٨. انفعالات مبهمة

11 2 0
                                    




لحسن الحظ لم يتم استدعائي للتحقيق في اليوم التالي، معنى هذا أنهم أدركوا كذب ما قيل عني.. حاولت إنهاء فطوري بسرعة ذلك الصباح والتوجه للمنجم قبل خروج أمجد.... شعرت بضيق شديد لفكرة مواجهته، ولم أدر سبب ذلك.. لو كان حديثه قد ضايقني فكلمات قليلة مني ستصده للأبد وتمنعه من التفوه بحماقات كالتي سمعتها منه الليلة الماضية.. فلماذا أخشاه الآن؟ ليس من عادتي خشية أحد، لكني تمنيت حقاً في هذا الصباح أن أتجنب رؤيته والحديث معه..

لكن تلك كانت أمنية عزيزة التحقق.. إذ فور نهوضي بعد إنهاء فطوري وجدته يقف أمامي مبتسماً ابتسامة مريبة، وقال بلطف "صباح الخير"

توجست من ذلك اللطف الغريب، فدمدمت بإجابة مبهمة وأنا أحاول منع نفسي من الإشاحة بوجهي لئلا أسيء له، خاصة مع رؤية العلامة التي تركها سلاح الحارس على وجهه، والتي كنتُ سبباً فيها.. حاولت التوجه للمنجم بصمت، لكنه أمسك ذراعي بشكل كدت أقفز له وهو يسألني بقلق "هل أنت بخير؟ لقد تعرضتِ لعدة إصابات بسبب الانفجار البارحة.. فهل أنت أفضل الآن؟"

قلت بسرعة وأنا أحاول جذب ذراعي "أجل.. بخير.. لا تقلق"

لم يفلتني وهو ينظر لي وابتسامة ترتسم على جانب فمه، وسألني "ما بك؟ تبدين مرتبكة.."

قلت بسرعة "لقد تأخرت عن العمل.. وأخشى أن يعاقبوني على ذلك.."

رفع حاجبيه متسائلاً "حقاً؟"

أدرت وجهي بعيداً وأنا أقول "ألا ترى الجميع قد كادوا يرحلون باتجاه المنجم؟ لست بحاجة لسمعة سيئة فسمعتي قد تحطمت تماماً لدى الإدارة"

عندها أفلتني بصمت، فاستدرت وابتعدت عنه بخطوات سريعة.. مجنونة أنا لأنفعل بهذا الشكل المبهم لحديث عاديّ يدور بيننا.. أصبحت لا أطيق النظر في عينيه، ولست أدري السبب..

وهذا أكثر ما يثير تعجبي في نفسي..

**********************

مرّ نهاري عادياً، لكني شعرت بحنق شديد من نفسي.. لماذا عاملت أمجد بهذه الطريقة؟ ولماذا انفعلت لأسباب واهية؟ كرهت هذا، وكرهت ما قد يظنه بي.. لكل ذلك قررت أن أستعيد هدوئي وأعامله كالبقية دون انفعال.. ولذلك أيضاً لم أشأ الهروب تلك الليلة رغم أني كنت أودّ ذلك من كل قلبي، لكني أجبرت نفسي على الجلوس معهم في زاويتنا المعتادة وإن انشغلت بالحديث على الأغلب مع بسمة التي كانت تشتكي من ظروف عملها الصعبة، وهي غير قادرة على الاعتراض على أي شيء رغم ضيقها..

بعد فترة من الوقت، تركنا أدهم ليعود لمسكنه، وتبعته بسمة بخطوات حثيثة كالعادة وإن ظلت خلفه بعدة خطوات لا تتجاوزهن.. عندها توترت رغماً عني وهممت بالنهوض بدوري، عندما سمعت أمجد يناديني بصوت خافت.. تلقائياً رفعت بصري ونظرت له ربما للمرة الأولى تلك الليلة، وندمت على ذلك على الفور.. ففور أن التقت عينانا شعرت بتوتر شديد وتوجس حتى كدت أقفز واقفة وأهرب لمسكني، وهو ما لم أعرف سببه.. كانت عيناه قد اكتستا بلطفهما الذي لا يظهر إلا عندما أكون معه وحدنا، وسألني بصوته الهاديء "ما الأمر يا حمراء؟ ألاحظ أنك تتجنبين النظر إليّ اليوم.. هل أنت غاضبة من شيء فعلته؟"

حمراءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن