تَمَلُّصْ [✓]

02| ضميرٌ وضِيق

▪ سُبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنتَ أستغفِرُك وأتوب إليك ▪

---

دعِ التكَاسُلَ في الخيْراتِ تطلُبُها
فليسَ يسعَدُ بالخَيراتِ كسلانُ!

-أبو الفَتح البُستِي.

---

كُنا في نهاية شهرِ نونبِر، وقد مضت ثلاثة أشهر منذُ سخن رأسي بسبب حرارة غُشت، هطلَت الكثير من الأمطار مُغرِقة الطرُقات، وتغيّر الجو، فباتَ شعرِي مصدَر حرارة مهم الان.

ما تزال الدروسُ مستمرة، والأساتِذة يسهِبُون في الشرح، كثير من الطلاب يمرحون، وغيرهم القليل يجتهدون، وأنا بينهم أسرَحُ في أفكاري من هنا وأتلقى توبيخا من هناك.

لم يتغيّر الكثير في حياتي، سِوى أن عيارَ سعادتي ازداد قليلا. أخيرا جاءَ من يُنقِذُ فرَح من حربها، فذاك الرجل الذي دعته كثيرا دبر كل صلاة دقّ بابنا أخيرا وجاءَ يطلُب يدها، ويا فرحتي عندما علمت أنه بالصلاح الذي تريده وأن دعواتها وربّما دعواتي خلفها أيضا استجيبت.

السيد منصُور أضحى مهموما منذُ أدلت بموافقتها، فابنته الكبرى، والأنثى الوحيدة التي تهتم بشؤون المنزِلِ، ستغادِر إلى بيتها الجديد بعد ستّة أشهُر، وهو الان أمام خيارَين؛ أن يجلِبَ خادمة أو يتزوج مرة أخرى!

والثانية أصعَبُ عليه، فمن سترضى بالاعتناء بأحد عشر طفلا؟! وأقصي نفسي لأني كبير بما يكفي لأعتني بنفسي بالطبع!

جلستُ معَ صهرِي مرتين، في الأولى لم نتحدّث كثيرا، وفي الثانية أمسَكني من ذيلي فمنذئذ وأنا أهرُب منه وأتهرب من أي طريق قد أصادفه فيها.

ذاكَ الياسينُ خطير جدا، ويُجيدُ قراءة الناس إلى درجة مخيفة، وهذا ليسَ مفاجِئا جدا، فهُوَ رجُل عِلم ويبتلَع الكتب بلعا.

وهو بعد ذلك لن يتركني وشأني، بعدَ أن علِم عن صفاتي المشينة لن يترُكنِي حتى يجعلني جريدة تلقي عليه أخبار قلبي وعقلي الحصرية.

ما ذنبِي إن كنتُ مُصابا بداء اللا مبالاة؟

هل هذه مصيبة عظيمة مثلا؟

أجل، في الواقع، هي كذلك، لكِن من يُبالِي؟

أطلقت نفسا هازِئا، وحركت القلَمَ بين اصبَعَي، فكّي اعترَش كفّ يدي، بينما أستند بمرفقي على الطاوِلة وعيني تسافِران بعيدا بعيدا، إلى ما وراء تِلك الجبال الشاهقة التي تبدو كما لو أنها لوحة مؤطرة بنافذة الصف.