الفصل الأول: مُلاقاة.

378 19 12
                                    


الساعة العاشِرة صباحًا، في سيارة سوداء لامعة حيثُ تَمرُ الكثِير من الأشجار والأراضي الزراعية بسرعة دُون أن يستطيع أي بشري أن يتلذذ بالنظر لهم بعينيه.

كانت تجلس تلك الفتاة بالمقعد المُجاور للسائق، فتاة ببشرة حِنطية تنظر للنافذة وتُحاول أن تُلاحق تلك الأشجار التي تمر سريعًا..أو بالأصل هي تُرِيد أن تُشغل عقلها بشيء غير الذي يُصارعها داخليًا.

أبعدت عيناها عن النَافِذة ونظرت لِوالدها الجالس جوارها في مقعد السائق، لمحها والِدها بنظرة جانبية ثُم تنهد هو مُتحدثًا:
«عزيزتي رنيم، لعله خير، من يدري ما الذي قد يحدث لكِ إن دخلتي تلك الجامعة التي تمنيّتِها؟ ارضي يا ابنتي، أنا متأكد أنه خير»

أومأت رنِيم بصمت ثم عاودت النظر للنافذة، فهي ذاهبة للجامعة، أجل الجامعة التي حُكمت عليها بسبب التنسيق، فهي كانت تَرغب بالطب! كان حُلمها مُنذ أن كانت صغيرة، والآن لقد تبخر كُل شيء، وها هي ذاهبة لجامعة تَكره تخصصها وتكره ذَلك الطريق الذي سيوصلها بسهولة.

__________________

بعد ما يُقارب الساعة، وصلت السيارة السوداء إلى الجامعة، ترجلت رنيم خارج السيارة تزامنًا مع والدها، ثُم أسرع والدها لخلف السيارة كي يجلب لها أمتعتها، أمسكت رنيم أمتعتها ثُم تنهدت وقامت بعناق والِدها قبل الذهاب، ابتسم والِدها ثم ربت على ظهرها وأردف:
«اتصلي بنا يوميًا، وكُلي جيدًا، وضعت لكِ المال بحقيبتكِ، إن أردتِ المزيد اتصلي بي وأخبريني»

قَوست رنيم شفتيها ثم شَدت على عناق والدها؛ فهي ستبقى بالسكن الجامعي طوال فترة الدراسة، لأن الجامعة بمدينة مختلفة وبعيدة بعض الشيء عن مدينتها.

«بالطَبع يا أبي، اعتني بنفسك وبأمي وأخي»
ابتعدت عن حُضنه ثم قال الأب بابتسامة وهو يربت على رأسها:
«استودعتكِ الله الذي لا تضيع ودائعه»

بعد قول كلماته ركب سيارته ثم سار بعيدًا، حملت رنيم حقيبتها، وقبل دلُوفها للحرم الجامعي أخذت نفسًا عميقًا كي تُهوِن على نفسها قليلًا.

سارت ساحبةً حقيبتها ذات العجلات خلفها، وعينيها تدور بالأرجاء، هُنالِك السعيد وهنالك الحزين، وهي تعلم أنها دُون شك من النوع الحزين هُنا.

سارت باتجاه غُرفتها الخاصة في السكن الجامعي، كَادت أن ترفع يدها وتطرق الباب إلا أنه سَبقها شخص ما وتم فتح الباب من الداخل.

رمشت رنيم عِدة مرات فور رُؤيتها لفتاة أكبر منها شكلًا ذات أعين بُنية وبشرة فاتحة مُرتدية الزي الشرعي، أمالت رنيم رأسها قليلًا ثم تذكرت أن هنالك شخصًا سيشاركها الغُرفة.

همسات الهدىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن