الفصل السادس

70 7 13
                                    

طيف كريه، بعث من وحل الماضي..

نشر الجوري الابيض رومانسيته التي ترجاها الاب ضرغام رغم شحنة الأجواء.. تبتسم ياسمين لمزهرية الجوري كلما رفعت عيناها رامية نظرة سريعة للسيد المتجهم المترأس للمائدة، يكاد ينفجر ! رنين الملاعق الخفيف فقط ما يصدر من طاولة العشاء، حيث إلتف الأربعة عقب سلام بارد لم يخلو من غيض بثته عينا فارس لائما أبيه.. يعرف أن والده من دبر حضور يزن، و متأكد أيضا أن هذه الزيارة لن تكون قصيرة.. هم اثقل قلبه و غم زائد ركب ظهره.. لا يعرف أن كان يفكر بياسمين ام أبيه ام المشروع الجديد و بقية الأعمال ام وجود هذا اليزن الذي سيجر له المزيد من الصداع.. غضب عارم غطى على دهشته حين ولج القصر بصحبة ياسمين و وجد يزن ينزل متبخترا من السلالم.. توقف مكانه تعلو الدهشة ملامحه لوهلة، لم يستوعب عقله بالبداية أن هذا الاسمر المديد اكحل العيون ليس إلا يزن الصغير؛ دلوع أمه ! ما كان يطلق عليه ساخرا قبل سنوات.. لكن على الأقل كان يتمكن من بلعه و استسياغه، ليس مثل الدكتور حازم؛ اثقل خلق الله دما، و اكثرهم تكبرا.. هذا بتقييم فارس طبعا.. مصافحة بالايدي و تمتمة لم تسمع رد بها فارس متجهما على سؤال أخيه عن حاله.. كان الاسمر مبتسما حقا، و سائلا بقلب يخفق بسرعة عن حال اخيه الكبير بصدق.. مباركا له زواجه متمنيا له الذرية الصالحة.. كل هذا و رجل الجليد صامت يحملق بدون تعابير بوجه يزن الشاب الجميل.. لم يرمش لمرة واحدة، لم يستطع أن يكبح فضوله.. بخجل كبير ردت ياسمين على سلام الاخ الاصغر و مباركته، مسببا ترحيبها اللبق بصوتها الرخيم حريقا صغيرا في قلب السيد فارس اليعقوبي.. لا يعرف لماذا شعر انه يريد ضمها إليه ليري ذلك الشاب الوسيم الذي قبل يدها بمنتهى النبل أنها تعود اليه.. ضايقته اكثر ابتسامة ياسمين العريضة و إحمرار وجنتيها " ما بها سعيدة هكذا ؟! " مغتاض جدا دمدم في نفسه.. ازعجه حقا انشراحها البائن الآن، بيد رفقتها الصامتة طوال طريق العودة و قبلها دموعها التي أحرقته و من ثم عصبيتها الغريبة صدرتها له وحده ! و الان هذا الارتياح المزعج لصاحب الابتسامة الجذابة ذاك، و كم إستفزه صوته الرجولي الاجش ! لأول مرة في كل حياته يشعر انه خفي، أو خائف من الحجب بتعبير ادق..
تنهد في ضيق مقطبا حاجبيه حين خرج الصوت الاجش خافتا يخاطب ياسمين مستفسرا عن كليتها و مدى جاهزيتها للدوام.. وجد فارس نفسه يجيب يزن دون شعور منه، مستشيط فقط من وقاحته.. جزء منه يسأل " أين الوقاحة في ذلك ؟ أنه رجل مهذب أراد تحريك الامسية الراكدة بفتح دردشة ودية مع سيدة البيت " لكن هذا أيضا لم يمنع لهجته الحانقة..
_ ياسمين على اهبة الاستعداد..
..ثم ادار رأسه لياسمين المحرجة من اسلوبه الخشن بالرد و اردف بحدة لم يقصدها..
_ لا ترهقي نفسك بالسهر، اكملي عشائك بسرعة و اخلدي إلى النوم.. لديك صداع مؤلم على ما اظن !
.. ياالهي تكاد تختنق من الاحراج ! ابتلعت ريقها بصعوبة و اومئت له دون أن تنظر في عينيه منصبة انظارها على طبقها المنتهي تقريباً فنهضت بهدوء و استأذنت منهم برقة و بسمة خفيفة ثم غادرت بعد أن تمنت ليلة سعيدة للجميع.. زفر هو الهواء بعنف ساخطا اكثر على نفسه مستدركا قوله و طريقته الجافة الغير ملائمة تماما مع حالتها المرهقة اليوم.. فشتم يزن بسره بألفاظ نابية و كم تمنى لو يسدد لكمة محترمة بمنتصف معدته حين لمحه بطرف عينيه المشتعلة يقف لها بتهذيب بينما نهضت ياسمين مستأذنة.. شاب لافت وسيم يعرف جيدا كيف يتعامل بود و اناقة مع السيدات.. يقابله هو الجلف الصلف بوجه الخشب خاصته ! مناظرة غير متكافئة سيكون الآخر فائزا بها مع نوط استحقاق..
ضغط قبضته و إظلمت عيناه يستمع لكلمات اعجاب يزن بياسمينته مخاطبا الأب ضرغام المبتسم ببشاشة نبس بها قاعدا على الكرسي ليستأنف عشائه، و ليته يغص به ! داعيا فارس في قلبه..
_ ما اروعها ! في وقتنا هذا يصعب إيجاد فتيات بمثل شخصيتها.. محترمة جدا و رزينة، خجولة و ودودة..
.. بطريقته الدافئة علق الأب ضرغام مبتسما مخفيا استيائه من فظاظة ابنه و استمراره بأحزان زوجته..
_ ابنتي ياسمين مميزة، لذلك اختارها فارس من بين الكثيرات.. هي الوحيدة التي تمكنت من أن تقنعه بنفسها، و جعلته يتنحى عن عرش العزوبية..
.. عض فارس لسانه يوج من الغيض قابضا على اعصابه بأعجوبة.. اكتفى من تغزلهم بزوجته، و وقف بحدة اجفلت الرجلين راميا كلمتين يستأذن بها من والده دون أن ينظر لأحد يتمتم بهسيس لم يسمع فقط دخانه الذي يلحقه هو ما كان مفهموما و واضحا بجلاء لأعين الأب المحبط و الأخ الساخر من غيرة أخيه الأكبر على زوجته الصغيرة.. فراسة ثعلبية رافقت بسمة يزن المتسلية بينما يمضغ لقمته مطالعا مشية اخيه الملتهبة.. فهم جيدا أن الاخ يغار، و ما اسعده بهذا الاكتشاف ! حيره فقط الهالة المتوترة الصادرة من ذبذبات ياسمين.. مهزوزة و متجبجبة و غير متواصلة مع هالة فارس الهائلة رغم ما ابداه هو من تملك مكشوف ناحية انثاه المنغلقة.. وضع لقمة أخرى في فمه يأيد نفسه من الداخل، منغلقة؛ هي الكلمة المناسبة ليحدد حال زوجة أخيه في إطارها.. أمر يدعو للأستغراب حقا.. مع كل ما يبثه فارس من احتواء و محبة، باقية لغة جسد ياسمين متحفظة، و بشكل مكرر منغلقة.. بارع هو بلغة جسد النساء و اكثر من فاهم لحركاتهن.. أسترعى انتباهه تنهيدة خائبة صدرت دون شعور من الأب الشارد بأثر ابنه، فتبسم يزن بخفة مشفقا على حال العجوز الطيب.. معلومة أخرى دخلت ضمن فهرس معلوماته بملف مشروع جمع الشمل المزعوم هذا؛ السيد فارس صعب المراس بطريقة زائدة وموجعة لقلب الأب.. و من ماهو مطروح الآن فأن عمله لن يكون سهلا ابدا و خاصة بوجود ياسمين و تلك العلاقة الغريبة التي استشعرها بين الزوجين.. عليه أن يفعل خاصية الثعلب أن أراد كسب ما يريد، و ايضا عليه تخفيف العبئ عن قلب هذا المسن الجميل الذي أمامه.. ابتسم اكثر و بادر بالكلام مزيحا بأحاديثه المرحة و لطافة اسلوبه كل ضيق و حرج خيم بثقله على صدر الأب..

بارقة امل Where stories live. Discover now