جثة هامدة يحاولون أن تستعيد رمق الحياة .. وجه شاحب ابيض و عينان غائرتان و شفتان متشققتان ، يضربون القطبين على صدرها يحاولون إنعاش قلبها و لكن دون جدوى ، لا احد يعلم ما مرت به حتى وصلت إلى تلك الحالة ، و لكن من آثار تترك بصمتها على جسدها أنها قد تعرضت لإعتداء وحشي لا يمت للبشر بصلة ، تبدو كدمية صغيرة و هي خائرة القوى ، و جسد فارقته الروح منذ أمد ، لا يغطي جسدها الهزيل سوا ملاءة ، متضرجة بالدماء ، وجدتها الشرطة في منزلها ، على الأرض الباردة .. رأسها ينزف بشدة حينما اوقعها رجلا من الأربعة ، لم يكتفي بذلك .. مزق فستانها و هي تحاول الصراخ و أن تتملص منه و لكن دون جدوى ، و ادخل قطعة من القماش بفمها حتى يكتم صراخها تماما .. ثم شرعوا اربعتهم في انتهاكها ، عندما فرغوا عطف واحدا منهم على حالها ، فدخل غرفتها و القى عليها ملاءة بإهمال حتى يغطي جسدها و كان قد سقط سلاح أبيض منهم ، امتدت يدها و عيناها الذاهلتين تطالعان ما يحدث ، و بدون ذرة تردد واحدة غرزت السكينة في جسدها ، حتى تتخلص من ذلك العار ..
لازالت المحاولة مستمرة ، ينتفض جسدها من الصعقات الكهربية ، شريط حياتها يمر أمام عينها .. لا تتذكر من هي و ما الذي حدث ، البقع السوداء في عينيها تلتحم ببعضها لتعتم الرؤية رويدا رويدا في عينيها ، استسلمت لذلك الخدر ، و أغمضت عيناها .. لازال جزء منها يفكر ما الذي سيحدث بعد رحيلها ، ربما تحزن ( ريحانة ) و كذلك ( كريم ) ثم يستأنفا حياتهما كأن شئ لم يكن ، و ( عمرو ) لن يتأثر كثيرا ..
- يا دكتور .. بقالنا نص ساعة بنعملها إنعاش .. هي خلاص ماتت ..
- هنحاول تاني .. يمكن تعيش ..
ثم أخذ من يديه القطبين ، يرى الجرح الغائر في منتصف صدرها ، تلك الطعنة التي فعلتها بنفسها لم تكن تضاهي الطعنات التي توالت عليها من كل صوب من قبل ، ربما يرى الناس تلك الطعنة ، ربما تترك أثرا في جسدها إن عاشت ، و لكنهم لم يروا ما كانت تعانيه ابدا .. حتى لو صرخت بقدر الألم الذي تشعر به ..
- يا دكتور ..
لا يستمع له ، بل يضرب على صدرها بقوة ، يحاول أن ترجع إلى الحياة ، أبعده تلك المرة طبيب من نفس سنه ، يخبره بحدة : ماتت .. متحاولش ..
يكرر الجملة مرة أخرى : ماتت .. خلاص ..
قبل أن يدخل الطبيب الآخر في نوبة غضب ، سمعوا صوت جهاز القلب يصدر صوت يعلن أن هناك نبض اخيرا ، نظروا إلى بعضهم في دهشة ، استعاد أحدهم أنفاسه و قال : بسرعة .. كل واحد يرجع لمكانه ..
تسمع كل شئ و ترى نفسها من بعيد ، يحاولون إيصالها بكل الأجهزة من جديد .. و تعلن الحياة أمامها أنها الفائزة تلك المرة و أنها من اعادتها مرة أخرى لها ! ..
____________________________________________
دخلت ( صفية ) و هي تحمل الحلوي و تقدمها ل( بتول ) تقول بحب : خدي يا حبيبتي ..
رمقتها بنظرة بريئة ، و اختبأت بين احضان ابيها بخجل ، فضحك ( عز الدين ) ، و أردف للتي تخفي وجهها في صدره : خدي من عمتو بلاش تتكسفي ..
اخذت بقبضتها الصغيرة الكثير من الحلوى التي تحبها ، و اعتدلت تجلس في حضن ابيها من جديد ، يساعدها هو على تناولها ، راقبت ( صفية ) ملامح اخيها الحزينة ، ذلك الحزن الذي طُبع على وجهه منذ أعوام ، رغم ذلك تتأمل ابتسامته مع ابنته الوحيدة التي تعالت ضحكاتها ، ثم ركضت تختبئ وراء ( صفية ) و هي تضحك ، نظرت لها فأردفت : بيزغزني ..
ضحكت ( صفية ) بشدة ، ثم ضمتها و هي تردف بجدية مصطنعة : ابعد عنها ..
تظاهر بالحزن و تراجع ، ثم التفت بغتة يردف بشقاوة : لا ..
ثم حمل ( بتول ) بين احضانه فأخذت تصرخ ضاحكة ، و يقبلها في وجنتيها ، ثم يحتضنها حضن طويل .. يشتم فيها رائحتها المميزة ..
- بابا بتخنقني ..
ابتعد عنها سريعا ثم أردف بإعتذار : أنا آسف ..
تركها ثم التفتت بحركة سريعة فتحرك معها فستانها القصير ، تستأذن عمتها ببراءة : عمتو ممكن ادخل العب جوا ..
- لا يا ( بتول ) .. العبي قدامي ..
قالها بصرامة مما جعل ( صفية ) تقول برفق : ادخلي هاتي اللعب و تعالى العبي قدامنا ..
انصاعت لحديثها ، و ركضت للداخل .. بينما التفتت ( صفية ) لأخيها تردف : هتفضل لحد امتى كده ؟
تصنع اللامبالاة و تظاهر أنه يعدل من ثيابه : أنا بحافظ عليها ، مش زي ما أنتِ مقتنعة ..
- لا يا ( عز ) .. انت محافظ على البنت بطريقة تخنق .. ما كل اللي بيخلف بيخاف على عياله ، بس عمرهم ما بيخاوفوا بطريقتك دي ..
- مش كل شوية هجيلك يا ( صفية ) تسمعيني الكلمتين دول .. أنا همشي ..
نهض ليرحل ، فأمسكت بيده سريعا تردف : لا .. اقعد و انا مش هتكلم في حاجة تانية ، خلاص ..
جلس على مضض ، و اتت ( بتول ) بالألعاب فإنتهى الحديث ..
____________________________________________
خرجت ( ريحانة ) صباحا كعادتها تذهب إليها ، تركت الصغار في منزلها يتابعوا التلفاز ، طرقت الباب طويلا و لكنها لا تسمع رد .. رنت على هاتفها فسمعت صوت رنينه من الداخل ، شعرت بإنقباضة في صدرها .. تعالى صوت طرقها حتى خرج أحد الجيران ، سألت و قد شعرت بإنسحاب أنفاسها : أنا بخبط عليها من امبارح .. هي فين ؟
قال بدهشة : هو حضرتك مكنتيش موجودة امبارح و لا ايه ؟
- ايه اللي حصل ؟
نومها ثقيل لدرجة أنها لم تشعر بأي شئ ، شعورها يخبرها بأن شئ سئ قد حدث لها ، و تأكدت من ظنها عندما قال الرجل : سمعنا دوشة كبيرة ، خرجنا لقينا الشرطة في شقة مدام ( بتول ) .. و بعدها الإسعاف جه و أخدها ..
راقب شحوب الماثلة أمامه ، و اكمل بقلق : بيقولوا أنه اشتباه في قتل ، هو حضرتك كويسة ؟
شعرت بأن جسدها يتهاوى ، فقالت بضعف تحاول التماسك : أيوة .. أيوة أنا كويسة عن اذنك ..
اغلق الباب ، و وقعت على الأرض في تلك اللحظة .. سمعت خطوات تقترب منها ، ثم صوت ( كريم ) الذي سألها بلهفة : أنتِ كويسة ؟
رفعت رأسها ليرى الدموع التي تنساب على وجنتيها ، تهمس بضعف : ( بتول ) ..
- مالها ؟
حكت ما عرفت منه ، رأت هي آثار ما قالته عليه ، رأت اهتزازه و عيناه الدامعة ، و طرق الباب مرة أخرى و عرف كل شئ من ذلك الجار ، ذهبت معه ، يركض و يسابق الزمن من أجلها ، لم تكن ( ريحانة ) قادرة على فعل شئ ، بل العجز مسيطر عليها .. تهاوت على اقرب مقعد و تركت ( كريم ) يتولى تلك الأمور ، لم يخب ظنها به قط ، من حسن الحظ كان ابنة خالة و والد ( امير ) يعملان في المشفى ، لم ينتبه ( كريم ) بل شعر بأن الدنيا تضع أوزارها عليه بلا رحمة ، علامات استفهام كثيرة تملأ رأسه .. شروع في قتل ، و من ؟ و كيف ؟ ، شعر فجأة أن ضربات قلبه ليست على ما يُرام ، حاول بقدر أن الإمكان أن يتجاهل ألمه الذي يزداد مع كل خطوة يخطوها ، ليجد فجأة من يمسكه من كتفيه ، التفت ليجده ( رؤوف ) ابن خالة ( امير ) ، يردف بإبتسامة : ( كريم ) ازيك يا ابني ؟ عاش من شافك يا راجل ..
و كأنه قد سقط من السماء ، سحبه ( كريم ) من يده دون أن يتفوه مما جعله يقول بقلق : مالك يا ( كريم ) ؟
حاول أن يتمالك أعصابه حتى يفهم ( رؤوف ) ، لم يفلح .. بل ظهرت الغصة في صوته المكتوم ، يقول : في واحدة جت امبارح يا ( رؤوف ) ، هي جت في قضية ..
- انت تعرفها ؟
قاطعه ( رؤوف ) بلهفة و قد شحب وجهه ، قال ( كريم ) : أيوة .. اسمها ( بتول ) ..
- احنا منعرفش عنها اي حاجة ، هي جت امبارح و هي شبه ميتة و ...
صمت ( رؤوف ) و لا يدري كيف يخبره ، و لكن ظهرت بوادر الدموع في مقلتي ( كريم ) ، يقول بأسى : طب هي كويسة ؟ .. أنا عايز اشوفها ..
- هنخلص إجراءات الأول ، و بعدها هنتصرف ..
شعر بأن الطريق طويل لكي يصل إلى غرفة الإستعلامات ، يملي بياناتها مع الممرضة التي بمجرد أن علمت أنه يعرف تلك المريضة و هي تترقب ردة فعله ..
- الإسم ؟
- بتول عز الدين المالكي
- السن ؟
يحاول التذكر ، هو أكبر منها بعامين تقريبا ، لذلك دون تردد قال : 27 سنة ..
مدت له الورقة و اردفت : دي باقي البيانات ..
صوته المرتعش و الخافت لن يتحمل الكثير من الإستجواب ، لذلك امسك القلم بيد مرتعشة و بدون تركيز ، أنهى تلك الإجراءات ، ثم ذهب إلى ( رؤوف ) الذي ذهب به إلى المكتب ، أعصابه تلفت كليا .. و قبل أن يتحدث ( رؤوف ) وجدا ( امير ) يقتحم المكتب ، نظر له ( كريم ) بإستغراب ، لم يطلب منه الحضور ، و لكنه لم يستفسر ، جلس ( امير ) قبالة ( رؤوف ) و يمسك بيد ( كريم ) الباردة ، يقول بهدوء : ايه اللي حصل ؟
استرسل ( رؤوف ) في الحديث : الساعة ٣ الفجر كنت قاعد في المكتب و فجأة سمعت صوت دوشة كبيرة اوي بره ، خرجت لقيتها ملفوفة في ملاية و جرح في منطقة الصدر كان جنب القلب مباشرة ، و جرح في الرأس تسبب في نزيف في المخ ، هي كانت جاية و تقريبا ميتة ، فضلنا نعمل الإنعاش لمدة نص ساعة كاملة ، لما نبضها رجع اخيرا .. و كملنا كشف عليها و دخلت عمليات اكتشفنا ..
صمت ( رؤوف ) و أدرك أن ما يقوله هو الأكثر صعوبة ، تشنجت يد ( كريم ) و اغمض عينيه يستعد لباقي ما يقوله و قد صمت ضربات قلبه آذانه من الإنفعال : لقينا اثار على جسمها تدل على تعرضها لإغتصاب ..
جحظت عينا ( امير ) بشدة و نظر إلى ( كريم ) الذي ينظر إليه بذهول ، تتكرر تلك الكلمة في عقله فبدت مثل ضوء احمر يشتعل في جانب من جوانب رأسه ، امسك برأسه بشدة ، لا يستوعب حالتها .. حزين عليها و بشدة ، ما الذي فعلته في حياتها حتى تتعرض لتلك المواقف !
الدوار يزداد و الحزن يعصف به ، كورقة في مهب الريح .. الألم بصدره يزداد أكثر ، نهض بغتة يردف : عايز اروح لها ..
وقفوا جميعهم أمام العناية المركزة حيث ترقد ، سمح ل( كريم ) أن يدخل و لكنه أردف بحرص : عشر دقائق يا ( كريم ) ..
أومأ و بمجرد دخوله و تأكده أنه لا يوجد أحد تهاوي على الكرسي الذي بجانب سريرها ، ساكنة تماما و عيناها التي بات يعشقها مغلقتان تماما و يتدلى من فمها أنبوب ، صدرها يعلو و يهبط بإنتظام ، العديد من الأجهزة تحيط بها ، و رأسها بها ضمادة تخفي معظم رأسها .. انهمرت عبراته التي جاهد طويلا لإخفائها ، يمسك يديها الصغيرة و يقبلهما .. كأنه يعتذر عما حدث رغم ان لا ذنب له مثلها تماما ، مسح على رأسها .. لا تسعفه الكلمات ، فقط العبرات التي تتزايد بمرور الوقت ، رغم ذلك يشعر بأنها أصبحت آمنة و لو لفترة مؤقتة .. تحولت العشر دقائق لساعة ، ربما هي اطول ساعة مرت عليه في حياته بأكملها ، و لم تحيد عينه عن ملامح وجهها لحظة .. ساعة كاملة و عبراته تنهمر بسخاء ، حتى أتى ( رؤوف ) يخبره بهدوء : ( كريم ) ..
نهض دون كلمة واحدة و خرج من العناية و هو يشعر يأن خطواته ثقيلة للغاية و كأنها تزن اطنان .. جلس ( امير ) جواره ثم قال بعد صمت : حالتها وحشة ؟
اومأ برأسه بهدوء ، ثم ردد بذهول : اغتصاب !
كان ( امير ) قد عاد للتو من مكتب أبيه ، عندما طرق الباب و دخل ، و كان ( عزيز ) يطالع إطار مثبت على مكتبه .. جلس أمامه بهدوء ، و لم يتحرك ( عزيز ) و ظل ساكنا يطالع صورة ابنته الراحلة في شرود ، ثم تحدث اخيرا : خير ؟
رفع ( امير ) كتفيه يرد : و لا حاجة .. أنا مش جاي عشان حاجة معينة ..
- عايز فلوس ؟
لم يرفع عينه ليقابل عيني ابنه ، و لكن ابنه أردف بهدوء : انا جاي عشان خاطر البنت اللي جت امبارح ..
تلك اللحظة رفع نظره يواجهه ، بدا عليه الإهتمام حقا و أردف : انت تعرفها ؟
اومأ برأسه ، و هو يقول : جت من فترة اشتغلت معايا أنا و ( كريم ) بس كانوا صحاب من ايام الكلية .. بس انا جاي عشان حاجة تانية ..
قرر التخلي عن أسلوبه البارد الذي اتخذه منذ عدة سنوات معه منذ وفاة أخته ، سأله بحزن تلك المرة : ليه ؟
- ليه ايه ؟
كاد أن يتراجع عما يتحدث عنه ، و لكن تلك المرة ازداد تصميما و هو ينفعل : ليه مش قادر تخرج من الذكرى دي ؟ ليه مش قادر تقتنع إن ( حنين ) ده كان قدرها و نصيبها ؟ ( رؤوف ) قالي انك فضلت تعمل ل( بتول ) إنعاش لحد ما رجعت للحياة تاني بمعجزة ، أنا مش تعليقي على كده .. تعليقي على اني اراهنك انك اتخيلتها ( حنين ) اختي .. و خاصة أنها ماتت برضو في نفس سنها ..
- أنا كنت بحاول مكررش غلطتي تاني .. أنا بقالي سنين مش عارف اخرج من الليلة دي ، حط نفسك مكاني ، لو حد بتحبه و مات تحت ايدك هتعمل ايه ؟
ارتفع صوته و هو يسأل ( امير ) بعنف : هتقدر تنام .. هتقدر تآكل .. هتقدر تشرب ؟ .. هتقدر تعيش حياتك عادي ؟ انت اخدت اللي حصل امبارح ده كوبري عشان تقولي الكلمتين دول ، أنا مش هنسى بنتي يا ( امير ) و مش هنسى اني كان يإيدي اني اساعدها و معملتش كده .. طب ما انت حياتك واقفة من بعد ( رقية ) .. حد قالك حاجة ؟
- الكلام ده لأني مش مسئول عن حد ، انما انت اب .. انت ضيعتني و ضيعت ( سامح ) اخويا و ماما .. خلتنا مش عارفين نعيش لحظة واحدة و احنا مبسوطين ..
عاد إلى أرض الواقع و قد التفت إلى ( كريم ) الذي لمح ( رؤوف ) فنادى عليه ، يسأله : طب حالتها ايه ؟ و هتفضل كده قد ايه ؟
نظر ل( امير ) بإرتباك ، فتولى ( امير ) أمر تلك المهمة ، اجلسه بهدوء مرة أخرى ، يضع كفه بين يديه .. يردف بجدية : ( كريم ) .. اللي هقوله ده صعب ..
يطالع مقلتي صديقه يخبره : ( بتول ) في غيبوبة حاليا بسبب نزيف المخ ..
يسأله عله يحصل على إجابة : طب لو فاقت ؟ مفيش حاجة هتحصلها مش كده ؟
ملامح الإنهيار تعلو وجهه ، يتصاعد داخله بسرعة مهولة ، تنهد بعمق شديد ثم قال ل( كريم ) : في مضاعفات بتحصل يا ( كريم ) .. أنا بقولك من دلوقتي عشان تكون عارف ، ممكن يحصل شلل .. او فقدان للنطق و القدرة على الكتابة و فقدان ذاكرة .. و في كمان صرع و اغماء ..
الدوار يعصف به مرة أخرى ، حاول أن يتملص من قبضة ( امير ) و لكنه قبض عليه بشدة ، تهاوى بين احضانه و تعالى صوت نحيبه ، دفن رأسه في صدره .. وقع على ركبتيه و أمامه ( امير ) و كأن طعنة الحزن اخترقت كليهما ! و يالها من طعنة قاسية !
____________________________________________
مر اسبوع كامل و هي لم تفق بعد ، و يقضي ( كريم ) أيامه بجوارها ، يتأمل ملامحها التي تزداد شحوبا يوما بعد يوم ، تلك المرة كانت مختلفة .. يتحدث معها للمرة الأولى ، أخبرها عن تفاصيل عمله .. ثم جلس يمسد على خصلات شعرها يتحدث بصوت خافت : عارفة يا بطة أنا الأيام اللي فاتت دي مكنتش بتكلم ليه ؟ عشان مكنتش مصدق انك مش عايشة معايا دلوقتي ، كنت خايف حتى اتنفس بصوت عالي شوية عشان متتضايقيش و أنتِ نايمة ، بس انا انهارده بتكلم عشان وحشني الكلام معاكي ، وحشني نظرتك البريئة و لمستك الرقيقة لكل حاجة ، أنا معرفش الحياة من قبلك كانت عاملة ازاي ، بس بجد أنا بقيت حاسس إن حياتي نقصاكي ، مفتقد لكل كلمة و كل حركة بتخرج منك بعفوية ..
انسابت دموعه بهدوء ، يردف : بتكلم عشان تتضايقي و تصحي تقوليلي ابطل اتكلم ، أنا حتى بقولك بطة عشان بتكرهي الدلع ده .. فاكرة الرحلة اللي قولتلك عليها ؟ أنا لغيتها انهارده ، اخدت وعد على نفسي اني مش هطلعها من غيرك ..
شعر بالغصة تخنق صوته ، عندما تذكر ما قاله الأطباء حول حالتها ، و أنها ربما لن تعيش طويلا ، طالع عيناها الساكنتان ، يخبرها بلوعة : قالولي انهارده انك مش هتعيشي كتير .. قالولي انك حتى لو عيشتي هتعيشي بإعاقة و عاهة مستديمة ، ممكن تفوقي و مش هتفتكريني ، انت بجد ممكن تعمليها فيا ؟
تعالت شهقاته لمجرد التخيل ، ثم قال بإبتسامة : عارفة .. أنا مبقاش يعدي عليا يوم واحد غير لما ابحث عن حالتك .. و اتواصل مع دكاترة عشان افهم هتعامل معاكي ازاي ، امبارح و انا بنام سرحت شوية .. تخيلت إن انا وأنتِ اتجوزنا و خلفنا بنوتة شبهك .. وعد مني هسميها اسم حلو هيعجبك .. بس عشان خاطري فوقي .. أنا عارف إني مكنتش في حساباتك اصلا ، و مش عارف لما تفوقي ممكن الوضع ده يتغير و لا لأ .. بس أنا مش هيضعيك من ايدي تاني ، أنا هحاول معاكي .. عشان انت تستحقي اني اضيع عمري كله في سبيل نظرة واحدة منك ..
مسح دموعه حتى يستطيع من جديد مواصلة الحياة بدونها ، قبل رأسها و أردف : أنا مضطر اسيبك و امشي يا نور عيني .. حافظي على نفسك لحد ما اقابلك بكرة اقولك ايه اللي حصل ..
أنت تقرأ
حَتى اَتَاهَا اليَقِينْ
عاطفيةلعل كل الأقدار كانت سبب فى تأخر امنيتها .. هذه الدنيا لا تعطى كل شئ .. ربما تخطط لحياتك ثم يأتى كل شئ فى لحظة قاطعة يخبرك بأنه لا ينفع .. كمثل الموج الذى يأتي على غفلة فيقلب سفينتك رأسا على عقب ، حتى سألت نفسها ذات مرة متى سترسو سفينتها على الجزيرة...