في أعماق الليل الهادئ، وقفت سارة أمام شباك غرفتها الصغيرة، تتأمل السماء المليئة بالنجوم المتلألئة كالأمل البعيد. أغمضت عينيها للحظة، تاركة الذكريات تجتاحها كالأشباح الهادئة. ابتسمت بينما تتذكر الساعات التي قضتها مع والدتها في هذه الغرفة، تحكي لها عن أحلامها وتطمئنها في الليالي العاصفة. لكن الحزن عاد ليغمر قلبها حين تذكرت اللحظة التي فارقت فيها والدتها الحياة، تاركة خلفها شوقًا لا ينتهي وحنينًا لا يلتقط.
في غرفتها الصغيرة، تساءلت سارة عن معنى الحياة والفراق، وعن الألم الذي يخلفه الغياب. تساقطت دموع الحنين على وجنتيها وهي تراودها ذكريات والدتها الراحلة. اختلطت مشاعر الفقد بشجون الحنين، وتحولت اللحظات الصامتة إلى لحظات من الوجدان المتأجج.
وسط هذا الجو المحمّل بالذكريات والمشاعر، انطلقت سارة في رحلة بحث عن الأمل والسلام الداخلي. شعرت بهدوء يتسرب إلى قلبها، وتحول الحزن المؤلم إلى قصة تنتظر أن تُروى، قصة عن الحب والفراق، وعن القوة اللازمة لمواجهة تحديات الحياة.
خرجت سارة من غرفتها بخطوات هادئة، متجاوزة أثاث المنزل المهترئ والجدران المليئة بالذكريات والحنين. توجهت نحو غرفة والدها، حاملة في قلبها قرارًا جديدًا. اقتربت منه بثقة وهدوء، وقالت بلهجة حازمة: "أبي، أريد أن أترك المدرسة. أريد أن أبدأ بالعمل وأساعد في توفير المال لنا."
والدها، الذي كان جالسًا في زاوية الغرفة محاطًا بسحابة من دخان الحشيش، نظر إليها بعيون محتجبة ووجهه ممزق بالألم والإدمان. تردد صوته ببطء، مثل صدى من عالم آخر: "لماذا؟ لماذا تريدين الخروج من المدرسة؟" حاول قول المزيد، ولكن الكلمات تعثرت في حلقه، وشعر بالعار والضعف وهو يواجه ابنته الوحيدة.
لمست سارة الحزن والألم في عيون والدها، لكنها كانت مصممة على قرارها. عرفت أنها الأمل الوحيد له، وتحملت مسؤولية مساعدته ودعمه رغم كل التحديات.
بعد محادثتها المؤثرة مع والدها، عادت سارة إلى غرفتها بخطوات ثقيلة، وقلبها مليء بالأسى والتردد. انهمرت دموع الحزن على وجنتيها وهي تجلس على سريرها، تتذكر كلمات والدها الحزينة وتشعر بالضياع والوحدة.
استلقت سارة على السرير، وأخذت هاتفها المحمول بين يديها بينما تتأوه بصوت مكتوم. حاولت السيطرة على مشاعرها المتضاربة وجففت دموعها، ثم فتحت تطبيق الاتصالات وبحثت عن اسم صديقتها مي. بينما يرن الهاتف، انتظرت بقلق شديد أن ترد مي على المكالمة.
بعد لحظات مرت طويلة بالنسبة لها، ردت مي أخيرًا بصوت متألم: "مرحبًا، سارة؟". تهتز صوت سارة قليلاً، ولكنها حاولت أن تظهر بوقار: "نعم، مرحبًا، مي. هل يمكنكِ أن تساعديني في شيء؟" توقفت للحظة وعادت دموع الحزن لتغمر وجنتيها، لكنها استمرت في الحديث: "أحتاج إلى الكلام مع صاحب المصنع الذي تعملين لديه. هل يمكنك أن ترتبي لي موعدًا معه بأسرع ما يمكن؟"
تغير صوت مي قليلاً بالقلق: "بالطبع، سأفعل ذلك على الفور. ما الذي حدث؟ هل أنتِ بخير؟" تبتسم سارة بالرغم من دموعها وتجيب: "نعم، بخير، شكرًا لكِ، مي". تنهض سارة من السرير ببطء، وتعود لتتحضر للقاء المهم الذي ستجريه مع صاحب المصنع، عالمة بأنها لن تكون وحدها في هذه المعركة.
قبل أن تغمض سارة عينيها للنوم، وقفت وبدأت في الصلاة لربها، بدموع تتساقط من عينيها كالمطر. استمعت إلى صوت دعائها يرتفع إلى السماء، تطلب فيه من الله القوة والصبر في الوقت القادم، تسأله أن يكون إلى جانبها ويساندها في كل خطوة تخطوها، تطلب منه أن يمنحها القوة لمواجهة التحديات والصمود في وجه الصعاب.
تضرعت سارة إلى الله بصدق وخشوع، تطلب منه أن يكون معها في رحلتها، وأن يمنحها الثبات واليقين في طريقها. بكت بصمت وقوة، وكأنها تفرغ كل مشاعرها وأحاسيسها في هذه اللحظة المهمة من حياتها.
بعد الانتهاء من الصلاة، شعرت سارة بنوع من السلام الداخلي يملأ قلبها. علت وجهها ابتسامة خافتة، وشعرت بالثقة بأن الله سيكون معها وسيساندها في رحلتها. تمنّت في قلبها أن تجد القوة اللازمة لمواصلة الطريق والتغلب على التحديات التي تنتظرها في الوقت القادم.
في صباح يوم جديد، ورغم الألم الذي يثقل قلبها، قررت سارة أن تبدأ مسارًا جديدًا في حياتها. استيقظت باكرًا، وارتدت ملابسها البسيطة، تاركة وراءها أحزان الأمس. عند الساعة العاشرة تمامًا، وقفت أمام باب مكتب صاحب المصنع، تجمع كل ما تبقى من شجاعة داخلها.
طرق الباب بلطف ودخلت، كانت الغرفة مضاءة بضوء النهار الهادئ الذي يعكس تفاصيل المكتب المتواضع. جلس صاحب المصنع وراء مكتبه، رجل في منتصف العمر بملامح قاسية ولكنها مشبعة بالتفهم. رفع نظره نحوها، وأشار لها بالجلوس.
بدأت سارة تتحدث بصوت متهدج لكنه ثابت،
"صباح الخير.
اسمي ساره وقد جئت لأطلب وظيفة. والدتي توفيت منذ فترة قصيرة، ووالدي... يعاني من إدمان. أنا الآن المسؤولة عن نفسي وابي وأريد أن أعمل."صمت صاحب المصنع لبرهة، متأملاً في الفتاة الجالسة أمامه، التي تحمل على عاتقها همومًا تفوق سنها بكثير. سألها بنبرة هادئة، "هل لديكِ أي خبرة في العمل؟"
أجابت سارة بصدق، "لا، لكنني مستعدة لتعلم أي شيء. أحتاج إلى هذه الفرصة."
نظر الرجل إلى عينيها، ورأى فيها بريق العزيمة والأمل الممزوج بالألم. قرر أن يمنحها الفرصة التي تبحث عنها. قال بصوت دافئ، "سأمنحك الوظيفة، براتب 500 جنيه في الأسبوع. العمل سيكون صعبًا، لكنني أؤمن أنكِ قادرة على التحمل."
تلمع عينا سارة بدموع امتنان لم تستطع حبسها، "شكرًا لك. لن أخذل ثقتك بي."
غادرت سارة المكتب بخطوات أكثر ثباتًا، تشعر بأن الحياة قد أعطتها نافذة جديدة من الأمل. عادت إلى المنزل لتخبر والدها بالخبر، مؤمنة بأن المستقبل يحمل لها ولعائلتها بداية جديدة، وأنها ستكون القادرة على تغيير مجرى حياتهم إلى الأفضل.