"ظلامُ الماضي.. هل سيُضيئهُ نورُ الحاضِر؟"

179 7 5
                                    

"Part three"

بعد مرور ثلاثة أيام من السلام اللذي حلّ على تِلك العائلة...عادوا إلى الحفرة أخيرًا، يجتمع الجميع على مائدة الطعام في منزل العائلة، يترأس تِلك السُفرة السيدة سلطان وعلى يمينها جومالي وأمامهُ ياماش وإيفسون، وبجانب جومالي داملا وسعادات وصالح وأخيرًا الأطفال الصِغار ماسال وجونيور وآسيا في حُضن صالح يداعِبها ويُشَبِهُها بِجومالي.. يتناولون طعامهم، ويتبادلون أطراف الحديث والضِحكات...
لا أحد منهم يعلم ما القادم.. ولكن الأهم عندهم هو ترابطهم القوي بنسائهم وأطفالهم و واجِبُ حمايتهم هو الأهم دائمًا بالنسبة لهم...
رنّ هاتف جومالي برقمٍ غريب ليستأذِن وينهض من على تِلك السُفرة، خرج نحو الحديقة وفتح الخط قائلاً "إفندم من معي؟" ظهر صوت شخصٍ في الأربعينيات من عُمرهِ "مرحبًا سيد جومالي.. هل تتذكرني؟ أم أُعَرِف عن نفسي؟.." كانت لهجتهُ غريبة نوعًا ما.. جومالي:"كلا، وكيف لي أن أتذكرك وأنا التقي بالكثير من الأواغد اللذين يظهرون من العدم...قُل من أنت ياهذا وماذا تريد؟" ردّ الرجل بضحكتهِ الساخرة "لازِلتَ كما عهِدتُك جومالي كوشوفالي...غاضِب دائمًا، تصرخ على من حولِك...والأهم من ذلك تُحاول حماية عائلتك، وأقولها بالأخص إخوتك الصغار.." إزداد غضبهُ حين ذكر إخوتهِ ليقل بصراخ "من أنتَ ياهذااا وماذا تُريد من إخوتي!؟.. أُنظر، إن تجرأت ومسستَ شعرةً من عائلتي بأذىً صدقني سأُنهيك وأُنهي نسلَكَ أيها ل****.." أردف الرجل جملتهُ الأخيرة قائلاً "بقيَ القليل فقط...لم يبقى سِوى القليل ياجومالي، سآخذ ثأر إخوتي اللذين قتلتهم بدمٍ بارد أمام عينيّ..وسترى كيف سأُفاجِئُك بلَوحتي الحمراء ستُعجِبك كثيرًا..." قال الأخيرة بسخرية ليصرخ جومالي:"ماذا تقصِد ياهذاا!؟؟" أنهى جُملتهُ مع إغلاق الآخر للمكالمة، تنهد في مكانهِ ثم أعاد هاتفهُ لجيبهِ وهمّ بالدخول تحت نظَرَات إخوتهِ المستغربة، "ماذا حدث آبي؟ سمِعتُك تصرُخ على أحدهم عساه خيرًا.." قالها ياماش متسائلاً ليرد جومالي "يوك بشي، لاتشغل بالك ياطفل فقط غبي يُحاول إستفزازي لا أكثر.. هيا أكمِلا طعامكما انا سأنتظركما بالمقهى، وأنت أكين تعال أيضًا"
غادر متوجهًا نحوَ غُرفتهِ ناويًا أخذ شيءٍ ما، بينما أكمَل الآخرَين طعامهما وهُما يتسامران بتساؤل..دخَل غُرفتهُ وإستدار خلف الباب ومدّ يدهُ نحوَ تِلك العصى...
اوووه وماذا يُقال يا أصدقاء؟
-جومالي كوشوفالي إن قال شيئًا سيَفعل بالتأكيد..
أردف قائلاً وهو يأخذ العصى "ايفييت كيل باكاليم ،تعالي لنرى... سأكسِرُكِ اليوم على ظهرِ أحدهم، كوني قوية جدًا وإنفعيني" قالها وهو يُمسِكُها ويضرِب بخفة على يدهِ الأُخرى وخرج متّجهًا للمقهى..
في مكان آخر... حيثُ هُناك شاشات كبيرة في ذلك القبو المُظلم... يقِف شخصٌ طويل القامة، ضخم قليلاً، على يديهِ آثار متنوعة من الوشوم القديمة، يعكِس ضوء الشاشات على وجههِ القاسي ملامِحهُ، عينيهِ رمادية اللون ويُمَيزها وجود جُرح سكين عميق وطويل أسفلها..
يظهَر في تِلك الشاشات اللتي أمامهُ مقاطِع مُختلفة من الكاميرات اللتي تُصَوِر مشاهدًا مُختلفة من القبو نفسهِ،
أي بمعنى آخر يقِف هو في غُرفة المُراقبة وأمامهُ مشاهد كاميرات تعرِض مقاطع مختلفة من غرفةٍ أُخرى في القبو نفسهِ، مدّ يدهُ يُقَرب المقطع نحو طفلٍ صغير يظهَر في الشاشة في ذلك القبو المُظلِم.. إبتسم بحقدٍ حين رآهُ يتلوى ألمًا في الأرض ويُمسِك أوسط بطنهِ،
كانت ملابسهُ خفيفة وليست مُلائِمة مع برودة الجو في القبو، وعلى مايبدو من هيئة جسدهِ المُرتجف النحيل أنهُ لم يأكل منذُ عدة أيام...هل يُمكن أن تظلِم الدُنيا طفلاً صغيرًا لأجل ذنبٍ لم يقترفه؟..
أجل إنها دُنيا في النهاية تظلِم أحدًا وتؤذي أحدًا،
لا تُبالي بصغيرٍ كان أو كبير.. ولكن كُل شخصٍ سينَال عِقابهُ اللذي يستحقهُ جزائًا لهُ على ظُلمهِ لأي روحٍ بريئة، سينَال عقابهُ حتمًا سواء كان عقابهُ في الدنيا أم في الآخرة..
في المقطع..فُتِح باب ذلك القبو ولازال ذلك الصغير مُنكَمش على نفسهِ في الأرض الباردة، فتَح عينيهِ الناعستين ليرى من القادِم وحالما رأى فزِعَ بشدة وحاول النهوض والإبتعاد تحت نظَرَات ذلك الرجل نفسهِ اللذي صدى صوت ضحكاتهِ المكان وقال "هل أصبحتَ تخاف مني الآن؟ أيها الصغير ذو العين الحمراء..لاتقلق لن تشعر بشيءٍ هذهِ المرة فقط وغزة إبرة خفيفة..." قالها وأخرج من جيبهِ إبرةً وملأها بسائِل غريب تحت توسلات الصغير اللذي نطق بصوت باكٍ "أرجوك أنا... أنا أخاف من الإبرة، لا تفعل ذلك بي، سأشربهُ دون إبرة.. أرجوك لا تفعل..." لم يُبالِ الرجل بتوسلاتهِ وبدأ يقترب منهُ ورفعهُ من على الأرض وسطَ تخبطات الآخر ورفضهِ، رفع كمّ قميصهِ وغرز الإبرة بعنف في يدهِ لتنزل دموع الصغير ألمًا وإستكان بهدوء تحت تأثير تِلك المخدرات اللتي دخَلت جسدهُ...
أخرَج الرجل سكينةً حادة من جيبهِ وجرَح بِها وجهَ الصغير اللذي يرتجف بين يديهِ، سالت الدِماء من وجههِ فدفعهُ على الأرض ونهَض مُبتسمًا بخُبث وهو يرى الصغير قد بدأ يُهَلوِس ويُردِد بصوتٍ واهِن ومتقَطع "يابما نولور، لاتفعل..أخاف من الإبرة... انيم، أُمي لا تذهبي...جومالي آبي..آبي نولور تعال...تعال خُذني من هُنا نولوور، آ آبيي أبرُد، أبرُد كثيرًا..آبيييي" قال الأخيرة برجفةٍ وصوتٍ باكٍ ودموعهُ تنزل على الأرض وتختلِط بالدماء اللتي نزفت من وجههِ، أردف الرجل بصوت عالٍ
"لن يأتي أخيك جومالي تُرى لماذا ياتُرى هااا!؟؟هل لأنهُ في السجن الآن بسببِ قتلهِ لإخوتي وأبي؟..اللعنة عليهِ" قالها وبدأ يضرِب جسد الصغير برجلهِ والآخر لازال يبكي ويُهَلوِس، جرّهُ من شعرهِ نحوهُ هامسًا في أُذنهِ "لن تموت الآن هل فهِمت؟.. سأجعلك تموت أعِدُك ولكن ليس الآن، لأستمتع بتعذيبك أكثر ريثَما يهرُب أخيك ذاك من السجن..." قالها وأفلتهُ من يدهِ وهمّ بالخروج، ولم تمضِ دقائق عدة حتى عاد مجددًا وبيدهِ طبق فيهِ قطعة صغيرة من الخُبز وكأس ماء، وضَعها على الأرض وقال بهدوء "ستتناول كُل هذا كي تبقى على قيد الحياة.. لن تموت الآن ياهذا ولن أسمَح لكَ بذلك..."
إنتهى ذلك المقطع رُغم وجود مقاطِع أُخرى من نفس النوع تُظهِر ذلك الطفل ذو الحظ الأسود اللذي إلتقى بأخيهِ قبل عِدة أيام وقُتِلت أُمُهُ في نفس اليوم...
"Flashback"
إنتهت تِلك المُباراة بالتعادل فكِلا الفرقين كانا خصمانِ قويان.. هُناك حيثُ مقاعِد إستراحة اللاعبين، أتت مهريبان لتتحدثُ مع جومالي قائلةً "مرحبًا بُني جومالي.." إلتفت جومالي إليها بينما كان يشرَب الماء، ليرى إمراة بشعرٍ قصير وملامِحُها تبدو قلقةً وبيدها تُمسِك صغيرها طفلٌ في السادسة من عُمرهِ إبتسم جومالي حين رآه ولاحَظ إحدى عينيهِ مكَحلة باللون الأحمر.. ثم رفع نظَرهُ للإمرأة ليقل بضحك "مرحبًا ياخالتي لاتؤاخذيني شرَدتُ قليلاً في عين هذا الفتى الصغير" ردّت مهريبان بإبتسامة "لا بأس...بالمناسبة إنهُ إبني.. أرَدت فقط أن تتعرف عليهِ لأنهُ مُعجبٌ بكَ كثيرًا" إقترب جومالي من الصغير وجثى عندهُ ليقل مُتسائلاً "ما إسمك ياقطعة الأسد؟" نظَر الصغير نحوَ أُمهِ لتومئ لهُ برأسها، فنَطَق قائلاً بخفوت "صالح، اسمي صالح... يا اخي" إبتسم جومالي على تِلك الكلمة وتذَكَر البيبي الخاص بهِ "ياماش" ليقل "إذن ياصالح.. هل تعرِف كيف تلعب بالكرة؟" نفى الآخر برأسهِ وبدت معالم الحزن على وجههِ..ليقل جومالي بحماس "الله الله.. لاعليك يافتى أخيك جومالي هُنا سيُعلِمك كيف تلعب بِها، تعال معي"
قالها وسحَب يدهُ ولكن تعلَق الصغير بيَد أُمهِ ونظَر لها بقلق لتطمئنهُ وتقول لهُ "لا تخف صالح.. هيا إذهب ياصغيري إنهُ أخيك جومالي ليس غريبًا..." نظَر لها جومالي قائلاً بضحك "يااوو ياخالتي جميع الأولاد هكذا يخافون مني بالبداية...ولكِن سيتعود عليّ بالتأكيد" أومئت مهريبان برأسها وأخذت تُراقِبهما بفرح كيف يلعبان بالكرة مع مجموعة أولادٍ صِغار آخرين، تدمَع عينيها وهي ترى طفلها كيف يفرحُ باللعبِ مع أخيهِ لأنهُ كان دائمًا مايتسائل لمَ ليس لديهِ أخٌ أكبر...
بعد أن إنتهوا أخَذَت مهريبان بيدِ صالح وقالت "هادي صالح يكفي يابُني لقد أتعبتَ أخيك جومالي" جومالي:"أستغفر الله خالتي لايوجد تعب وماشابه، أساسًا لقد أحببت هذا الفتى كثيرًا" قالها وبعثَر شعر صالح ليُعانقهُ الآخر فجأةً ورفع رأسهُ نحوهُ وقال "سنلعب مرةً أُخرى يا اخي جومالي صحيح؟ لا تتركني وتذهب بعيدًا مِثلما فعَل أبي.." مسحَ جومالي على شعرهِ برفق وبادلهُ العِناق قائلاً "ايفيت صالح سنلتقي مرةً أُخرى، لاتحزن انا أيضًا أبي ذهب لمكان بعيد ولكِن سيعود..." ولا يعلم كلاهُما أن أباهُما واحد، حزِنت مهريبان بعد ما سمِعتهُ من صغيرها لتقل محاولةً تدارك الوضع "صالح جنم بينم.. لن يتركك أخيك ستأتي فيما بعد وتلعب معهُ تمام هادي قُل إلى اللقاء لهُ" ردّ الصغير بحُزن "ولكنني لا أُريد الذهاب انيم.. أُريد أن ابقى بجانب أخي جومالي... أخاف أن يؤذيني أحدهم" لم يفهم جومالي مايقصدهُ الصغير ليقل مُتسائلاً "ماذا تقصِد صالح من يتجرأ أن يؤذيك؟" رفع نظَرهُ نحوَ مهريبان لتردّ عليه "شيء.. هُناك أولاد يُسيئون مُعاملته، لذلك هو هكذا يخاف أحيانًا ولايخرج من المنزل" تفّهم جومالي وأعاد نظَرَهُ نحوَ الصغير وقال "باك صالح إن تجرأ أحدٌ أن يؤذيك فقط تعال إلي ونادِني وانا سأتصَرف تمام؟" اومئ الصغير برأسهِ وقال "هل ستَحميني آبي؟" شدّ جومالي على عناقهِ:"بالطبع سأحميك ياذو العين الحمراء...تمام هادي إذهب مع والدتك وغدًا نلتقي مجددًا.. وسأُعَلِمُك غدًا إستخدام السكين وأيضًا سأُعَرفك على أولاد الحي، ها مارأيك؟" اومئ الصغير بفرح ليقبّل جومالي رأسهُ ونهَض مودعًا إياه... كانت مهريبان قد إتفقت مع سلطان من قبل بأن لا تُفشي سِر أنّ صالح إبن إدريس بشرط أن يلتقي بجميعِ إخوتهِ مِن ضِمنهم جومالي، لكن لم تُتَح تِلكَ الفُرصة حتى قُتِلت مهريبان في نفس اليوم عندما عادت مع طفلها الى المنزل، وفي الوقت ذاتهِ وبعد عدة دقائِق من مغادرتها وصَل خبر الهجوم على منزل العائلة لجومالي..
هاجَم مجموعة رجال بيت العائلة إنتقامًا من إدريس عندما كان بالسجن... لم يمُت أيّ أحدٍ من العائلة فقد وصَل جومالي وكهرمان في الوقت المُناسِب ومعهُم شباب من الحُفرة، قتلوا كُل اولئِك الرجال، كانوا عبارة عن إخوة إثنان ومعهما والدهما ومجموعة رجال آخرين، للتوضيح؛ كان ياماش في وقتِها طفل صغير في الثالثة من عُمرهِ، وسليم كان في السادِسة من عُمرهِ، صرَخ جومالي حين دخل المنزل لسليم قائلاً "جوجووك بيبييي، ياولد ياطفل.. أنتما بخير هاا لم يُصِبكما شيء؟؟" قالها وتفقّد أخويهِ الإثنين حين كانا يختبآن بالمطبخ، أومئ سليم برأسهِ إيجابًا وبخوف قال "نحن بخير جومالي آبي.. ماذا يحدُث؟" جومالي:"لاشيء لاتخف تمام.. خُذ أخيك ياماش وإذهبا للمخزن بسرعة وأنتِ أيضًا أُمي إذهبي هُناك حيثُ النساء يتَجمّعن..." كان ياماش يتمّسك بسليم باكيًا من صوت الإطلاق فأخذهُ سليم مطمئنًا إياه:"لاتقلق تمام لاتبكي آبيجيم ها قد وصل جومالي آبي وكهرمان آبي تمام.." قالها ومسحَ دموعهُ بإبهاميهِ وسحبهُ من يدهِ آخذًا إياه نحوَ المخزن... دار إطلاق نار من داخل المنزل وخارجهِ حتى إقتحم اولئِك الرجال المنزل، كان عددهم كثير ولكِن ليس بكَثرة رجال الحُفرة اللذين فزَعوا لحماية عائلة إدريس، قتل جومالي الإخوة في المكتب وكهرمان قتل الباقين، وقام شباب الحُفرة بحماية النساء.. لم ينتبهِ أحدٌ منهم أن هُناك أخًا ثالثًا كان مستلقيًا أسفل مكتب إدريس حيثُ هو كان الشاهد على موت إخوتهِ أمام عينيهِ...

«وردة أخيه الحمراء» حيث تعيش القصص. اكتشف الآن