...

1 0 0
                                    

إنه الصباح حيث أشرقت الشمس كي تبدد ظلام الليل؛ لكنها للأسف لم تبدد ظلام الظلم.
اليوم هو عيد ميلاد جهاد، ذلك الطفل الذي ما رآه أحدٌ قط إلا وفخر بأنه من أطفال شعبه.. حيث كان جهاد يبلغ من العمر عشر أعوامٍ نعم، لكن أحلامه وتفكيره وأهدافه كلها لا تنُم إلا عن شابٍ يبلغ العشرين.
جلس جهاد ووالدته يتناولان طعام الإفطار، والذي لم يكن سوى لقيماتٍ صغيرة لا تسمن ولا تغني من جوع.
أنهى جهاد طعامه (إن كان هذا يسمى طعاماً في الأساس) وحمد الله، وجلس يقرأ ورده من القرآن والذي كان يقرأه من مصحفٍ قديم قد بدت أحرفه ضبابية لا تتضح للقرئ إلا بصعوبة.
تابعت والدته إرهاقه لكي يرى الآيات ولمحت بعدها حقيبة الدراسة القديمة جدا الملقاه على إحدى الأرائك المتهالكة، فعزمت بداخلها أن تجلب له حقيبة ومصحف.
إنهم عائلة فلسطينية من عرب ٤٨ للأسف هم رسمياً من مواطنين المدعوة إسرائيل، لكنهم فلسطينيون قلباً وجسداً ودماً.
توفي والد جهاد وتركه ووالدته يواجهان صعوبات الحياة وحدهما.
فعاشت والدة جهاد (هاجر) من أجل ولدها فحسب؛ ولكنها في الفترة الأخيرة شعرت ببعض التعوكات، كانت تشعر بالإرهاق الشديد كلما بذلت أي مجهود حتى ولو كان بسيطاً، وكانت شفتاها تزرق مع ذلك الشعور بالإرهاق.
ذهبت إلى المشفى وأخبرها الطبيب أنها مريضة بالقلب، وأنها معرضة للموت في أي لحظة؛ فهي لا تتناول أي أدوية تخفف من ذلك المرض، فهي لم تكن تعلم؛ وحتى إن كانت تعلم، هي بالكاد تجلب من عملها قوت يومها وطفلها ولا يكفيهما في الأساس ، فكيف بالله كانت ستجلب الدواء إن كانت تعلم بمرضها؟
تخلت هاجر عن مراقبة طفلها واستقامت خارجة من المنزل.
لم يسأل جهاد عن وجهتها ولم يتحدث، هذا هو طبعه.. إن لم يخبره الشخص عن الشيء لا يسأل.
بعد فترة من الوقت.
أتت هاجر من الخارج حاملة في يدها حقيبة سوداء، وبعدها جلست ووضعتها على قدم جهاد ،.
أبصر جهاد التعب البادي على والدته؛ والذي كان ملحوظاً في الآونة الأخيرة ، لكنه ظل صامتاً، معتقداً أن هذا الإرهاق بسبب عملها،.
أخبرته أن يفتح الحقيبة، وحينما فتحها، رأى حقيبة دراسة على شكل دُب الباندا.
رفع حاجبه باستغراب وهو ينظر إلى والدته.
أخبرته أن هذا الدُب من السلالة النادرة المختلفة، وهي تراه كذلك، لذلك أحضرتها دوناً عن غيرها.
كانت تتحدث بصعوبة، وإلتقات أنفاسها بالكاد يكون.
قلق جهاد وأحضر لها المياه، لكنها رفضت.
وتحدثت له بصعوبة وبتقطع وهي تمسك بصدرها جهة قلبها مخبرة أن يذهب لقطاع غزة، فهناك صديق والده وزوجته التي لم تكن سوى شقيقتها.
بعدها أغلقت عينيها، معلنة عن نهاية رحلة طريقها.
حاول جهاد إفاقتها لكن دون جدوى.
وهنا أيقن جهاد أنه بدأ في مواجهة الصعوبات الشائكة.
ترقرقت عيناه بالدمعات، في حين حدثته نفسه أن هذا ليس وقت الحزن والانهيار.
سمع أصوات قادمة يتحدثون بالعبرية، فعرفهم على الفور، إنهم أصحاب المنزل.
كانوا يأتون دائماً ويبدأون في مدايقته ووالدته، حتى تعطيهم إيجار المنزل فيذهبون.
حمل الحقيبة التي جلبتها والدته وخرج من المنزل تائهاً لا يعلم وجهته، فهو يظل طفلاً لا يقدر على حل المشكلات.
أبصر إحدى السيارات المتوقفة والتي كانت ترجع لرجل فلسطيني فذهب له وسأله عن وجهته، فأخبره أنها قطاع غزة.
صعد إلى السيارة وهو يفكر بالسهولة التي هيئها له الله، أسيكون له دوراً مع المقاومة لذا أخذته أقداره لغزة؟
مر الوقت ووصلت السيارة دون مشاكل وصعوبة؛ وهذا ما أقلق جهاد.
لا بد أن المحتل يخطت لشيءٍ ما.
ولم ينته من تفكيره إلا وسمع صوت القنابل والطائرات.
نزل من السيارة متجاهلاً حديث الرجل له ورقد هائماً يخشى أن يفقد من تبقوا له.
يرقد وسط الحطام يتحسس حقيبته التي تبدو أنها تحتوي على كتابٍ بل إنه مصحف.
نسيَ كل ما يواجهه وشعر أنه يمتلك كل كنوز العالم بامتلاكه ذلك المصحف.
يرقد هارباً من كل ذلك وهو يتساءل.
أين العرب من كل ذلك؟
لماذا لا يساعدوهم؟
لماذا كُتِب عليهم الشقاء دوناً عن غيرهم؟
يرقد لا يعلم وجهته بعد أن رأى منزل خالته يحترق أمامه.
يرقد مبصراً الأطفال منهم من يبكي ومنهم من تماسك ومنهم من يموت.
يبصر الأهل يبكون موت أطفالهم.
يبصرهم يبكون تخاذلهم.
يبصر الثبات الذي يغلف الجميع.
يبصر الحطام، حطام الحرب.
يشعر بحطام قلبه المنفطر على كل ذلك.
هنا وبكى جهاد بحرقة.
أين المسلمين؟
أين العون؟
ألا يوجد إنسانية؟
أبصر السماء المغطاة بالغيوم السوداء جراء الغارات، والطائرات.
إلى أين يرقد وإلى ماذا يهرب.!
لقد تحطم كل شيء؛ وتحطمت حياته.
لقد تحطمت آماله وأهدافه التي كان قد وضعها نُصب أعينه.
لقد كان يرقد وسط الحطام ويشعر بحطام كل شيء...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 24 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حطامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن