[١]: رِسالَةُ وَداع

139 22 49
                                    

عَلى بِساطِ سَجادَةٍ حَمراءَ، أجلِسُ أنا...
أزرَعُ عَيناي عِند عَتبةِ المَخرج، وَلعلَ ما غَرسته بِمقرُبةِ الباب سَيُثمِر عِند قُدومِه

أحمِلُ فِي طَياتِ فُؤادِي عِبئًا مِن القَلقِ هذهِ اللَيلَة، تَلظى بِهِ الألَم كَمن حَمل قَبسًا مِن النارِ يَدُسه فِي جَيبِ سُترتِه
لا أعلَم، بِمَ التَعلُل وَأي أسبابٍ تَتواجَد لِكي ألوي بِها ذِراعَ تَوتُري..

تَحدَثتِ الريح وَتنكَرت بِهيئته فحسِبتهُ قَد أتى، حَتى عَز عَليّ أن أُفتِش عَليه بِعينيّ نَحو مَكانِه عَلى الأريكَةِ فَلا أراه...

مالَ جِذعي نَحو الجِدارِ البارِد خَلفي، أصبَح خَدُ الجُدران قارِسًا كَمن إفتَقَد شَمعَة دِفئه..

وَأنا، إنطَفئ النُورُ فِي حُجرةِ روحي...فَقد هَبت رياحٌ خَبَأتِ الضِياء، وَظَلامٌ وَلج فِي نَهارِ السِراج

«لَقَد تَأخَر والِدُك». عَلى جِيدي، يَستَريحُ بَدرُ هذا الكَون
ثَمرةُ شَجرةِ الحُب الرَطِبة، إبنُنا «سهاج».

«أتعلَم يا فَلقَة فُؤادِ أُمِك؟ أنا وَوالِدُك كِلانا أخو شُجون...حَتى أتيتَ أنت وَأصبَحنا تَوائِمًا للسُرور».

رَنينُ الهاتِفِ الأرضي فِي غُرفَةِ المَعيشَة دَلني نَحو إستنتاجٍ فَظنَنتهُ هو، وَقد كان

«مَن؟». تَساءَلت

«عَجبًا...يالهذا الشَوق». و..وَقد كانَ صَوتُه!

تَتابَعت تَساؤُلاتٌ وَسَبقها قَلق، حَتى أردَف

«أنا الآن فِي ضَواحِي الموصِل وَأطرافِها
كانَ يَجِب أن أعودَ للبَصرةِ اليَوم، لكِن
صادَفتني بَعضُ المُعرقلات...آسِف».

«سَقى اللهُ أرضًا أنتَ فيها، وَأطابَ فِي عُمرِ ثَراها».

«بِمَ التَعلُل الآن للقائِد؟ هَل أُخبِرُه أن نَسيجًا مِن غَزلِ زَوجتي قَد أفقَدني صَوابي وَأبعَد عَني النَوم؟».

«جِد حَلًا، سَأذهَب لِأُريح مُهجَة سهاج».

«م..مَهلًا يا بَهية المَعشَر، تَحدَثي إلي أرجوكِ، فَعمرُ السَلامِ في هذهِ الأرضِ قَصير...أنتِ وَبقُربك سهاج»

إستَفهمتُ حَديثَهُ المُتنكِر بِزيٍ مَجهول

«جِهاد؟» تَساءَلت وَأجابَتني تَنهيداتُه

«عَيناهُ وَما بِهِن...ماذا هُناك؟»

إعتَصرَ الدَهرُ الذي كادَ لي فُؤادي، مَ ما حِيلتي الآن..؟
كِلانا نَعلم، أن المَنطَقة التي حَطت رِحالُه بِها يَقودها الخَطرُ لا غَير
وَكِلانا الآن يَقودُنا القَلق

«تَحدَث إلي يا جِهاد، لا تُربِكني هكَذا».

«لأنعمنكِ عَينا»

«إليكِ يا حَبيبَتي مِرسالي...فَقد يَلتهِبُ مَضمونُه بِحديثِ النار..
أنا جُندي حَرب، وَأنتِ إمرَأةٌ يُكرس لَها الحُب...لِنجلِس قبالَة رُفاتِ الماضِي، وَدعِي عَنكِ ما يَجري

مُنذ كُنت فَتيًا أُسابِق العُمر فِي سِنِ المُراهقة...يُطرِبني لَهو الأحاديثِ وَسَعيي فِي الأزِقةٍ وَالأسواقِ

وَمُنذ كُنت طِفلًا رَأيتُ النَعيمَ والجَحيمَ مَعًا...
بُطراني للنِعم أنساني ما بَعدهُ مِن جَحيمٍ جَم

فَتى عائِلةِ الـ نادِر الغَنية قَد سَقط بِبحبوحَة حَربٍ ضارية، حَكمُها القَدرُ وَمُنافِسه الدَهر...أما المُنقذة التي أنقَذتهُ مِن شَمسٍ مُوقَده؟
كانَت أنتِ

إنتَزعتِ نَفسي مِن نَفسي، وَولجتِ كَنهارٍ فِي لَيلِ ضَواحي فُؤادي،
لَم أسألُكِ البَقاء، وَكذلِك المُغادِرة....لكِن، حَقًا حَقًا ألِفكِ الفُؤادُ مِن عِندِها يا ساكِنته...عاشَرتِ فُؤادي

لِفتيٍّ لا يَفقهُ العَيش، رَسمتِ حِكايةً لَه....وَأخبَرتني حِينها
لِنُعد تَرتيبَ الحِكاية...وَلنكتُب النِهاية كَأي مُحارِبين

وَلم أنسى مَقولتكِ التي كانَت تَحمِلُ سَعادَةً جَمه
"دَعنا نَتبادل الأفكار، أنا الكاتِبةُ وأنتَ شَخصيتي"

لَقد سَرقتِني مِن نَفسي...

والآن أنا خَلف سَواتِر الحَرب، دِرعي كَلامُك وَهِندي دُعاؤك
إذا أبصرتِ أرضَ الحَربِ أبصَرنا

وَكما قالَ إبن الدمينة مَن رَسمَ ما يَجولُ فِي فِكري
"وأستنشِقُ النَّسماءَ مِنْ نحوِ أرضكُمْ
‏كأَنَّي مريضٌ والنَّسِيمُ طبيبُ"

تَتساقَطُ حُروفُ الإشتياقِ مِن بَينِ بَناني شَوقًا إليكِ ولسهاج».

دَوى صَوتُ إنفجارٍ بِقُربه، وَماتَت سُبل الوِصال

«جِهاد!».

.....................................................................................................................................................................
...

دَعوا حِبر مَدحِكم يَنتهي عِندي ~

مَوجُ رُؤياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن