وطالت أيادي البرد شبابيك قلوبنا، وامتد صمت الزمان على وجوهنا كالأبد، فأصبح الكلام حِملًا يثقل صدورنا، وعبءاً لا يطيقه الصدر.
تراكمت الأيام كالغبار، وطوت الزمان علينا كسحابة كئيبة، باتت الكلمات عاجزة عن نقل أوجاعنا، وتحولت مشاعرنا إلى صدى صامت في أعماقنا.في هذا الزمن الموحش، لا تكون شيئًا إلا بصوتك، والنفس تتعب من محاولة الصراخ. في سبيل ماذا؟ ماذا نأمل أن نكسب؟ حرية مزيفة على أوراق مهترئة أم وعود جوفاء منمقة بالكلمات؟ الحلوة أم المشكلة؟ أم التي تملأها الدموع أم التعاطف؟
ما من الحروف ما يستطيع وصف الألم، الألم أعمق وأشد. في برد الشتاء يكون كالثلج القارس، وفي حر الصيف يكون كاللهب المحرق. الألم يتسلل تحت الجلد، يحرق الروح قبل أن يلامس حروف الذي يعيش في الكلمات، يتنفسها صباحاً ومساءً، يجد نفسه عاجزاً أمام هذا الألم.
ولا يجد مكان يأويه ويخونه الوطن.
أريد أن أعيش حتى تصل كلماتي إلى نهاية الطريق، أن تتحدث أسطري إلى الأبد. أريد أن أعيش حتى أصف كل ما في الحياة، أن أحاوره، أن أتعمق فيه. الحياة مليئة بما يمكن للكلمات أن تبلغه، لكن هل أستطيع أن أبلغه أنا؟
كذبة، الشيء الرمادي الوحيد في الحياة هو أنا . كل شيء آخر أبيض وأسود كأزرار البيانو. كذبة أني أستطيع العيش في منطقة الوسط، فحياتي لحن كامل، أعزف كل نغمة فيه، ولا أعرف إن كانت النغمة القادمة ستكون فرحة أم حزينة، لكني أعيشها، حتى تكتمل المعزوفة.
و لا أعلم هل سأعيش حتى الغد؟
أسأل المعزوفة، ترتفع الأنامل وتخفض،
يبكي السحاب ويواسي القمر.هل بقي من يفهم؟ هل من مستمع؟ سأعيش لنفسي دائمًا، لذا سأعترف أني لست بخير، لأني الوحيدة التي يهمها هذا الاعتراف.
وعندما يعترف الجميع بأنهم متعبون، هل عليي الاعتراف كذلك؟ لأني متعبة، وأريد الخلاص.
أول الطريق للانسجام معهم هو الاعتراف بأني
أيضًا متعبة أليس كذلك؟....
تستمر الحياة كمعزوفة غير مكتملة، نحن نعزف نغماتها بحذر، نخشى الخطأ في كل خطوة. التعب يرهقنا، لكن الاعتراف به هو بداية الشفاء. في هذا الزمن الأعمى، حيث الأصوات تشتت والأرواح تتيه، نحتاج إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا .
نعترف أننا متعبون، أننا مثقلون بهموم لا تنتهي، ولكننا نستمر في العزف، نبحث عن لحن الأمل في وسط الضجيج. الأمل الذي ربما يأتينا من كلمة طيبة، من نظرة تفهم، أو من لحظة صدق نادرة.
في عالم يعج بالصخب، الصمت يصبح ملاذًا. نحتاج إلى لحظات من السكون لنستمع إلى أنفسنا، لنفهم مشاعرنا، ونستجمع قوتنا للمضي قدماً . الحروف قد تكون عاجزة عن وصف كل الألم، لكنها تظل وسيلتنا للتعبير عن ما يختلج في أعماقنا.
لنكن صادقين في اعترافاتنا، لنعترف بأن الحياة ليست دائمًا بيضاء أو سوداء، وأن الرمادي هو جزء من واقعنا. الاعتراف بأننا لسنا بخير لا يعني الضعف، بل هو قوة تكمن في الصدق مع الذات.
في النهاية، نحن نعيش لنعزف معزوفات حياتنا بطريقتنا الخاصة، بكل ما فيها من نغمات جميلة وحزينة. لنكن متعاطفين مع أنفسنا .
لنستمع بعمق، لنعبر بصدق، ليس لاحد إنما لأنفسنا.