في مكانٍ ما

5 1 3
                                    

مع انبلاج كل فجر.. مع أول حركة لأجفاني.. ابدأ يومي المعهود.
ماضية لأداء تلك المهام التي تجعلك على الأقل مرتاح الضمير في نهاية اليوم.

كل يوم حاضرة بذلك الجسد الهزيل، ذي الأوصال المتحطمة، و أنا التي لم تتجاوز العشرين.. لكنها ليست المعضلة على أي حال، يكفيني وجود تلك الأعضاء التي تؤدي وظائفها على نحو مرضٍ بالنسبة لي..
المعضلة كانت في " الذاكرة ".

لدي ذاكرة تتسع لمئات المواقف و مئات المشاعر.. الذاكرة التي بسببها أعيش في عالمين، أحدهما واقعي و الآخر افتراضي،
لا أدري لما أميل نحو الأخير دوما، هل حياتي أصبحت بهذا القدر من الملل؟!.
ربما هروبي إلى العالم الافتراضي و الذي يكون " الماضي " أمر طبيعي، و لكن هذا لو كان الأمر لا يستغرق بضع دقائق، أما معي فيستغرق... لا أعلم كم بالضبط، فأنا اقضي معظم وقتي هناك.

عندما أكون بالعالم الافتراضي أتخيل نفسي جالسة فوق تلة عالية، أتابع الأحداث من زوايا مختلفة، كل زاوية تعبر عن حدث معين.

كلما نظرت إلى السماء، رأيت وجهي جدي و جدتي الراحلين.. في مكانٍ ما.. يوجد جدي جالسا يتابع مباراة كرة القدم، ممسكا بكوبه المعتاد و بداخله شاي ساخن.
في مكانٍ ما.. تجلس جدتي على عتبة مدخل البيت في الصباح الباكر، تتأمل في سكون.. تتجه لاحقا لإطعام الديكة و البط، و جمع البيض.
في مكانٍ ما.. تركض تلك الطفلة ذات الأربعة أعوام في الطرقات.. تضل طريقها.. ينفطر قلب أمها، ثم تعود بملابس يغطيها التراب، فتنال عقابها.
في مكانٍ ما.. أحلق أنا و أخي عاليا، تغمرنا الدهشة لرؤية البلاد من على كل هذا الارتفاع.. لاسيما ذلك الشعور حينما يعلن الكابتن عن موعد هبوط الطائرة، فنربط الأحزمة متحفزين للعودة إلى الوطن أخيرا.

في مكانٍ ما حدث الكثير و الكثير.. فتنتهى كل الأحداث بالنهاية ..لا يبقى منها سوى بصمتها، تنحفر بالذاكرة إلى الأبد..
" في مكانٍ ما " / حنين شريف 🍂

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jul 09 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

في مكانٍ ماWhere stories live. Discover now