صوت الضحكات يعلو والملاعق تتلامس مع الأطباق وأحاديث الجَّدِ والجَّدة التي لا يُمل منها تعلو مع ضجيج الأطفال الذي يكون ببعض الأحيان مزعج، تلك التفاصيل الصغيرة التي تملأ المكان رونقآ ودفئآ عائليآ لا يمكن لأي شيء أن يعوضك عنه.
| يوم الجمعة|الرابعة عصرا|بتوقيت السعادة|
اجتمعت العائلة في منزل أحد الأبناء للاحتفال بذكرى زواجهم، قطّعوا الكعكة وتناولوا ما لذ وطاب من الحلوى والمكسرات والعصائر وقاموا بالتقاط بعض الصور التذكارية لهذا اليوم الذي لا يُنسى والتي ستكون فيما بعد بآخر صورة تجمعهم بمكان واحد.
كَسَر صوت الضجيج الممتع صوت الجد وهو يودع من في البيت قاصدآ طريقه نحو المنزل متمنيآ للزوجين عامآ سعيدآ يقضونه بطاعة اللّه وبرفقة أحبائهم.
وبذلك انتهى ما سميناه بعد ذلك ب"آخر يوم للسعادة".كانت حياتنا في غزّة متمثلة بحفظ القرآن والدراسة والعمل والتبريكات والتعازي، نذهب للبحر، المنفس الأول والأخير لسكان غزّة، والمتنزهات البسيطة التي صُنعت بأيدي الغزيين، والمطاعم التي كانت تقدم ما لذَّ وطاب من الأكلات الشعبية الفلسطينية. كّنا سعداء بالرغم من الحصار الذي نعيشه والعيون التي تراقبنا وترى كل تحركاتنا وتعرف أدّق وأتفه التفاصيل عنك وعن حياتك وأهلك وعملك حتى هُويتك ومتى تدخل وتخرج مِن والى البيت والكثير مما يسمى "بالمعلومات الشخصية" ولكن يعلمها مئة شخص وألف آخرين،
إنها "كاميرات التجسس الإسرائيلية" مما يسميها أهل غزة "الزّنَّانَة"؛ بسبب زنِّها طيلة الليل والنهار فوق السجن المفتوح¹ وصوتها المزعج الذي يسبب لك حالة من القلق والانزعاج وألم الرأس، وفي بعض الأحيان لا نسمع بعضنا البعض بسبب علو صوتها البغيض.فجر يوم السبت، بعد يوم جميل من تجمع العائلة وفي الساعة السابعة صباحآ بينما أتجهز للذهاب للمدرسة، توهج ضوء أحمر أضاء كل شبر في المدينة تلاه صوت هزَّ الأرجاء، جَعَلَ كل من فيها يستيقظ بحيرة وخوف مما يحدث، فتلك الأصوات كانت تُسمع لأول مرة بالرغم من الأصوات التي اعتاد السكان على سماعها لحوالي ستة وسبعين سنة² إلّا أن هذا الصوت يُسمع لأول مرة، استمر هذا الصوت لحوالي عشرة دقائق متواصلة كان جسدي لا يتوقف عن الارتعاش من الخوف وصوت صراخ الأطفال وقلق الرَّجال الواضح على ملامحهم حتى لو حاولوا اخفاءه زاد من هِول الموقف والارتباك لدينا، فإما أن تكون هذه صواريخ من الاحتلال الإسرائيلي³ يقذفها بشكل عشوائي على المنازل، وإما أن تكون صواريخ تطلقها المقاومة الفلسطينية⁴ على الاحتلال.
مرّت نصف ساعة ولا أحد يعلم ماذا يحدث وبالطبع كثرت الاشاعات في تلك اللحظات، منهم من قال انها قد بدأت حرب علينا، ومنهم من يقول أنه تم اغتيال أحد كبار المقاومة، والبعض الآخر يقول أنها صواريخ تجريبية⁵، والكثير من القيل والقال في قليل من الوقت مع توتر وترقب لما سوف يحصل لنا وكيف سيكون مصيرنا.
- هل هذه بداية حرب جديدة؟
- وهل ستكون قصيرة وتَعْبُر كغيرها من الحروب؟
- أم انها ستطول وتنتهي باستشهادنا؟
--------------------------------------------------------------
¹" السجن المفتوح": سمي قطاع غزة بالسجن المفتوح نظرآ لانعزاله عن العالم وتطويقه من جميع الجهات بسور فاصل وأسلاك شائكة تفصله عما يجاوره من مدن ولا يستطيع السكان السفر للخارج الا بأمور معقدة وعبر معبر بري بين غزة ومصر بسبب عدم وجود مطارات.²"ستة وسبعون سنة": نعم، فقطاع غزة من عام 1948م ما يسمى "عام النكبة" وهو في حصار برآ وبحرآ وجوآ وما زال حتى هذه اللحظة.
³" الاحتلال الإسرائيلي": هو الذي يحتل ويحاصر غزة الآن ويطمع في سرقتها وجعلها ملكه فبعدما حصل على حوالي( 75٪) من فلسطين بعد تهجير أهلها الفلسطينين قسرآ بقوة السلاح، طمع في غزة وقرر سلبها من اهلها كما فعل مع باقي المدن الفلسطينية ولكن قوة أهلها وانتمائهم للوطن حال دون ذلك فقام الاحتلال بعزلها عن العالم وحصارها الى أن تستسلم، ولكن حاشاه.
⁴"المقاومة الفلسطينية": هي حركة بسيطة شكلها رجال غزة لمواجهة الاحتلال والدفاع عن أرضهم باستخدام أدوات بسيطة من صنع أيديهم.
⁵"الصواريخ التجريبية": صواريخ تطلقها المقاومة في البحر أو أماكن فارغة لكي تتأكد من فعّاليتها.
انتهى الفصل📍
أنت تقرأ
كَالْفرَاشِ المَبْثُوثْ
Rastgeleكَالْفرَاشِ المَبْثُوث تَروي قصَّة حَقيقية لِعائلَةٍ تعيشُ في حَرْبٍ دامَتْ لعامٍ كامل وما زالتْ مُسْتمِرة حتى الوقْتِ الحَالي. تَأخُذكَ مَعها بكُلِ التَفاصيل المُرْعِبة التي لا يُصَدِقهَا عَقْلٌ بَشَرِّيْ لِتَشعُرَ أنَّكَ لَوْ كنْتَ هُناكْ. غَزّة2...