-
تِلك الغُرفة الوَاسعة المَشحونة بكلا الجنسِين، جَميعهم يرتدونَ الدّواكن وَيُناظرون أمامهم بعُيون مُحتدّة، يصِيحون بأرقَام خياليّة.
هُناك حيثما يُناظرون، طِفل يَسير برفقٍ، ذاهبًا بِبُطء، ثمّ أيّبًا ببُطء، يَرتدي ثوبًا أشبَه بفساتين النّساء، وَيجرّه معهُ بأطرَافه المُتربة إثر السّير بطُول القُماش الزّائد فوقَ جسده المُلطخ بالأتربة، على رَقبته وفكّه بعض البقَع الدّاكنة، تندرجُ مِن الأحمر إلى الأرجوانيّ الدّاكن، وَأعلى شَفتيه وحولَها سائل أحمَر اللَون، لا يُشبه الدّماء، لكنّه على الأرجح دِماء.
يتحرّك فوقَ المنصّة دون النّظر لِلبالغين بالأسفَل، ويستمَع إلى صِياحهم بتلك الأرقَام الّتي بالكاد يَسمعها ولا يَفهمها.
الغُرفة الكَبيرة وَالنّاس الجَالسون بها مُلتحفون بالدّواكن هُم عَوامل أحد المزَادات في السّوق السّوداء، ومُحتوى هذا المَزاد ليسَ عقارًا أو سِلعة، بل هو ذلك الطّفل المُتحرّك على المِنصّة يجرّ فستان النّساء المُتوسّد بدنه معهُ.
استمرّ الوضع لِثوانٍ قليلة مِن أرقام لا يَفقه الذّكر على المنصّة معنَاها، قبلَ أن يحلّ الصّمت بعد أن استطردَ رجُلٌ أنيق المظهَر والوَجه برقمٍ مَجهولٍ آخَر، ويَسمع الطّفل الجُملة المنشودة، تمّ البيع للرجُل الأنيق بالأسفل.
تحرّك الجَميع بالأسفَل راحِلون، عَدا الرّجل الأنيق الّذي عبرَ المنصّة إلى ما خَلفها، وَوجد الطّفل نَفسهُ وحيدًا في الغُرفة، قبل أن تُسحب ذِراعهُ مِن قِبل كفٍّ احتمَى بقفّاز كَبير، رفعَ رأسهُ يُبصر رجلًا أنيقًا مِن نوعٍ أكثَر وَسامة وَمن طِرازٍ فَخم، لا يلتحفُ الدّواكن كجَميع الحَاضرين بَل ما ارتدَاهُ كانَ مِن فَواتح الألوان، لكنّه غطّاهم بغتةً بمعطفٍ أسوَد فعادَ الجميع دَاكنًا إلّا الطّفل صاحِب الثّوب الأرجُواني.
شعرَ الطّفل بذرَاعه تُسحب في لمسةِ مُتناقضة، برفقٍ عنيف، وقسوة لينة، وخُشونة ناعمة من ذلك الرّجل صاحب المِعطف الأسوَد، مَلامحهُ غير وَاضحة في تلك الإضاءة الضّعيفة، لكن مِن الوَاضح كونهُ في مِزاج سيء، وأنّ مَشاعر الغضَب تضغط على عُنقه.
على الرّغم مِن أن أي مُشتري آخَر سيَكون مُبتهجًا بينَما يُوشم الطّفل بوشمِ العبودية كما الآن تمامًا، ألا أنّ ذلك الرّجل كانَ مُنزعجًا ويظهر على ملمحه الضّيق، يُطالع ذلك الوَشم الحدِيث فوق رَقبة الطّفل، إما عن الذّكر الصّغير ذو الثّوب الأرجُواني النّسائي فقد شردَ في مُعترك المَشاعر المُتضاربة تِجاه ذلك الرّجل الغَاضب الّذي وشمهُ توًّا، وكفِطرة إنسانيّة وطبيعَة لا إراديّة مِن مشاعِر جسد ذلك الذّكر ذو المظهر الأنثوي، بدأ بخَدشِ ذلك الوَشم الصّغير على عُنقه عن طَريق أظافِره.
كان ذلك الوَشم يحمل اسمُ تلك العائلة الملكيّة المالِكة له، إيدوِيسّ، وكانَ هذا الرّجل ذُو المِعطف الأسوَد إما ابنٌ لتلك العائلة، أو يحملُ صِلة قرَابة بها، وذلك الرّجل الأنيق الّذي أحضرَ الطّفل من ذلك المَزاد لَم يكُن سِوى أحَد رِجال السّيد الكَبير..؛
حِينها فقَط علمَ الطّفل صاحِب الثّوب الأرجُوانيّ أنه عالِق، عالِقٌ جدًّا بين كفّي هذا هذا الرّجل الأدعَج.
_
سلام.بداية جديدة إن شاء اللّٰه، أبشروا.
كيف وجدتُم الديباجة؟
مجرّد تمهيد للقادِم إن شاء الله.سلام.
YOU ARE READING
بَين كفّين.
Randomالبشريّة كانَت قضيّة حُلوَة المذَاق، لكنّ مَرارة مُباغتة قد لسَعت حواسّي في نِهاية الطّريق، وبدلًا مِن إشبَاع نَفسي بحُلوها، نبشتُ بالمُرّ فيها والتهمتهُ دُفعة واحِدة، فوقعتُ أسيرًا، أسيرٌ لِذلك الكمّ الجذّاب مِن الغَباء البَحت، ورِياح الفُضول العَل...