يقولون ان الانسان يكتسب شخصيته من الطفولة، وحالته النفسية مرتبطة باحداث وقعت له في طفولته، واقول ان الانسان يولد وشخصيته ونفسيته محددة من السماء.
ولدت في وسط طبيعي بين عائلة مستقرة، لم اعاني من اي مرض، يضربني والدي احيانا كاي طفل صغير اخر، لم يحدث اي شيء غير طبيعي في طفولتي لكن كان يتملكني حزن عارم كأن هموم العالم بداخل راسي، صامت، متقلب المزاج ومنطوي عن نفسي، اكبر والحزن والتقلبات تكبر معي الى سن العاشرة، تفاقمت تقلباتي وحزني، ولم اعد استطيع النوم ليلا، اصرخ وابكي طوال الليل بدون اي سبب كأن هناك شخص بداخلي يعاني من شيء ما، وانا لا اعرف مما يعانيه واصرخ ليخرج مني، اعتقد والدي ان بداخلي جن او ممسوس وقضيت معضم طفولتي بين الفقهاء يقراون القران عني، لكن لا شيء تغير، الى ان راني رجل من العائلة ونصح ابي ان ياخذني الى طبيب نفسي .
كنت في الرابعة عشر من عمري عندما ذهبت لاول مرة عند الطببب النفسي داخل مستشفى سيدي حساين، لم اكن اعرف الفرق بين مريض نفسي وشخص احمق، اصبت بالذعر عندما دخلت الى جناح الطبيب، حديقة صغيرة، مكتب وقاعة كبيرة مغلقة بباب حديدي، في الحديقة حمقى في حالة مستقرة وفي نوافذ القاعة الكبيرة حمقى يصرخون و يطلبون سيجارة، او يقولون كلامًا غير مفهوم، بجانب مكتب الطبيب، اناس ينتضرون دورهم, جلست وامي، اراقب الاشخاص والمكان بينما ياتي دوري، كان كل شيء مخيف، مكان غريب، اشخاص غرباء، دخلا ممرضان الى مكتب الطبيب، واخرجا شخص يحاولون ادخاله الى القاعة الكبيرة، لكنه لا يريد، يصرخ ويدفع بقوة وامه تبكي، هنا بدات اشعر بالذعر اكثر، وصل دوري، دخلت وامي الى المكتب، طبيب في الخمسينات بملامح قاسية وشعر كثيف وبقايا سجائر بجانبه لولا بذلته البيضاء لضننت انه احمق ايضا، سالني بعض الاسئلة ولمس راسي واعطاني بعض الاقراص وكتب في ورقة ادوية يجب ان اشتريها وقال ان اعود بعد اسبوعين، عندما رايت كل هذا اعتقدت اني احمق او ساصبح احمق .
هكذا بدات بزيارة الطبيب مرة كل اسبوعين، حذرتني امي الا اخبر اي شخص اني ازور طبيب نفسي، سالتها هل انا احمق، وضحت لي اني مريض نفسي ولست احمق وان هناك اختلاف بين الامراض النفسية والامراض العقلية، لكن الى الان مازلت لا افهم لماذا جناح وطبيب الامراض النفسية هو نفسه طبيب الامراض العقلية، هذا سيجعل اي طفل مثلي او اي شخص اخر، انه احمق وليس مريض نفسي.
عندما انتضر دوري للدخول عند الطبيب اراقب المكان، هنا عرفت عائشة، تجلس في الحديقة، هادئة و صامتة، تجلس على الارض، تعانق رجليها وتنضر الى الارض، تبدو كاحد اللوحات المرسومة، كنت امامها اراقبها، رفعت بصرها بهدوء، نضرت الي واعادت بصرها للارض بلامبالاة كانها اعتادت مراقبة الناس اليها، رفعت نضرها الي مرة اخرى:- ماذا تفعل هنا؟
- انا مريض انتضر دوري للدخول عند الطبيب.