ليلة ماطرة أخرى من ليالي ديسمبر..،،
رعد عكر صفو السماء كما عكّر صفو و تفكير الغلام..
الغلام الذي يخفي خوفه خلف وجهه الواجم..فهو يخاف..يخاف الخوف و يخشاه!!
دث نفسه تحت غطاء فراشه ينتظر عودة أبيه بفارغ الصبر.، أتى أخوه الصغير ممسكاً أحد كتبه التي يأخذها معه أينما ذهبت..على عكسه..لا يحب الكتب..لا يحب القراءة..ولا يحب المعلم حامد!!!
قد أصاب رفاقه حين قالو انه لا يحب سِوى الملاكمة!!
دلف والده فرفع غطاء سريره...،،
لقد عاد مَن بدونه يعم الضجــــر..مَن يبعثر السعادة و الجب هُنا و هناك..عاد والده!
جلس بجوار ولديه ممسكاً كتاباً قديماً..فور أن فتحه امتلأ المكان بالغبار..
_ ما هذا يا أبي؟! قصة خيالية أخرى أليس كذلك؟!
لاحت على وجه والده ابتسامة عذبة و هو يقول مبتهجاً.:
_ إن لم يعجبك مذاق الواقع..ضف بعض التوابل! كما أنها ليستْ اي قصة.!
سألته اختي و الشغف يطل من عينيها.:
_ ماذا تعني بأنها ليست أي قصة؟! هل حدثت بالفعل!! ما عنوانها..
قال ابي شارداً.:
_ فِيسبيــــريا.!
_____________________
'سليــــم عبد الكافي'...ذلك الشاب الطموح..الشاب الذي دُمّر سقف طموحِــه حين بدأت المسؤولية في الانزلاق على كتفيه.،
فبَعد إنتحار 'ميار' ،
تلك الجميلة التي سرقتْ قلبــه و شغفه..مَن يتحول أمامها إلى طفلٍ صغير..عاجز عن التعبير..،،
ربما حبه لها كان بمثابة صاعقة اجتاحت حيــاته..
لقد احببها بصدق!..أحياناً يتمنى توقف كل دقة حب و نبضة في فؤاده لها..،،
حتى لو كان هذا سبباً في توقف قلبــه و سلب روحه!!
هو يرى نفسه ميتاً على أي حال! دُفن قلبه حين رحلت و تركتهم..
يجلسُ امام الشاطيء كل يوم..يمسك صورتها..، يحدثها عن يومه..يبوح له عما يكمن في صدره..،، يغمض عينيْه و يجهش في البكاء كالطفل..و يشكي لها من توبيخ أمه! ذهب و أتى..و مازال عاطلاً عن العمل!..لماذا ينبذه الكل و يرفضه؟!! حتى أمه..بدأت الشكوك في التدفق إلى رأسه..هل أمه لا تحبه؟! و والده..والده لم يعد حِمل الدفاع عنه كما كان يفعل و هو صغير..حين توبخه أمه على خطأ ارتكبه..فيشفع له والده الحنون، هو القدوة و الاب و الأخ.. و الصديق الذي يبوح له بكل شيء..
كبر من كان يستند به..،و صار سليم المسؤول عن كل شاردة و واردة تخص عائلته!..و عليه البحث عن عمل في أقرب وقت بعد تقاعد والده عن المعاش و مرضه الشديد..
و لكنه مرفوض!! بل و بلا فائدة في حياة الجميع!!! لماذا هو؟!
نهضَ و و حمل حقيبته على كتفه..متجهاً لبيته..أمام شاطيء الإسكندرية..، يسير بجوار مياه البحر النقية.، على الرغم من كونها مالحة.. و لكنها أنقى من أي شيء يعرفه.، يكفي أنه يبث الراحة في نفس كل من مرّ أمامه..، بإبتسامة عذبة و جميلة ودّع 'سليــــم' مياه البحر..
كانت شقتهم في الطابق الثاني..بعد شقة جارهم المتطفل 'سامر' كما كان يقول..
طرق باب شقتهم..ففتحتْ نوران و في يدها كتاب الفيزياء..الذي لم يفارق يدها..فهي تريد مجموعاً جيداً في الثانوية..لقد بذلت تلك الفتاة جهدها..،
سألته و هو ترمقه بنظرات ارتياب.:
_ماذا بك يا سليم؟!! لا تبدو لي على ما يرام..
قال بصوتٍ خافت يشوبه الأرهاق.:
_ و منذ متى كنت على ما يرام..
قال و هو يلتفتُ حوله.:
_ أينَ أمي؟
لم يحتج لأجابة نوران..اتته أمه ترمقه بنظرات حادة..، ربما تقسو عليه معظم الوقت..و لكنها كأي أم مرت بتجارب مؤلم شابت لها شعرها و ظهرت تجاعيدها..، هي فقط تريد الاطمئنان عليه..فالبيت الآن بلا مصدر دخل مستقر..يعتمدون على شاب ذو ستة و عشرين عاماً.!
تحدث بعد حوار دار بين عينيهما.:
_ رُفضت..
ثقبته بنظرت عتاب و تنهدت و هي تقول.:
_ كالعادة! وُلدت لتكون حِملاً علينا.!! متى ستكون ذو فائدة يا سليم؟!!!
اخفض رأسه الذي كاد ينفجر غضباً بعد كلماتها الجارحة..لولا والده الذي أتى و هو يقول بصوتٍ ضعيف.:
_ اتركي الفتى و شأنه يا حسناء!
اومتْ أمه برأسه و هي ترمقه بنظراتها..،
بات يشعرُ أنه دميـــة مسرح...و خيوطها مع أمه..لم يعد الشاب الطموح...يسير في الطرقات دون هدف او إرشاد...، كُتب عليه ان يقوم بما لا يحب!
"سليم"
استلقيت على سريري قبل دخول نوران لتبحث عن احد كتبها..
_نوران.
نظرتْ الي مترقبةً حديثي..
_ تعاليْ هنا..
جلستْ بجوراي تتمعن في صفحات كتابها الممل..ضحكتُ رغماً عنّي و أنا اقول.:
_ سامر..، طلب يدك منّي
احمر وجهها و اتسعت عيناها..ثم قالت بنبرة تشوبها الغضب
_ و ماذا قلت له؟!
رفعتُ حاجباي قائلاً.:
_ رفضتُه لأنني أعرف ردك!
تنهدتْ و هي تقول واجمة.:
_ خيرٌ فعلت! و لكنك لم تستشيرني قبلها يا سليم!!!
_ أعرف رأيك..لماذا استشيرك اذاً؟!
نضهت و قالت دون أن تنظر لي.:
_لم ترفضه لأنك تعرف رأيي..بل فرضته لأنك لا تحبه! على الرغم من أنني لم أكن لأوافق اساساً.!
قلتُ بصوت خافت.:
_ ربما.!
ثم اردفتُ.:
_ سأستشير أبي ايضاً..
اومأتْ برأسها..، فنهضتُ متجهاً لغرفة والدي..
طرقتُ باب غرفته..فأذن لي بالدخول..كعادته يجلس و في يديه قلم و ورقة..إنه عاشق للكتب..حتى إنه افتتح مكتبةً أمام الشاطيء حين كان في عمري لكنها لا تجني مالاً يكفينا..
جلستُ بجواره..و قلتُ واجماً.:
_ سامر..طلب يد نوران منّي..
ابتسم و نظر اليْ و كأنه ينتظر ردّي..
و انا ايضاً كنت في انتظار اجابته..
قال بعد صمت.:
_ إنه رأي نوران ليس رأيي و لا رأيك يا سليم..
ضحكت قبل أن اقول.:
_ لقد رفضته..اكره تطفله!! ليس مناسباً لها..
_ و ماذا عن نوران..ألم تستشرها؟
صمتُ هنيئة..ثم قلت.:
_ لقد سألتها الآن..و أخبرتني أنها لا توافق..أنا أعرف اختي جيداً.!
ضحكَ و هو يمسح على شعري..
ثم قال بصوتٍ تخنقه العبرات.:
_ أود إخبارك بشيء يا بني..
نظرتُ إليه و كدت اسئله عن سبب دموعه..لكنه بادر بالحديث.:
_ تعلم أنني أحبك..أليس كذلك؟
انتابني القلق من كلماته.، لكنني اجبته.:
_ بالتأكيد يا أبي..لكن لماذا تقول هذا هل هناك شيء يا ابي؟!
دار بيننا حوار بالعيون..يبدو..مختلفاً..لا أعرف ماذا به..لكن كلماته تزيدني قلقاً.!
_ أبي.. ماذا بك؟!
عانقني و هو يقول.:
_ اعتني بأختك جيداً يا سليم..كن سنداً و عوناً لها..و لا تحزن حين توبخك امك.، هي تحبك صدقني..،
لا تجعل للشكوك مكاناً في رأسك ، و لا تتمسك بذكرى قديمة في الماضي
اومأتُ برأسي احاول ان اجد مبرراً لكلماته..لكنني لم أجد فقبلت يده و دخلت غرفتي لأغرق في نوم عميق بعد يوم مرهق..
__________________________________
استيقظت على صياح نوران..
لم أستطع تمييز كلامها في البداية..حتى صرخت.:
_ ابي اختفى يا سليم!!!!!! لقد اختفى!!!
اتسعت عيناي و نهضت ابحث عنه في البيت كالمجنون..كيف اختفي؟!!!..لهذا كان يخبرني ليلة البارحة بأنه يحبني!!!!! أين ذهب؟!!
نظرتُ إلى أمي التي بدأت في البكاء..ارتديت معطفي و غادرتُ للبحث عنه..بالتأكيد هو في مكتبته!!!
رقدتْ نحو شارع حيّنا..اصدمت بسامر الذي اوقفني ليطرح عليّا كل الأسئلة الممكنة...بترت حديثه و أنا اقول مرتبكاً.:
_ رأيت أبي؟!!
حرك رأسه نافياً و بدأ في الحديث و أنا لا أعرف عما يتحدث..رقدت نحو المكتبة..، رقد ورائي و لكنني لم اعره اكتراث...هناك شيء في داخلي يخبرني بأنني لن أراه مجدداً بعد حديث أمس..
وصلتُ للمكتبة و بدأت في الصراخ بإسمه كالمجنون...كما توقعت! ليس هنا..!!!
اخذت ابحث عن اي شيء يدلني عن مكانه..وقف سامر بجواري و هو يقول.:
_ اتصل بأصدقائه..
صحت غاضباً.:
_ كفاك ثرثرة كنت سأفعل!!!
قلب شفتيه في غضب و أنا أمسكت هاتفي اتصل بأقاربنا....اتصلت بعَمّي على الرغم من الخلافات بينه و بين والدي..،
_ سأتي فوراً يا سليم و سأتصل بكل من اعرفه لعله عند احدهم
_ شكراً يا عم..
ثم أغلقت الخط..قال سامر و التطفل ينبع من عينيه.:
_ اتصلت بعمّك!!! ماذا عن الخلافات بينه و بين والدك؟!
دفعته خارج المكتبة و أنا أصيح غاضباً.:
_ ليس وقتاً لتطفلك يا سامر والدي مفقود!!!!! ابتعد عني رجاءً!!
قال و كأنه لم يسمعني.:
_ هل أخبرت نوران؟
_ ألم تسمع؟!!!!! ابي مفقود ليس لدي وقتٌ لك!!!!!
اغلقتُ باب المكتبة و أخذت ابحث في كل رفٍ فيها.. كلها كتب و قد قرأتها كلها..
عدا..ذلك الكتاب..كان كتاباً بلا عنوان او مؤلف حتى..كتاب قديم و ممزق..لم أره من قبل..فتحته..إنه خط يد أبي!!!!
جلستُ و أنا اقرأ رسالته بتمعن..و لم افهم شيئاً حتى!!
____________________________________
بقلم عبد الكافي سعد..،
إلى مَن يمسك الكتاب الآن...إعطه لبنيّ سليم.. و إن كان سليم من يقرأه..فأرجوك ركز جيّداً
" در عهد ماندن "
احفظها عن ظهر القلب..فقد يظهر لك طيف الدروازة في أي لحظة..نفذ كلامه يا ولدي و كُن شجاعاً سلاحك اليقين كما علمتك!
توجه للبحر و ألقي الكلمات لعل الدروازة تُفتح لك..، فأنا واثق من نقائك يا ولدي!
و تذكر أننا..باقون على العهد!!
أعرف انك عنيدٌ و لن تستمع لي بسهولة!! و لكنني أعرف كيف استطيع إقناعك..
إن أردت رؤية مَيار..، استمع لطيف الدروازة!
...
كدت أفقد وعيي بعد قرائتي تلك الرسالة..كان اسم ميار كصاعقة قسمت رأسي نصفياً فصرت عاجزاً عن الفهم أو التفكير!!
ما هو طيف..الدروازة؟! ما هي الدروازة أساسا؟!! و كيف سأسأل الطيف عن ميار؟!! و..ما..ما معنى باقون على العهد؟!!! أنا..لا أفهم شيئاً.!!!
البحر!!
امسكتُ الكتاب و رقدتُ نحو البحر بأسرع ما لديْ!
لعلي اجد ما يرشدني هناك..أو ربما أجد ابي حتى!!
رقدت و قلبي يتدحرج أمامي على الطريق..و كأن الأمل عاد إليْ لأرى ميار!!! بعد أن مر أكثر من عامين على اختفائها..قال اثنان أنهم رأوها تلقي نفسها نحو البحر..
البحر!! ربما هي هناك كما قال ابي في الرسالة!
كان القلق يغمر كل خلية في جسدي..اخشى أن أفقد أبي كما فقدت ميار..و أكثر ما يؤلم الفقدان!
وقفتُ أمام البحر كثيراً..التفت حولي فلم اجد اي احد..سوى..سامر يتبعني!!! ذلك المتطفل!!..لم اعره اكتراثاً و ركزت على هدفي الأساسي..سئمت بعدما لم يحدث شيء فناديت أبي بأعلى صوت لدي..لم أجده..فسئمت الصراخ كذلك!
قرأت الرسالة بهدوء أكثر.. فهمت من كلامي والدي أن ألقي الثلاث كلمات، ترددت في البداية خشية أن احضر جناً او طيفاً بالخطأ.!!
لكن...ترددي سريعاً ما زال حين رأيت الكثير من الغبار ينبع من الكتاب فجأة سقطت على الأرض و أسقطت الكتاب من خوفي!!
إنه طيف!!!! طيف شاب بدا في مثل عمري يطالعني بنظراتٍ اخافتني..التفتُ مجدداً فلم اجد احداً.!! و زاد هذا من ارتباكي..كنتُ احتاج لشخص كي يؤكد لي أن ما أراه ليس من وحي خيالي..
نهضتُ و أنا أهمُ بالابتعاد دون أن اعطيه ظهري..
قال واجماً:
_ انتَ حفيد حفيدي! يا للسخرية!
انفجرت اساريري حين سمعته..حفيد حفيده!!!
_ مَن انت؟!!
_ الملك سيردار يا بن حفيد ابني!
عقدت حاجباي بعدما غادرني القلق..كدت اطرح عليه الكثير من الأسئلة التي تجول في عقلي كالذباب..لكنه قطع تفكير بقوله.:
_افتح الدروازة و لبّي النداء يا سليــــم...افتح و ادّي مهمتك..
_ كيف؟! أنا لا أفهم!!!
قال قبل أن يتبخر أمامي.:
_ الطلاسم!
امسكتُ بالكتاب..خلعت حذائي لتلامس قدماي الماء.. و بدأت في إلقاء تلك الطلاسم و أنا لا أعلم ماذا سيحدث لي بعدها.!!
ران عليا صمت ثقيل لم يحدث فيه اي تغيير..حتى أنني فكرت في المغادرة..و ما إن التفت بدأت اسمع أصوات الأمواج تتعالى من خلفي..لألتفت..فرأيت ما كان كافياً ليفقدني عقلي!
أنت تقرأ
مملكة فِيسْبِيريَا " قيد التعديل "
Fantasy'در عهد ماندن' إن كنت شجاعاً بما يكفي..، و إن حالفك الحظ لتكتشف انك حفيد لملك دروازة.، إذهب و ألقي الثلاث كلمات كما فعل اجدادك! لكن تذكر..أنك بفتحك للدروازة ستفتح باباً لن تخرج منه قبل إتمام مهمتك و استرداد الحق لفيسبيريا.!! قد تُواجه مصاعب لا يتح...