" ولكنّ كل الذي أتمناه ان تكون ميتةً"

34 2 0
                                    


منذ تلك الليلة، رسم ادريان لنفسه طريقاً نحو راحته وسلامه، طريقاً وجد ملاذه فيه. كان يأتي إليّ في أوقات حزنه، كأنني ملجأه الوحيد. كلما ضاقت به الدنيا أو أثقلته ظروفه، كان يظهر أمام باب شقتي فجأة، يطرق الباب بقوة، كأنه يغرق ويحتاجني لأنتشله. وبعد أن يهدأ ويشعر ببعض السلام، يختفي مجدداً ولا يعود إلا حين تعصف به الوحدة، ويشتد كرهه لنفسه ولحياته.

في تلك الأوقات، كنت أفتح له باب قلبي قبل باب منزلي. أستقبله بحبٍ وحنان، أجلسه إلى جانبي وأطبطب على كتفيه ليشعر بالأمان والدفء. كان يفضفض لي بكل ما في قلبه من تعبٍ وألم، وأنا أصغي إليه بصبرٍ وحب، دون أن يشعر بأنني سأملّ. أرشده بصدق، أحاول أن أزرع في قلبه شيئاً من الراحة والسكينة، أُقدم له أفضل ما لدي من دعمٍ واهتمام.

كنت أؤدي دور الأم التي لم يذق حنانها يوماً، ووجد في هذا الدور شيئاً أحبّه لدرجة لا يستطيع الاستغناء عنها. جلساتنا كانت تمتد لساعات طويلة، يستمع لي بفضولٍ وشغف عميق، وكأن كلماتي هي ما تبقيه على قيد الأمل والحياه. اجل فمنحتُه كل حناني، وكل ما في قلبي من حب، حتى أصبح لا ينام إلا بعد سماع صوتي يهمس في أذنيه، إلى متى كنت اتساءل سأودي ذلك الدور إلى صغيري، وحبيبي ومملكتي؟، هل إلى مدى الحياة؟ ام انه سيمل مني بعد ذلك ويرميني جانباً، فحين يزهقون الرجال يهربون فقط إلى بيوتهم داعين باننا لا نؤدي مهمتنا جيداً ويرفضون حبنا واحترامنا لهم وذلك الوقت نخسرهم إلى الأبد ولا يدركون تلك النعمة العظيمة الا بعدما ما أهدروها من بين أيديهم، يصبحون ناكرون الجميل ويرضون بقدرهم القبيح بدوننا.

في يوم الاحد.
كان الجو رائعا وجميلا لذا حزمت أمتعتي والتقيت في صديقي، تجولنا بضع ساعات في المدينة، وحين عدت إلى المنزل، وجدت ادريان جالسا بجوار احدى باب شقتي، شهقت بخوف وتوتر: ماتيو مالذي تفعله هنا؟
سألني بغضب: اين كنتِ.
" في الخارج مع صديقي"
" صديقك، وانا هنا انتظرك مثل المجنون بينما انتِ تستمتعين بوقتك"
" والا يحق لي؟"
اخر فترة اصبح يخنقني بتصرفاته السيئة المزعجة التي أفقدتني الثقة بنفسي وقراراتي وافعالي فانا حقا تعبت من هذا الرجل، يشعرني بانني بلا قيمة، جاهلة، غبية، ولا يحق لي العيش بحرية، أنا حقا فقدت حريتي منذ اللحظة الذي أدخلته لحياتي من جديد، افتقدت للعيش لوحدي بحرية تامة وبدون بهادل وصراخ وخوف داخلي وألم جسدي.

فحين جاوبته ولم اطيع رغبته، شياطينه استفاقت وأمسك بيدي ساحباً إياهما خلف ظهري، جعل عينيه في عيني من شدة قوة قبضة يداه أصدرت اصوات أنين، حاولت الإفلات منه ولكن بدون جدوى.
" اتركني، ابتعد عني"
" هذا فقط في احلامك سيدة راتشيل، سوف القنك درساً"
" من انت يا هذا؟؟، أفلتني"

ازداد ضغط قوة يداه لدرجة احسست بان الدم انحبس وقبض على جميع الأوردة، فالالم ازداد اكثر واكثر، عجزت عن التنفس والحركة، فأخذ المفتاح من يدي بالقوة وفتح الباب. أمسك بيدي وسحبني خلفه. وحين اصبحنا في الصالون أفلت يدي فعدت إلى الخلف، أجهضت في البكاء أمامه كالطفلة الصغيرة الخائفة من الوحش آلذي أمآمهآ. لم يهين به بكاءي فلذا ادريان اقترب مني وعانقني، وقال لي كلاما مفاجئا، محزنا لم يخطر ببال عقل إنسان.
" ان هذا البكاء يذكّرني بطفلة صغيرة كنت اكرهها جدا"
علقت دموعي في عينيّ وخفق قلبي بجنون وخوفا من كلامه المخيف، هل علي ان افرح لانه تذكرني؟ ام علي الخوف منه بعد ما أسمعني كلاماً قاسيا لا يدرك بأنني أنا هي تلك الطفلة التي يكرهها، ومازال يكرهها، هذا يولم قلبي اضعاف هذه المرة فان نبرة صوته وملامحه تتحول حين يذكرني بها وهو بنفسه يفقد صوابه ويتشتت بصره وعقله كلما تذكر شيئا عنها.
" لما تكرهها ادريان ؟"
" لا اعلم ولكن مدى كرهي لها عميق"
" اين هي الان؟"
" لا اعلم اين هي الان ولكن كل الذي أتمناه ان تكون ميتةً"

عاقبنيِ عن افعاّليِ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن