ساد صمت تام الموقع الذي جلست فيه، حيث المساحات العشبية الواسعة تحيط بي وغروب الشمس ماثل بكل روعته أمامي.. ظللت في موقعي ساهمة الفكر، أحاول شغل نفسي عن الساعات القليلة التي مرت بي والتي قد لا أتمكن من محوها من ذاكرتي.. لو أنهم عرضوا عليّ إفقادي ذاكرتي، لقبلت ذلك بسرور الآن.. فما الذي يستحق أن أستبقيه في عقلي وأسترجعه مراراً؟.. أي سعادة قد أرجوها من ذكريات تملأ حلقي بالمرارة وتزخم صدري باليأس؟..يبدو أن الكل استكان في المساكن القريبة، وإن بدأ الحراس في ترحيل من بقي من السجناء إلى موقع السفينة الفضائية.. لكني لم أعبأ بكل هذا في موقعي وأنا أعجز حتى عن التنهد لأزيح شيئاً مما تعاظم في صدري..
سمعت خطوات خافتة خلفي، ثم رأيت بسمة تجلس قريبة مني تكاد تلتصق بي.. كانت عيناها متورمتان لشدة بكاءها الذي سمعته سابقاً، وأنا في الواقع أحسدها على قدرتها على البكاء دون رادع.. ثم رأيت أدهم يقترب بدوره فيجلس على صخرة قريبة متنهداً وقال "كانت تلك كارثة.. من يتحمل ذنب أولئك الذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على الجرعة في الوقت المناسب؟"
همست بسمة بصوت مرتجف "ليتني لم أرَ ذلك أبداً.. لن أنسى تلك المناظر ما حييت"
لم أعلق على أيهما وأدهم يضيف "ما جلبناه معنا من أدوية لم يكفِ إلا أربعين شخصاً ممن حالفهم الحظ.. بينما عدد السجناء في هذه المساكن يتجاوز السبعين.. فما ذنب البقية؟"
غمغمت بشيء من الجمود "ذلك كان ذنبنا نحن.."
نظرا لي بصدمة شديدة، وقالت بسمة "لكن نحن بذلنا جهدنا لمساعدتهم.. فكيف...."
قلت لها بنظرة باردة "أنسيت أن فكرة تدمير مخزون الأدوية لخالد؟ ونحن قد ساندناه في خططه تلك.. لو لم نفعل، لوجد كل أولئك السجناء ما يكفيهم ليعيشوا زمناً طويلاً.. لكننا بحمق شديد دمرنا وسيلتهم للنجاة.. واثقين أن المؤسسة ستطيعنا دون قيد أو شرط"
قال أدهم بحدة "وهل كنا نعرف أن المؤسسة ستخون الجميع بهذه الطريقة؟"
قلت بشدة "كان يجب أن نعرف.. كان يجب أن نتوقع كل شيء.. لا أن نتحمل ذنب كل أولئك الذين قضوا نحبهم لا يدرون لِمَ وكيف.. نحن المسؤولون عن كل ذلك.."
ورميت وجهي على ذراعي وأنا أشعر بدمعة ساخنة تسيل على وجنتي رغم أني قاومتها طويلاً.. شعرت ببسمة تربت على كتفي، بينما قال أدهم بضيق "لا داعي لتأنيبنا بهذه الطريقة.. أتظنين أننا سعداء بكل ما جرى هنا؟"
وسمعت خطواته تبتعد.. قد أكون آذيته بقولي هذا، لكن لِمَ ندفن الحقائق في التراب وننفض المسؤولية عن كواهلنا؟.. لماذا نفخر بالعمل الذي أنجزناه ونرمي الذنب على المؤسسة ونتناسى نصيبنا من ذلك الذنب؟.. وآه يا له من ذنب..
أنت تقرأ
حمراء
Ciencia Ficción((رواية خيال علمي)) ازداد بكاؤها أكثر وقالت بصوت مرتجف "ماذا تعتقدين أنهم سيفعلون بنا في الكويكب العاشر؟ هذا الكويكب هو منجم كبير، والساكنون فيه هم عمال السخرة الذين يقضون حياتهم في استخراج ما في المنجم" قلت مقطبة "هذا لا يعني شيئاً.. نحن لسنا.." صا...