أقَلَّ (يورقان) (زياد) على ظهر أحد الدوابِّ وانطَلَقَ بِهِ تِجَاه مدينة (الزهران) وتَرَكَهُ عند أطرافها ليكمِل طرِيقَهُ سيرًا على الأقدام وما إن وصل إلى إحدى بواباتها حتى استقبله الحراس باهتمام وأقلُّوه في إحدى العربات إلى القصر وذهب مباشرة إلى غرفته.
كان (مروان) جالسًا في الغرفة في انتظار عودة صديقه كما أكَّد له (حمزة)، وما إن رآه يدخل الغرفة حتى قفز من مكانه فرِحًا واندفع نحوَهُ مُعانقًا إيَّاهُ في لهفة.
أراد (زياد) أن يطمئنه عليه ويخبره بما حدث إلا أن (حمزة) كان واضحًا معه في هذا الأمر، ألَّا يخبر أحدًا أيًا كان، فعَزَمَ على أن يخبرَهُ بعد أن ينتهي من إعداد ما اتفق عليه مع أصدقائه من الجن.
قال (مروان): احكيلي، إيه اللي حصل معاك، حد فيهم أذاك؟
رد (زياد) مطمئِنًا صديقه: لا يا (مروان)، كانوا محترمين جدًا معايا، وكانوا مستضيفني في مكان كويس، اللي عمل كده واحد اسمه (يورقان)، أبوه محبوس واستغل الفرصة دي علشان يحاول يطلعه، ولما طلع وصَّلني لحد المدينة هنا بكل أدب واحترام.
- الحمد لله، المهم إنك بخير.
ثم غَمَز بإحدى عينه وقال:
- ده في ناس موِّتوا نفسهم من العياط لما حصلَّك اللي حصل.
وروى له نفس التفاصيل التي رواها له (حمزة) بخصوص ما حدث وما توَصَّلَت إليه (أمل) بخصوص الأوراق.
كان (زياد) يستمع إلى التفاصيل للمرة الثانية وهو مستَمْتِعٌ إلى حد ما وعلى وجهِهِ ابتسامة واسعة.
وفجأة دفع أحدُهم الباب دون استئذان، وظهرَت (أمل) من خلفه، وقالت وهي تدخل الغرفة: هو صحيح (زياد) رجع؟
وما إن لمحت (زياد) حتى توقَّفَت مكانها وأدرَكَت حجم خطأهَا بدخولها غرفةَ الشبابِ هكذا دون استئذان فقال (زياد) ملطِّفًا للأجواء:
- آه، تقريبًا، سمعت كده.
- حمدا لله على سلامتك يا (زياد)، انت بخير؟
- الحمد لله، زي الفل، لسه بقول لـ(مروان) دلوقتي الناس كانوا محترمين جدًا، قصدي الجن يعني، الواحد بقى متلخبط خالص، اتعودت عليهم لدرجة إنهم بَقُو مِنِّنا وعلينا.
ابتسمت (أمل) وقالت:
- عندك حق، احنا بقالنا يومين هنا بس حاسَّة إني بقالي كتير أوي.
ثم تابعت وكأنها تذكَّرت شيئًا:
- آه صح، (مروان) قال لك إننا فكِّينا شيفرة الورق؟
- آه قال لي، وقال لي كمان إنك كنتي عبقرية جدًا.
احمَرَّ وجهُهَا خجلًا وقالت:
- لا عبقرية ولا حاجة، (مروان) بيبالغ بس.
ثم تابعت:
- طيب أنا هسيبك تريح شوية، وهروح أخلَّص شوية حاجات كان طلبها (حمزة).
- لا لا، أنا مش تعبان ولا حاجة، شوفي انتي وَرَاكِي إيه وهحصَّلِك أنا و(مروان).
قالت مبتسمة:
- تمام.
وما إن غادرت الحجرة حتى قال (مروان) مقلِّدًا صديقه:
- آه قال لي، وقال لي كمان إنك كنتي عبقرية جدًا.
ثم التفت بجذعه ونظر إلى الجهةِ الأخرى وقال بصوت رفيع كأنه يقلد (أمل):
- لا عبقرية ولا حاجة، (مروان) بيبالغ بس.
اندفع (زياد) نحوه وأمسكه من ظهره وأسقطه أرضًا وأخذ يكيل له لكمات خفيفة وهو يضحك قائلًا:
- ما تحترم نفسك بقى.
انفجَرَ (مروان) في الضحك تارِكًا (زياد) يكيل إليه اللكمات وقال:
- عشت وشفتك بتتسَهْوِك يا (زيزو)، ده انت معملتهاش أيام الجامعة.
دخل (حمزة) الغرفة فوجدهما يتعاركان فأمسك (زياد) يرفعه عن (مروان) قائلًا:
- ماذا هناك، لماذا تتشاجران؟
أجاب (زياد):
- مش بنتشاجر ولا حاجة، عادي يا (حمزة) بنهزَّر مع بعض.
انتبه إلى ابتسامتهما فقال بدهشة:
- تمزحان بضرب بعضِكما البعض؟
قال (مروان): إيه يا حضرة العفريت، انتم مابتهزَّروش مع بعض خالص هنا؟
- بالطبع نمزح كثيرًا، ولكن لا نقوم بضرب من نمازحه.
ثم هز رأسه وكأنه ينفض عن رأسه شيئًا ما وقال:
- دعونا نعود للأمور المهمة، أولًا، حمدًا لله على سلامتك يا (زياد).
ثُمَّ بدَأَ يشرح لهما دورهما في الخطة التي اتفق عليها مع (زياد) الليلة الماضية.
كان (زياد) يعلم تلك التفاصيل ولكنَّهُ لم يشأ أن يُظهر هذا أمام (مروان) فانتظر حتى فَرَغ (حمزة) من الشرحِ وقال:
- جميل، يارب الموضوع ده ينجح علشان نعرف نقعد من غير خطر باقي الأسبوع.
قال (مروان): جميل فعلًا، (أمل) هتجيب الترددات، وأنا و(زياد) هندوَّر على الرموز، حضرتك بقى هتعمل إيه؟
- أنا مهمتي أن أستمر بإغلاق القصر بحيث لا يخرج سارق الخاتم منه، ولا يتمكن من إيصاله لـ(شيمزاكيل)، فمنذ البارحة لم يخرج أحد من القصر بدون تفتيش.
قال (زياد): لحد إمتى ممكن تقفل القصر؟
- أقصى ما يمكننى عمله هو حتى مساء اليوم، بمجرد وصول الضيوف للحفل فلن أتمكن من إغلاق القصر.
- بس كده الوقت ضيق جدًا، مش ممكن تأجِّلوا الحفلة دي أو تلغوها.
- للأسف لا يمكن هذا، فلقد تمَّ دعوة ملوك العشائر الأخرى إليها بالفعل.
ثم نظر إلى (مروان) قائلًا:
- أرجو أن تكون قد قَضَيتَ وقتًا ممتعًا عند (آزريل) اليوم يا سيد (مروان).
نظر (زياد) إلى (مروان) بدهشة وقال: انت كنت عند آزريل؟
رد (مروان) على (حمزة) ببرود قائلًا:
- آه قضيت وقت ممتع ومفيد جدًا وعرفت منُّه كل اللي أنا عاوزه.
ثم نظر إلى (زياد) وقال:
- كنت بتمَشَّى في القصر ولقيت نفسي في وشه فأصَّر إنه يدردش شوية وقعد يحكي، عادي يعني.
قال (حمزة):
- حسنًا، لقد نظَّفت العاملات ثيابكما، كما نَظَّفْنَ الثياب التي كانت في حقيبة (زياد) التي تركناها في منزل البوابة، يمكنكما ارتداء ملابسكما العادية في الحفل.
قال (مروان) فرِحًا:
- أخيرًا هنخلص من ملابس الأطفال دي.
- أو يمكنكما ارتداء الثياب التي جعلت خائط الثياب الخاص بي يخيطها خصِّيصًا لكما لتحضرا بها الحفل، افعلا ما تشاءَان ولكن حاوِلا إنهاء الطلسَم سريعًا ولا تتأخرا على الحفل، فأنتما و(أمل) ضيوف شرف فوق العادة.
وتركهما وغادر الحجرة واتجه (مروان) نحو الخزانة وفتحها ليبحث عن ثيابه ولكنه أطلق صافرة طويلة جعلت (زياد) يلتفت إليه فقال وهو يخرج الثوب الذي أحضره (حمزة):
- شكلنا كده يا (زيزو) هنطوِّل شوية في ملابس الأطفال.
وفَرَدَ الثوب أمام (زياد) الذي أطلق صافرة إعجاب هو الآخر وهو ينظر إلى الرداء ذو اللون الأسود الحالك والمطرز بنقوشات رائعة فضية اللون تبرز تفاصيلها بدقة على صفحة الثوب السوداء وقال ضاحكًا:
- مالها ملابس الأطفال، جميلة ملابس الأطفال.
أنت تقرأ
ميثاق
Horrorأخذ يُقَلِّب الدِّماءَ مع رَمَادِ الورقة ثم سَكَبَها على يده اليمنى وطلب من (زياد) أن يمد له كفَّهُ اليمنى وأطبق عليها بكَفِّه المملوءة بالدماء وأخذ الخليط يتساقط من كفَيْهِما وقال: ردد معي ما أقول.. بسم الله الملك.. قاهرِ الجبابرة.. ومالكِ الدنيا و...