متى سأنظر الى السماء وأراها صافية متجردة من القنابل الطائرة؟....
متى سأخطو على أرض خضراء خالية من بقايا جثث بشرية متناثرة هنا وهناك؟ ....
متى سأشرب مياه عذبة لا شوائب بها ولا أوساخ؟...
متى سأعيش حياة آمنة لا أهاب صاروخ يقتحم رأسي ولا نيران؟....
متى سأعيش؟ متى؟!.. متى؟!مكان واسع لا أرى نهايته، فارغ من أي شيء عدايَّ انا! انظر الى يميني فلا أرى شيء، أنظر الى يساري فلا أرى سوى انعكاس نفسي على مرآة نصف مكسورة، أقترب أكثر فأكثر فتوضح صورة انعكاسي ولكن هذه ليست أنا! لماذا وجهي ملطخ بالدماء؟ وملابسي مهترئة وبقع دماء تلطخها؟ ماذا يجري أين أنا ماذا حصل لي أين اهلي أمي أبي اخوتي؟!
شيء لمس كتفي من الخلف وأخذ يحرك بي يمنةً ويسرى تجمدت في مكاني لا اقوى على الحراك، قطرات من الماء الممزوج بالدماء سقطت من يداي المرتجفتان، صوت يناديني من بعيد فيتردد اسمي مرة أخرى بفعل صدى الصوت،
لم أجبه... فنادى مرة أخرى وأخذ يهزني بقوة اكبر جعلتني اقفز مفزوعة...
"انهضي هيا يجب أن نعود الى البيت"
"ح حسنا"
لقد كنت أحلم!زما هذا الكابوس المريع، لا يهم المهم انني بخير. نظرت حولي وإذ بي بين عدد من الناس الغارقين في النوم، واخيرا أسعفتني ذاكرتي وتذكرت أننا هربنا ليلة أمس من القصف المجاور لنا، كانت ليلة عصيبة اذ ان القصف لم يتوقف للحظة واحدة كان الليل كأنه نهار السماء مضيئة باللون الأحمر والناس تصرخ وتصيح، ولكننا ما زلنا أحياء!
ما زال والدي على قيد الحياة!
يتنفس ويأكل، أمامي بشحمه ولحمه!
لا أصدق انه هنا، عاد من الموت بأعجوبة....سرت بين الناس النائمين على الأرض كأنهم جثث هامدة ارتطم باقدامهم وأدوس على رؤوسهم وأخيراً وصلت الى الصالة حيث اجتمع أصحاب المنزل يتبادلون أطراف الحديث.
"صباح الخير" قلت لأبي الذي كان واقفاً عند الباب حاملا بيده الحقائب المهمة التي جلبناها معنا.
"صباح الخير، هيا اذهبي والحقي بأمك واخوتك انهم في الخارج"
"ماذا حصل هل قُصف منزل الجيران؟" سألت وأنا خائفة من الاجابة المتوقعة اذ اني تفاجأت بقوله أنه لم يقصف وكل هذا لم يكن الا اسطوانات
"اسطوانات؟! ماذا تعني" سألت وعلامات التعجب بانت على ملامحي ولكنه قال انه سيشرح لي لاحقاً.سرت في الطريق الخالي وبدأت الشمس بإرسال أول جنود أشعتها ولكن الطائرات المحلقة حجبت نورها لتحول دون وصول الضوء لطريقنا.
وصلنا الى البيت ولم اصدق أني بداخله الآن أتجول بين جدرانه وأتحسس أثاثه كي أثبت لعقلي أنني في البيت وانه ليس حلماً، فقد ذهبت بي الافكار ليلة أمس الى بعيد حيث لعبت بدماغي أفكار التشرد والعيش بلا مأوى.
نمنا نوماً طويلا كأننا لم ننم منذ دهر، استيقظنا واجتمعنا نتحدث عن ليلة أمس، تذكرت ما قاله لي والدي ان خبر الاخلاء لم يكن الا اسطوانات فسألته بلهفة لأعرف الاجابة،فقال أن الكيان الصهيوني يُجري اتصالات عشوائية لسكان قطاع غزة يأمرهم فيها بالإخلاء الفوري والتوجه لمناطق أكثر أمناً. صُعقت من هذا الخبر فمن المعروف أن عدد سكان قطاع غزة يتجاوز الاثنين مليون نَسَمَة فلنفترض أن هذه الاسطوانات المسجلة وصلت الى نصف عدد السكان، مع العلم ان المنطقة التي يتحدث عنها الاحتلال ليست ببيت او بيتين وانما بحيٍّ كامل، فكيف سيكون الوضع حينها؟
أنت تقرأ
كَالْفرَاشِ المَبْثُوثْ
Acakكَالْفرَاشِ المَبْثُوث تَروي قصَّة حَقيقية لِعائلَةٍ تعيشُ في حَرْبٍ دامَتْ لعامٍ كامل وما زالتْ مُسْتمِرة حتى الوقْتِ الحَالي. تَأخُذكَ مَعها بكُلِ التَفاصيل المُرْعِبة التي لا يُصَدِقهَا عَقْلٌ بَشَرِّيْ لِتَشعُرَ أنَّكَ لَوْ كنْتَ هُناكْ. غَزّة2...