الذّكر والصّلاة يا حُلوين.استمتعوا وتفاعَلوا.
-
لاحِظ أنّك تعرفُ الغُربة، وتُتقن كل ما تُبطنه،
إلى حدّ الألفة..
هل تَتخيّل أيها البشريّ العَاقل، أنك تألف الغُربة؟وهَا أنا، وبصِفتي بشريّ، بشريّ بحت، لهُ خِصاله البشريّة المُهيمنة على بَدنه، جالس على طرَف السّرير، بأطرَاف مُرتجفة، وَيدين تحملُ كوبًا مِن الشّاي المُحلّى، أطَالع الأرضيّة، وحَوائط الغُرفة المُشبعة بالألوَاح.
أمامي، وحيثُ الطّرف الآخر مِن السّرير، بمنَامة زَرقاء سماويّة، كان ذلك الأصهَب جالِسًا، بيَده بَعض الأشياء، وَورقة بَيضاء مَتينة، وأنا لا أفهم أيّ ممّا يَجري سِوى أن تِييري الأصهَب يرسمني، خِلال ذلك التّحديق الطّويل المُخيف فيّ، ممّا يُشعرني بغثيَان مُبهم المصدَر، ويُبعثر كيَاني الثّابت.
"ارتَخي، لَن أقتُلك."
تحدّث برِفقٍ، وعِندما لذتُ بصَمتي هوَ تحدّث مجدّدًا ليُلين جُمودي البحت.
"أنت الطّفل المُتبنى، أي أنّك أخي، وأنا لَن أقتُل أخي."
قهقهَ برِفقٍ بينَما يُطالع أغرَاضه باهتمام وكأنه سَيلتهمها إن شاءَ، فعقدتُ ذراعيّ في ضِيق.
"لستُ مُتبنى، ولستُ أخاك."
"كيفَ لستَ أخي؟"
رفعَ رأسه عمّا هو مُنغمس فيه حتّى يُناظرني، فهمهمتُ متوقّعًا، إنّها عائلة مَرموقة، كيفَ سيُخبر سيّدي المُستحدث أسرتهُ أنّه خَطا داخِل السّوق السّوداء ليحصُل عليّ؟
"أبوكَ مالِكي."
نبستُ ساخرًا، فوجدتهُ عقدَ حَاجبيه مُتعجّبًا، مُثير للاهتِمام.
انحنيتُ أُزيل الخُصلات الطَويلة عن مُؤخرة رأسي، ثمّ أطلعتهُ على وَشم العُبودية فوقَ عُنقي.أنا خَائف، لأنّ ما أفعلهُ خَبيثًا، وربّما يُشعل عِراكًا معنويّا بين هذهِ الأسرة الصّغيرة، لكنّي.. لستُ أخاه.
رفعتُ رأسي أُناظر يَداي نادمًا عِندما وجدتُ تِييري قد صمتَ، لَم يكُن علي أن أتسرّع وأُحادث تِييري عمّا يُبطنه أبوه.
"لقَد أكمَلتُ اللَوحة."
تحدّث فجأة مُبدّلًا مَوضوعنا، نَبرته هادئة، لكنّها ليست مُتزنة كالعَادة، بَل ارتجفَت قليلًا في مُنتصف جُملته.تصدّعت جُدران رأسي بالنّدم الّذي زحزحتهُ بعيدًا ثمّ ناظرتُ لَوحته الّتي ناولَني إيّاها، فانتفضَت كلّ أفكاري وحدّقت في هذا الكيَان الوَاضح فوق أورَاقه،
بِعينيهِ الرّماديّة النّاعسة، وَثغره المَائل ساخِرًا، حَاجبيه المَعقودين وَالنّمش القَبيح المُميز، الشّعر الأسوَد الطّويل قليلًا مِن الخَلف، والغرّة الّتي تُخفي عُقدة الحَاجبين.
كنتُ أنا فوقَ أورَاقه، بكُلّ التّفاصيل الدّقيقة، بِعُروق رَقبتي البَازة، بالشّامة الصّغيرة قُرب شَفتي، بشُحوب أدِيم بَشرتي، وحتّى بمنَامتي الّتي استعرتها منهُ.
YOU ARE READING
بَين كفّين.
Randomالبشريّة كانَت قضيّة حُلوَة المذَاق، لكنّ مَرارة مُباغتة قد لسَعت حواسّي في نِهاية الطّريق، وبدلًا مِن إشبَاع نَفسي بحُلوها، نبشتُ بالمُرّ فيها والتهمتهُ دُفعة واحِدة، فوقعتُ أسيرًا، أسيرٌ لِذلك الكمّ الجذّاب مِن الغَباء البَحت، ورِياح الفُضول العَل...