... ولا حين تقلدت مناصب الحكم... ويبدو أن رأيي كان في محله.
- لم أكن لأطلب رأيك في، ولا في أعمالي يومًا.
أجابه بابتسامة ساخرة رسمت على محياه، ليستل "تميم" سيفه ويرفعه في وجه من أذاقه مرارة أيام مرت كالجحيم على قلبه.
- ما أنت سوى كلب وضيع لآكوديا... ويجب على الكلاب أن تتبع أسيادها حتى الموت.
رفع سيفه تباعًا في وجه ذاك المجاهد المخلص، وأجابه محتقرًا:
- سيدي ليس في آكوديا كما تظن.
- أعلم.
أدار عيناه بملل وتقدم سريعًا بضربة قطع بها الكلام، وكاد أن يقطع بها عنقه لولا أنه صدها بصعوبة.
شرارات السيوف تتطاير مختلطة بالدماء، والأعين تشاهد في ترقب على أمل أن يقتل من باع ديارهم بثمن بخس.
أرواح الأفراد من حولهم تتلقفها أيادي المجاهدين الطاهرة، لينظفوا بسيوفهم المكان من دناستهم وينتقموا لشرف نسائهم وأرواح قتلاهم.
- ألا تذكر كيف رحلت أختك... فقط اتبعها ومت.
اضطرب قلبه المقاوم حينما ذكرت أخته، رفيقة روحه التي غادرته مبكرًا، لكن عزيمته لا تتزعزع ليحافظ على ما تبقى من أثرها، ليصب ذاك البغيض الزيت على نار فؤاده ويكمل بسخرية:
- فقط أنا من قتلها... حينما رفضت التعاون معي... لازلت أذكر ثرثرتها عن كيف لي أن أترك وطني وذلك الكلام الفارغ... أي وطن هذا أخبرني أنت!!
ألجم لسانه واهتز جسده لوهلة أفقدته السيطرة على سير المواجهة ليصيبه بضربة أخرى، ليست في قلبه ولا روحه هذه المرة، وإنما بضربة أذهبت بضوء عينه جعلته لا يرى الحياة سوى ملطخة بالدماء، بدماء أخته، دماء رفاقه، وان لم يتمالك نفسه فسيرى دماء غاليته "نور" لينسال على الأرض كما سالت دماء أمها الراحلة.
اندفع بغضب أعمى ما تبقى من بصره، وأخذ يرفع سيفه لينهال عليه بكل عصبية وكراهية، حتى إن كسرت يداه، وان أعميت عيناه، وإن أزهقت روحه فما كان ليترك هذا القاتل المغتصب دون جزاء.
تعثرت خطوات الخائن ليسقط أرضًا، ويهوي "تميم" بنصل سيفه على عنقه عله ينحره أو يمزق حنجرته ليصمت للأبد، لكنه يمسك حد السيف بكلتا يديه تتمزق أوتاره وتندفع الدماء منها على عنقه، وكلاهما يدفعان بكل قوة بهدف، إما قتل الآخر أو إبعاد الموت عن نفسه، والفارق هو من يصمد حتى النهاية.
- فلتمت وحسب.
- ليس بعد... دقائق ويأتيني المدد.
ابتسم "تميم" بإحتقار له وأردف:
- للأسف فقد انتهت حياته من ساعات مضت... وها أنت هنا ستلحقه.
بهتت ملامحه، اقفهر وجهه، وسرت رعشة في جسده، وتملكه الرعب.
- لأجل أختي التي قتلتها... لأجل شعبي الذي خنته وقتلته... لأجل غاليتي التي يتمتها واستغفلتها طوال هذه السنين... لأجل موطني الحبيب... مُت.
ضغط بما تبقى من قواه على السيف حتى مزق حنجرة هذا الخائن، توقف جسده عن الحركة، انتهت حياته وانتهت كل انتهاكاته، لربما لم تبرد النار في قلوب من لهم ثأر عنده، ولربما ماتت معه العديد من الأسرار التي يجب أن تكشف... لكن يكفي أن الحياة استراحت من شره، واكتفى الشعب من نفاقه.
.
.خارت قوى "تميم" وسقط على ركبتيه، رفع راسه للسماء يشكو همه لخالقه، تفر من بين شفتيه آهات ترثي حاله، وتهم "نور" نحوه تختبئ بين زراعيه تبحث عن مأمنها في أحضانه المرتجفة، وكأن نفسها الضعيفة ترجو القوة بين دمائه وسلاحه وجسده المنهك.
رفع يديه بضعف ومسح على شعرها الأسود، وهمس برفق لها عله يبث بعض الطمأنينة في قلبها:
- لا بأس عليكِ يا غاليتي لا بأس... قد رحل الآن وإلى الأبد... ولن أسمح بأذيتكِ.
- لكن هل أستحق حمايتك وأنا لم أكن أدرك فعلته كل هذه السنين.
تنهد واحكم على ضمها له وهمس بكل حب:
- لأدمرن العالم بأكمله فداء لك يا غاليتي.
تركت "نور" العنان لدموعها لتبرد الألم في صدرها، وحينما هدأ ارتجاف جسدها، سقط جسد "تميم" المجاهد الصابر أرضًا مغشي عليه، بينما ذاك الوزير المخلص "جهاد" كان قد سقط منذ زمن وبرد جسده لفقدانه الكثير من الدماء، أما عن الطفلة المحبة "غيث" فقد نامت حينما أعيتها تلك الصدمات التي حلت على رأسها، و "شمس الدين" الضيف المقاوم القادم من السطح مغشي عليه دون أن تنفلت قبضته عن تلك الصغيرة الضعيفة.
كلٌ ترك العنان لجسده بالراحة تاركًا كل الحمل على الأميرة لتنظيف كل الفوضى التى حدثت، وقد كانت أهلًا لتلك المسؤولية الثقيلة كما حالها دومًا، ولربما تخف على أكتافها الأحمال برحيل من كان سببًا في الهم على رؤوسهم.
"هل بات موطني حرًا... أم أن الدنيا تضع لنا الطعم"
أنت تقرأ
ربيع القبّار "مكتملة"
Fantasyحينما يكون الهلاك هو كلَّ متوقع ... ما من أمل للنجاة ... و لا مفر من مصير مكتوب ... حينها فقط ... الثقة فى الله وحده هى المنجدة ...