الفصل السادس عشر : ( الف ياردة )

68 5 0
                                    

جثة هامدة يحاولون أن تستعيد رمق الحياة .. وجه شاحب ابيض و عينان غائرتان و شفتان متشققتان ، يضربون القطبين على صدرها يحاولون إنعاش قلبها و لكن دون جدوى ، لا احد يعلم ما مرت به حتى وصلت إلى تلك الحالة ، و لكن من آثار تترك بصمتها على جسدها أنها قد تعرضت لإعتداء وحشي لا يمت للبشر بصلة ، تبدو كدمية صغيرة و هي خائرة القوى ، و جسد فارقته الروح منذ أمد ، لا يغطي جسدها الهزيل سوا ملاءة ، متضرجة بالدماء ، وجدتها الشرطة في منزلها ، على الأرض الباردة .. رأسها ينزف بشدة حينما اوقعها رجلا من الأربعة ، لم يكتفي بذلك .. مزق فستانها و هي تحاول الصراخ و أن تتملص منه و لكن دون جدوى ، و ادخل قطعة من القماش  بفمها حتى يكتم صراخها تماما .. ثم شرعوا اربعتهم في انتهاكها ، عندما فرغوا عطف واحدا منهم على حالها ، فدخل غرفتها و القى عليها ملاءة بإهمال حتى يغطي جسدها و كان قد سقط سلاح أبيض منهم ، امتدت يدها و عيناها الذاهلتين تطالعان ما يحدث ، و بدون ذرة تردد واحدة غرزت السكينة في جسدها ، حتى تتخلص من ذلك العار ..
لازالت المحاولة مستمرة ، ينتفض جسدها من الصعقات الكهربية ، شريط حياتها يمر أمام عينها .. لا تتذكر من هي و ما الذي حدث ، البقع السوداء في عينيها تلتحم ببعضها لتعتم الرؤية رويدا رويدا في عينيها ، استسلمت لذلك الخدر ، و أغمضت عيناها .. لازال جزء منها يفكر ما الذي سيحدث بعد رحيلها ، ربما تحزن ( ريحانة ) و كذلك ( كريم ) ثم يستأنفا حياتهما كأن شئ لم يكن ، و ( عمرو ) لن يتأثر كثيرا ..
- يا دكتور .. بقالنا نص ساعة بنعملها إنعاش .. هي خلاص ماتت ..
- هنحاول تاني .. يمكن تعيش ..
ثم أخذ من يديه القطبين ، يرى الجرح الغائر في منتصف صدرها ، تلك الطعنة التي فعلتها بنفسها لم تكن تضاهي الطعنات التي توالت عليها من كل صوب من قبل ، ربما يرى الناس تلك الطعنة ، ربما تترك أثرا في جسدها إن عاشت ، و لكنهم لم يروا ما كانت تعانيه ابدا .. حتى لو صرخت بقدر الألم الذي تشعر به ..
- يا دكتور ..
لا يستمع له ، بل يضرب على صدرها بقوة ، يحاول أن ترجع إلى الحياة ، أبعده تلك المرة طبيب من نفس سنه ، يخبره بحدة : ماتت .. متحاولش ..
يكرر الجملة مرة أخرى : ماتت .. خلاص ..
قبل أن يدخل الطبيب الآخر في نوبة غضب ، سمعوا صوت جهاز القلب يصدر صوت يعلن أن هناك نبض اخيرا ، نظروا إلى بعضهم في دهشة ، استعاد أحدهم أنفاسه و قال : بسرعة .. كل واحد يرجع لمكانه ..
تسمع كل شئ و ترى نفسها من بعيد ، يحاولون إيصالها بكل الأجهزة من جديد .. و تعلن الحياة أمامها أنها الفائزة تلك المرة و أنها من اعادتها مرة أخرى لها ! ..
____________________________________________
دخلت ( صفية ) و هي تحمل الحلوي و تقدمها ل( بتول ) تقول بحب : خدي يا حبيبتي ..
رمقتها بنظرة بريئة ، و اختبأت بين احضان ابيها بخجل ، فضحك ( عز الدين ) ، و أردف للتي تخفي وجهها في صدره : خدي من عمتو بلاش تتكسفي ..
اخذت بقبضتها الصغيرة الكثير من الحلوى التي تحبها ، و اعتدلت تجلس في حضن ابيها من جديد ، يساعدها هو على تناولها ، راقبت ( صفية ) ملامح اخيها الحزينة ، ذلك الحزن الذي طُبع على وجهه منذ أعوام ، رغم ذلك تتأمل ابتسامته مع ابنته الوحيدة التي تعالت ضحكاتها ، ثم ركضت تختبئ وراء ( صفية ) و هي تضحك ، نظرت لها فأردفت : بيزغزني ..
ضحكت ( صفية ) بشدة ، ثم ضمتها و هي تردف بجدية مصطنعة : ابعد عنها ..
تظاهر بالحزن و تراجع ، ثم التفت بغتة يردف بشقاوة : لا ..
ثم حمل ( بتول ) بين احضانه فأخذت تصرخ ضاحكة ، و يقبلها في وجنتيها ، ثم يحتضنها حضن طويل .. يشتم فيها رائحتها المميزة ..
- بابا بتخنقني ..
ابتعد عنها سريعا ثم أردف بإعتذار : أنا آسف ..
تركها ثم التفتت بحركة سريعة فتحرك معها فستانها القصير ، تستأذن عمتها ببراءة : عمتو ممكن ادخل العب جوا ..
- لا يا ( بتول ) .. العبي قدامي ..
قالها بصرامة مما جعل ( صفية ) تقول برفق : ادخلي هاتي اللعب و تعالى العبي قدامنا ..
انصاعت لحديثها ، و ركضت للداخل .. بينما التفتت ( صفية ) لأخيها تردف : هتفضل لحد امتى كده ؟
تصنع اللامبالاة و تظاهر أنه يعدل من ثيابه : أنا بحافظ عليها ، مش زي ما أنتِ مقتنعة ..
- لا يا ( عز ) .. انت محافظ على البنت بطريقة تخنق .. ما كل اللي بيخلف بيخاف على عياله ، بس عمرهم ما بيخاوفوا بطريقتك دي ..
- مش كل شوية هجيلك يا ( صفية ) تسمعيني الكلمتين دول .. أنا همشي ..
نهض ليرحل ، فأمسكت بيده سريعا تردف : لا .. اقعد و انا مش هتكلم في حاجة تانية ، خلاص ..
جلس على مضض ، و اتت ( بتول ) بالألعاب فإنتهى الحديث ..
____________________________________________
خرجت ( ريحانة ) صباحا كعادتها تذهب إليها ، تركت الصغار في منزلها يتابعوا التلفاز ، طرقت الباب طويلا و لكنها لا تسمع رد .. رنت على هاتفها فسمعت صوت رنينه من الداخل ، شعرت بإنقباضة في صدرها .. تعالى صوت طرقها حتى خرج أحد الجيران ، سألت و قد شعرت بإنسحاب أنفاسها : أنا بخبط عليها من امبارح .. هي فين ؟
قال بدهشة : هو حضرتك مكنتيش موجودة امبارح و لا ايه ؟
- ايه اللي حصل ؟
نومها ثقيل لدرجة أنها لم تشعر بأي شئ ، شعورها يخبرها بأن شئ سئ قد حدث لها ، و تأكدت من ظنها عندما قال الرجل : سمعنا دوشة كبيرة ، خرجنا لقينا الشرطة في شقة مدام ( بتول ) .. و بعدها الإسعاف جه و أخدها ..
راقب شحوب الماثلة أمامه ، و اكمل بقلق : بيقولوا أنه اشتباه في قتل ، هو حضرتك كويسة ؟
شعرت بأن جسدها يتهاوى ، فقالت بضعف تحاول التماسك : أيوة .. أيوة أنا كويسة عن اذنك ..
اغلق الباب ، و وقعت على الأرض في تلك اللحظة .. سمعت خطوات تقترب منها ، ثم صوت ( كريم ) الذي سألها بلهفة : أنتِ كويسة ؟
رفعت رأسها ليرى الدموع التي تنساب على وجنتيها ، تهمس بضعف : ( بتول ) ..
- مالها ؟
حكت ما عرفت منه ، رأت هي آثار ما قالته عليه ، رأت اهتزازه و عيناه الدامعة ، و طرق الباب مرة أخرى و عرف كل شئ من ذلك الجار ، ذهبت معه ، يركض و يسابق الزمن من أجلها ، لم تكن ( ريحانة ) قادرة على فعل شئ ، بل العجز مسيطر عليها .. تهاوت على اقرب مقعد و تركت ( كريم ) يتولى تلك الأمور ، لم يخب ظنها به قط ، من حسن الحظ كان ابنة خالة و والد ( امير ) يعملان في المشفى ، لم ينتبه ( كريم ) بل شعر بأن الدنيا تضع أوزارها عليه بلا رحمة ، علامات استفهام كثيرة تملأ رأسه .. شروع في قتل ، و من ؟ و كيف ؟ ، شعر فجأة أن ضربات قلبه ليست على ما يُرام ، حاول بقدر أن الإمكان أن يتجاهل ألمه الذي يزداد مع كل خطوة يخطوها ، ليجد فجأة من يمسكه من كتفيه ، التفت ليجده ( رؤوف ) ابن خالة ( امير ) ، يردف بإبتسامة : ( كريم ) ازيك يا ابني ؟ عاش من شافك يا راجل ..
و كأنه قد سقط من السماء ، سحبه ( كريم ) من يده دون أن يتفوه مما جعله يقول بقلق : مالك يا ( كريم ) ؟
حاول أن يتمالك أعصابه حتى يفهم ( رؤوف ) ، لم يفلح .. بل ظهرت الغصة في صوته المكتوم ، يقول : في واحدة جت امبارح يا ( رؤوف ) ، هي جت في قضية ..
- انت تعرفها ؟
قاطعه ( رؤوف ) بلهفة و قد شحب وجهه ، قال ( كريم ) : أيوة .. اسمها ( بتول ) ..
- احنا منعرفش عنها اي حاجة ، هي جت امبارح و هي شبه ميتة و ...
صمت ( رؤوف ) و لا يدري كيف يخبره ، و لكن ظهرت بوادر الدموع في مقلتي ( كريم ) ، يقول بأسى : طب هي كويسة ؟ .. أنا عايز اشوفها ..
- هنخلص إجراءات الأول ، و بعدها هنتصرف ..
شعر بأن الطريق طويل لكي يصل إلى غرفة الإستعلامات ، يملي بياناتها مع الممرضة التي بمجرد أن علمت أنه يعرف تلك المريضة و هي تترقب ردة فعله ..
- الإسم ؟
- بتول عز الدين المالكي
- السن ؟
يحاول التذكر ، هو أكبر منها بعامين تقريبا ، لذلك دون تردد قال : 27 سنة ..
مدت له الورقة و اردفت : دي باقي البيانات ..
صوته المرتعش و الخافت لن يتحمل الكثير من الإستجواب ، لذلك امسك القلم بيد مرتعشة و بدون تركيز ، أنهى تلك الإجراءات ، ثم ذهب إلى ( رؤوف ) الذي ذهب به إلى المكتب ، أعصابه تلفت كليا .. و قبل أن يتحدث ( رؤوف ) وجدا ( امير ) يقتحم المكتب ، نظر له ( كريم ) بإستغراب ، لم يطلب منه الحضور ، و لكنه لم يستفسر ، جلس ( امير ) قبالة ( رؤوف ) و يمسك بيد ( كريم ) الباردة ، يقول بهدوء : ايه اللي حصل ؟
استرسل ( رؤوف ) في الحديث : الساعة ٣ الفجر كنت قاعد في المكتب و فجأة سمعت صوت دوشة كبيرة اوي بره ، خرجت لقيتها ملفوفة في ملاية و جرح في منطقة الصدر كان جنب القلب مباشرة ، و جرح في الرأس تسبب في نزيف في المخ ، هي كانت جاية و تقريبا ميتة ، فضلنا نعمل الإنعاش لمدة نص ساعة كاملة ، لما نبضها رجع اخيرا .. و كملنا كشف عليها و دخلت عمليات اكتشفنا ..
صمت ( رؤوف ) و أدرك أن ما يقوله هو الأكثر صعوبة ، تشنجت يد ( كريم ) و اغمض عينيه يستعد لباقي ما يقوله و قد صمت ضربات قلبه آذانه من الإنفعال : لقينا اثار على جسمها تدل على تعرضها لإغتصاب ..
جحظت عينا ( امير ) بشدة و نظر إلى ( كريم ) الذي ينظر إليه بذهول ، تتكرر تلك الكلمة في عقله فبدت مثل ضوء احمر يشتعل في جانب من جوانب رأسه ، امسك برأسه بشدة ، لا يستوعب حالتها .. حزين عليها و بشدة ، ما الذي فعلته في حياتها حتى تتعرض لتلك المواقف !
الدوار يزداد و الحزن يعصف به ، كورقة في مهب الريح .. الألم بصدره يزداد أكثر ، نهض بغتة يردف : عايز اروح لها ..
وقفوا جميعهم أمام العناية المركزة حيث ترقد ، سمح ل( كريم ) أن يدخل و لكنه أردف بحرص : عشر دقائق يا ( كريم ) ..
أومأ و بمجرد دخوله و تأكده أنه لا يوجد أحد تهاوي على الكرسي الذي بجانب سريرها ، ساكنة تماما و عيناها التي بات يعشقها مغلقتان تماما و يتدلى من فمها أنبوب ، صدرها يعلو و يهبط بإنتظام ، العديد من الأجهزة تحيط بها ، و رأسها بها ضمادة تخفي معظم رأسها .. انهمرت عبراته التي جاهد طويلا لإخفائها ، يمسك يديها الصغيرة و يقبلهما .. كأنه يعتذر عما حدث رغم ان لا ذنب له مثلها تماما ، مسح على رأسها .. لا تسعفه الكلمات ، فقط العبرات التي تتزايد بمرور الوقت ، رغم ذلك يشعر بأنها أصبحت آمنة و لو لفترة مؤقتة .. تحولت العشر دقائق لساعة ، ربما هي اطول ساعة مرت عليه في حياته بأكملها ، و لم تحيد عينه عن ملامح وجهها لحظة .. ساعة كاملة و عبراته تنهمر بسخاء ، حتى أتى ( رؤوف ) يخبره بهدوء : ( كريم ) ..
نهض دون كلمة واحدة و خرج من العناية و هو يشعر يأن خطواته ثقيلة للغاية و كأنها تزن اطنان .. جلس ( امير ) جواره ثم قال بعد صمت : حالتها وحشة ؟
اومأ برأسه بهدوء ، ثم ردد بذهول : اغتصاب !
كان ( امير ) قد عاد للتو من مكتب أبيه ، عندما طرق الباب و دخل ، و كان ( عزيز ) يطالع إطار مثبت على مكتبه .. جلس أمامه بهدوء ، و لم يتحرك ( عزيز ) و ظل ساكنا يطالع صورة ابنته الراحلة في شرود ، ثم تحدث اخيرا : خير ؟
رفع ( امير ) كتفيه يرد : و لا حاجة .. أنا مش جاي عشان حاجة معينة ..
- عايز فلوس ؟
لم يرفع عينه ليقابل عيني ابنه ، و لكن ابنه أردف بهدوء : انا جاي عشان خاطر البنت اللي جت امبارح ..
تلك اللحظة رفع نظره يواجهه ، بدا عليه الإهتمام حقا و أردف : انت تعرفها ؟
اومأ برأسه ، و هو يقول : جت من فترة اشتغلت معايا أنا و ( كريم ) بس كانوا صحاب من ايام الكلية .. بس انا جاي عشان حاجة تانية ..
قرر التخلي عن أسلوبه البارد الذي اتخذه منذ عدة سنوات معه منذ وفاة أخته ، سأله بحزن تلك المرة : ليه ؟
- ليه ايه ؟
كاد أن يتراجع عما يتحدث عنه ، و لكن تلك المرة ازداد تصميما و هو ينفعل : ليه مش قادر تخرج من الذكرى دي ؟ ليه مش قادر تقتنع إن ( حنين ) ده كان قدرها و نصيبها ؟ ( رؤوف ) قالي انك فضلت تعمل ل( بتول ) إنعاش لحد ما رجعت للحياة تاني بمعجزة ، أنا مش تعليقي على كده .. تعليقي على اني اراهنك انك اتخيلتها ( حنين ) اختي .. و خاصة أنها ماتت برضو في نفس سنها ..
- أنا كنت بحاول مكررش غلطتي تاني .. أنا بقالي سنين مش عارف اخرج من الليلة دي ، حط نفسك مكاني ، لو حد بتحبه و مات تحت ايدك هتعمل ايه ؟
ارتفع صوته و هو يسأل ( امير ) بعنف : هتقدر تنام .. هتقدر تآكل .. هتقدر تشرب ؟ .. هتقدر تعيش حياتك عادي ؟ انت اخدت اللي حصل امبارح ده كوبري عشان تقولي الكلمتين دول ، أنا مش هنسى بنتي يا ( امير ) و مش هنسى اني كان يإيدي اني اساعدها و معملتش كده .. طب ما انت حياتك واقفة من بعد ( رقية ) .. حد قالك حاجة ؟
- الكلام ده لأني مش مسئول عن حد ، انما انت اب .. انت ضيعتني و ضيعت ( سامح ) اخويا و ماما .. خلتنا مش عارفين نعيش لحظة واحدة و احنا مبسوطين ..
عاد إلى أرض الواقع و قد التفت إلى ( كريم ) الذي لمح ( رؤوف ) فنادى عليه ، يسأله : طب حالتها ايه ؟ و هتفضل كده قد ايه ؟
نظر ل( امير ) بإرتباك ، فتولى ( امير ) أمر تلك المهمة ، اجلسه بهدوء مرة أخرى ، يضع كفه بين يديه .. يردف بجدية : ( كريم ) .. اللي هقوله ده صعب ..
يطالع مقلتي صديقه يخبره : ( بتول ) في غيبوبة حاليا بسبب نزيف المخ ..
يسأله عله يحصل على إجابة : طب لو فاقت ؟ مفيش حاجة هتحصلها مش كده ؟
ملامح الإنهيار تعلو وجهه ، يتصاعد داخله بسرعة مهولة ، تنهد بعمق شديد ثم قال ل( كريم ) : في مضاعفات بتحصل يا ( كريم ) .. أنا بقولك من دلوقتي عشان تكون عارف ، ممكن يحصل شلل .. او فقدان للنطق و القدرة على الكتابة و فقدان ذاكرة .. و في كمان صرع و اغماء ..
الدوار يعصف به مرة أخرى ، حاول أن يتملص من قبضة ( امير ) و لكنه قبض عليه بشدة ، تهاوى بين احضانه و تعالى صوت نحيبه ، دفن رأسه في صدره .. وقع على ركبتيه و أمامه ( امير ) و كأن طعنة الحزن اخترقت كليهما ! و يالها من طعنة قاسية !
____________________________________________
مر اسبوع كامل و هي لم تفق بعد ، و يقضي ( كريم ) أيامه بجوارها ، يتأمل ملامحها التي تزداد شحوبا يوما بعد يوم ، تلك المرة كانت مختلفة .. يتحدث معها للمرة الأولى ، أخبرها عن تفاصيل عمله .. ثم جلس يمسد على خصلات شعرها يتحدث بصوت خافت : عارفة يا بطة أنا الأيام اللي فاتت دي مكنتش بتكلم ليه ؟ عشان مكنتش مصدق انك مش عايشة معايا دلوقتي ، كنت خايف حتى اتنفس بصوت عالي شوية عشان متتضايقيش و أنتِ نايمة ، بس انا انهارده بتكلم عشان وحشني الكلام معاكي ، وحشني نظرتك البريئة و لمستك الرقيقة لكل حاجة ، أنا معرفش الحياة من قبلك كانت عاملة ازاي ، بس بجد أنا بقيت حاسس إن حياتي نقصاكي ، مفتقد لكل كلمة و كل حركة بتخرج منك بعفوية ..
انسابت دموعه بهدوء ، يردف : بتكلم عشان تتضايقي و تصحي تقوليلي ابطل اتكلم ، أنا حتى بقولك بطة عشان بتكرهي الدلع ده .. فاكرة الرحلة اللي قولتلك عليها ؟ أنا لغيتها انهارده ، اخدت وعد على نفسي اني مش هطلعها من غيرك ..
شعر بالغصة تخنق صوته ، عندما تذكر ما قاله الأطباء حول حالتها ، و أنها ربما لن تعيش طويلا ، طالع عيناها الساكنتان ، يخبرها بلوعة : قالولي انهارده انك مش هتعيشي كتير .. قالولي انك حتى لو عيشتي هتعيشي بإعاقة و عاهة مستديمة ، ممكن تفوقي و مش هتفتكريني ، انت بجد ممكن تعمليها فيا ؟
تعالت شهقاته لمجرد التخيل ، ثم قال بإبتسامة : عارفة .. أنا مبقاش يعدي عليا يوم واحد غير لما ابحث عن حالتك .. و اتواصل مع دكاترة عشان افهم هتعامل معاكي ازاي ، امبارح و انا بنام سرحت شوية .. تخيلت إن انا وأنتِ اتجوزنا و خلفنا بنوتة شبهك .. وعد مني هسميها اسم حلو هيعجبك .. بس عشان خاطري فوقي .. أنا عارف إني مكنتش في حساباتك اصلا ، و مش عارف لما تفوقي ممكن الوضع ده يتغير و لا لأ .. بس أنا مش هيضعيك من ايدي تاني ، أنا هحاول معاكي .. عشان انت تستحقي اني اضيع عمري كله في سبيل نظرة واحدة منك ..
مسح دموعه حتى يستطيع من جديد مواصلة الحياة بدونها ، قبل رأسها و أردف : أنا مضطر اسيبك و امشي يا نور عيني .. حافظي على نفسك لحد ما اقابلك بكرة اقولك ايه اللي حصل ..

حَتى اَتَاهَا اليَقِينْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن