سَرْمَديّ - لا بدء له ولا نهاية - ❤

322 14 0
                                    

Part 1

" لا تخف , أنا هنا ، بجانبك " .
....
-هل مقطوع اللسان مجددًا ؟
اومئ الشرطي لرئيسه , ليتنهد الأخر , وجثى ارضًا , يتفحص الجثه التي طفت على احد الشواطئ المعزوله , ومن ثم اغمض عيناه وقال بهدوء : هل يترك علامه تميزه ؟ ما الرساله التي يريد ايصالها من قتله لكل هذه الجثث وقطع لسانها , منذ سنوات , انها الجثه المائه والخمسون .. وجميعهن بلا السنه .
ومن ثم نهض من مكانه غاضبًا وقال امرًا : انقلوا الجثه للطب الشرعي , ولنبدأ التحقيق ..
ليجبه صديقه : لا فائده يا سيدي , انك تدرك هذا , منذ سنوات , لم نعثر على ادنى دليل يدين هذا السفاح .
=هل نتركه اذا ؟ لا يعقل هذا , افعلوا كما اخبرتكم , انا سأذهب للمدير وسأتحدث معه
.......
وفي مكان معزولٍ آخر ، على سفح هاويه ، يجلس هناك بهدوءه وامامه رجل مكبل ارضًا يحادثه قائلًا :
-إنّي اتسائل حقًا عن مدى واقعية فكرة ان المشاعر تنبع من القلب ؟ كيف ل شيء بحجم كفك , ان يكون المتحكم بكل هذه الفوضى التي اعجز عن شرحها ؟
بلع الذي امامه ماء فمه ليكمل الأخر : مثلًا انا لا اشعر , هكذا يقولون عنّي ذاتًا ولا أعلم ان كنت اوافقهم الرأي ولكن حقًا, ذلك الشعور الذي كان يختلج صدري , اي يعني , حين احزن , حين افرح , حين افعل سوءًا .. لم يأتيني منذ وقت طويل .. هل هذا يعني انني حقًا ذو قلب متحجر ؟ ام انني فقدت الشعور بنفسي وبمن حولي ؟
اه ما هذه السخافه ! ماذا تعني كلمة المشاعر ؟ لماذا يؤمنون بها ؟ وعلى اساسها يبدؤون بتنصيف المرء ان كان جيدًا ام سيئًا بناءًا عليها ؟
ماذا يعني ان تكون سيئًا , وماذا يعني ان تكون جيدًا ؟ هيا أجب , أجب لأرى ..
طالعه الأخر بنظرات مليئه بالخوف ودموعه , وتبعثرت الحروف في حنجرته حين اراد الجواب ليصرخ  به فارتولو : اجب يا هذا , ماذا يعني ان تكون جيدًا ؟
بلع الرجل ريقه مجددًا واجاب وسط خوفه :  ان .. ان تساعد من حولك , ان تستطيع الحب مثلًا او المسامحه , ان تعفو, ان تفهم من حولك , ان لا تؤذيهم .
=العفو .. جواب يصب في مصلحتك , انه الأنسان هل تعلم , لا يستطيع التفكير خارج نطاق وضعه الحالي , متوقع ان يكون جوابك يصب في صالحك , لأنك مثل كل الذي قبلك , لم يجب احدًا الا جوابًا يصب في مصلحته , في تغير رأيي نحوه , ولكن نسيت شيئًا ..انا لا اشعر .
-ارجوك , ارجوك , لتعطني فرصه اخرى , لأتلاشى خطأي ب اي شيء تريد منّي فعله .
ليجبه فارتولو متجاهلًا توسلاته : لم افهم الى الآن , ماذا يعني ان تكون جيدًا , وماذا يعني ان تكون سيئًا ؟ على اي اساس تم تميزهم ؟ هل كل جيد جيد بكل صفاته ؟ وهل كل سيء , سيء بكل صفاته ؟ الا تستطيع البذرة الجيده ان تنمو ب ارض فاسده ؟ وهل كل ارض جيده لا يوجد بها زرع فاسد ؟
ليجبه من امامه وسط شهقات بكاؤه التي بدأت تزداد : ان كنت جيدًا ف وجب عليك مسامحتي , وان كنت سيئًا ؛ الم تخبرني الأن انه من الممكن ان تنبت بذرة في ارض فاسده ؟ ارجوك لتعفو عني , لن تر وجهي مجددًا ..
=ولكنك اخطئت يا عزيزي صالح , وانا حين كنت اخطئ كنت انال عقابي كاملًا , لماذا لم يعفوا عني احد ؟ لماذا اخذت عقابي كما وجب ؟
-ارجوك .. ارجوك ..
تنهد فارتولو ب ملل ثم قال : تمام سامحتك , لن اقتلك ولكنك ستنال عقابك , لن يفر احدًا من عقابه .
ضحك الأخر وسط خوفه متشكرًا فارتولو وقال : سأفعل اي ما تريده , انت اردت ان اكون من رجالك سأفعل , اي ما تطلبه ..
انحنى فارتولو على ركبتيه امامه الرجل المكبل ارضًا : الهواء جميل جدًا اليوم يا صالح .
=اسمي هو احمد يا سيدي .
-حقًا ؟ من اليوم ليكن صالح ..
اومئ الأخر بريبه ليكمل فارتولو : انا لن اقتلك .. لقد عفوت عنك , ولكن ستأخذ عقابًا مخففًا ..
=امرك , ايا كان .
=انا لن اقتلك , ولكنك ستقتل نفسك .
فغر الاخر فاهه , وقال : لا يمكن ان تفعل هذا ..
=ماذا اخبرتني الا اقتلك وها انا افعل , ومن ثم مد السلاح للرجل امامه بعدما فك قيده وقال : هيا لأرى لا تطيل ..
اخذ الرجل السلاح ب ايدي مرتجفه بعدما  صرخ به فارتولو متوسلًا عدم جعله يخطو لفعل كهذا , الا ان فارتولو كان يناظره هو وعجزه ب عين الانتصار والحيره في آن واحد ..
وجه الرجل فوهة السلاح لرأسه , وسط استغراب فارتولو .. ولكن سرعان ما حوّل فوهة السلاح نحو فارتولو , التي تلاشت ملامح الاستغراب عن وجهه وحلت مكانها ابتسامه صفراء لا مباليه لما يحدث ..
ليبتعد الرجل بسلاحه للخلف وصاح به : اي عديم رحمه انت يا هذا ؟ **** انك كما وصفوك تماما , لا قلب ولا مشاعر , وتحاول معرفه الجيد من السيء .. انك السوء بذاته , لا يمكن لبذره ان تنبت ب ارضك , لأن تربتك عفنه نتنه لا فاسده فقط , حتى الخير يتعفن بداخلها ويفسد ..
وابتسم بخبث حين اكمل : انك سيئًا اجل , وانا من سأخلص البشريه من سوءك ..
ورفع سلاح مطلقًا على من امامه , وسقط وجهه بجانب قلبه , حين لم يطلق السلاح , لتتعالى ضحكات فارتولو الساخره حين اقترب من احمد وقال : انه الانسان يا عزيزي صالح
قبل ان يغرز سكينه في قلبه وسط خوف الاخر وخوفه .. وسحبها ببطئ شديد وهو يدورها, وعاد الكره مرة اخرى ليقع الأخر ارضًا محاولا سحب انفاسه الأخيره , ليجثوا فارتولو بجانبه ومرر السكين على وجنه احمد ثم فمه , واخذ لسانه , ثم انتشله ورماه  من اعلى الهاويه .. وعاد للخلف ضاحكًا وقال : تستحق ذلك ايها الرقم 151 .. جميعكم تستحقون ذلك , الى اللقاء عزيزي صالح .
........
اما في مكان اخر , داخل غرفه اجتماعات مغلقه , يطغوا الضوء الخافت عليها , وعلى طاوله مليئه ب اوراق وصور عديده , قال رجلٌ بلغه رزينه ولكنها مليئه بالغضب : اني اللاحق هذا الامر منذ سنوات , قضية هذا الرجل لن اهدئ قبل ان احلها .. ليقاطع حديثه دخول ضابطه الذي قال بغضب مخفي : اعتذر لقد تأخرت يا مديري ..
ليجبه المدير : اين كنت يا مارت ؟
=جثه اخرى , تخص ذلك القاتل المتسلسل ..
تنهد المدير بغضب وضرب الطاولة التي امامه , وقال منهيًا الاجتماع : الى الخارج قليلًا يا اولاد ..
تمثل الجميع لأوامره بينما اكمل المدير لمارت : انها الجثه رقم 150 , ونحن منذ سنوات لا نستطيع حتى الحصول على دليل واحد يا مارت ..
-ماذا افعل يا مدريري , وكأن من يقتله شبح , لا يترك اي اثر , وليس له طريقه معينه ولا حتى وقت او مكان .. هل هم مجموعه ام شخص واحد لا اعلم , لأنه هذه الجثث وجدت في جميع انحاء البلاد .
تنهد المدير بغضب وقال  : الأمر لدى قسم الجنائيات الآن , لنرى ما سيحدث , اما انت , اليوم مهم جدًا يا مارت, انني اللاحق هذا اليوم منذ خمسة عشر عامًا .
=هل هناك شيء يخص بائع الكباب يا مديري ؟
-انه كذلك , اليوم كما افادت المصادر هناك اجتماع له مع جماعته من الروس ,في ذات الوقت ستتم صفقة تسليم المخدرات ,اريد ان ينتهي الامر اليوم , لم استطع انهاء هذا الامر من سنوات , لطالما كان جلال ذكي ويستطيع انقاذ نفسه , وزاد الامر سوءًا حين تولى ابنه اعماله .
=ابنه ؟
-ذلك الفتى الأسمر , ذكي جدًا وشجاع , لو تطلب الامر منه روحه , لن يترك اباه في موقف صعب او يجعله يخسر ..
ابتسم مارت ليكمل المدير : ومنذ توليه اعمال ابيه وبائع الكباب يكبر اكثر واكثر ..
-ما الحل اذًا يا مديري ؟
=جلال يدرك جدًا انه من دون فارتولو سيخسر ويكسر , لذلك وبطريقة ما يجب ابعاد فارتولو عنه .. افعل ما  شئت ولكن الليله لن يتواجد فارتولو في اجتماع ابيه , اني اعطيك كافة الصلاحيات يا حضرة رئيس المفوضين ..
-امرك يا حضرة المدير , ثق بي انت فقط .
=اني افعل يا بني , مارت , توخى الحذر في انتقاء رجالك ايضًا , لأنني وبصراحه اشك بوجود واشي بيننا .
-ليس لهذه الدرجه يا مدير !!
-بل واكثر , ان كنت اعرف جلال ولو قليلاً ف اعلم انه لن يهدأ قبل ان يضع حمامة زاجله بييننا تنقل له اخبارنا وهذا واضح ذاتًا , كل تحركاتنا لديه .
ابتسم مارت وقال : الأمر لدي .. لا تقلق , ومن ثم خرج نحو فريقه وقال : تجهزوا يا اولاد , لدينا مداهمه .
...........
اما في ذلك المطعم التي تفوح منه رائحة الدخان , دخل فارتولو بهدوء نحو ذلك الرجل الذي بالعقد السادس من عمره , ورغم كبره الواضح , الا ان الوقار والهيبه تأخذ مكانًا في وجه هذا الرجل .. لم يتفوه فارتولو بينما قال جلال : اعرف انك هنا ..
ابتسم فارتولو وقال : اشك احيانًا بوجود عيون اضافيه في رأسك من الخلف, كيف تمسك بي هكذا دومًا .
-انت ابني , حتى لو بقيت صامتًا , قلبي يخبرني بوجودك , ينبعث شعور جيد في قلبي , ف اقول لابد ان هناك سبب لذلك , احد ابنائي بجانبي مؤكدًا
=يعني ان هذا ليس شعورًا متعلقًا بي وحسب .
-لا تفعل هذا ايها المكار , انك ابني , اعرف داخلك اكثر منك , انا من شكلتك , اعرفك من صوت نفسك , اعرف داخلك وخارجك وكيف تفكر , ف معرفة انك خلفي ليس شيئًا صعبًا.
ابتسم فارتولو مجددًا , ليقل جلال وهو يمد قطعة من اللحم الى فم ولده وقال بنبره صارمه : ماذا حدث ؟ هل انهيت الامر ؟
ليخرج فارتولو كيس من جيبه وقال : ايعقل الا انهيه ؟
ليضحك جلال قائلًا : ابني الاسد انت ..
اومئ فارتولو بهدوءه المعتاد ليقل جلال : تعال لنأكل ونكمل حديثنا , اليوم مهم جدًا , يجب ان نتوخى الحذر , ذلك المدير لن يتركنا وشأننا
-وذلك عندي ايضًا لا تقلق .
=لا اقلق طالما انك هنا ..
ابتسم فارتولو وقبل ان يجيب ابيه علت اصوات الضجيج انحاء المكان , ليهرعوا كلاهم الى الخارج , ليجدوا عناصر الشرطة ملئت المكان ليقل جلال : ماذا يحدث هنا ؟
ليدخل مارت بتباهي واخرج هويته وقال : الشرطه .
-ماذا هناك يا بني ؟
=انا لست ابنك هذا اولًا , ثانيًا , يوجد امر تفتيش ..
-هذا مكان محترم , ما الذي قد تجده هنا ..
ليضحك مارت بسخريه وقال : يا بائع الكباب , انك مضحك جدًا , عن اي احترام تتحدث ؟ انت فقط لا دليل يدينك والا مكانك السجن ..
ليقل فارتولو بنبره يسيطر عليها غضبه ولكنه يتمالكه بطريقة ما ويخفيه تحت هدوءه : تحدث بشكل صحيح ايها المفوض الوسيم , انك لا تدرك من امامك .
-لن تخبرني انت كيف يجب علي ان اتحدث غالبًا يا ابن بائع الكباب ..
ليقل جلال : صدقني لن تجد شيئًا هنا يا بني
=لنعيش ونرى
وما هي الا دقائق حتى تجمع رجال الشرطه حول مارت , ليعطي احدهم مغلفا صغيرًا ل مارت وقال : وجدنا هذا يا سيدي ..
فتحه مارت وقال ساخرًا : اوه , ايعقل هذا ؟ كيف تجد حبوب مخدره في مكان محترم كهذا يا بني ..
سحب جلال انفاسه غاضبًا , ورفع مارت الاصفاد ناويًا تكبيل جلال , ليتقدم فارتولو مسرعًا امام جلال مانعًا مارت من التقدم , ليقل مارت : ابتعدك والا اخذتك معه , لن تستطيع حمايته لأقل لك ..
ليبتسم فارتولو وقال : لن تستطيع مس شعره منه بوجودي , وانت تعلم ذلك , ما الدليل ان ما في الكيس له ؟
=انه مطعمه وبمكتبه , الا يكفي هذا .
-ولكنك لم تدرس درسك جيدًا ايها المفوض الوسيم , المكان هذا لي , اي لدى الدولة اي عندكم , هذا المكان مسجل ب اسمي , ف ان وجب ان يحمل احد مسؤولية ما وجدتموه ف هو انا ..
ليقل جلال بغضب : بني ..
ليقاطعه فارتولو قائلًا حين مد يديه: ان وجب عليك اخذ احد ايها المفوض ... ف خذني .
ليضحك مارت وقال : لا فرق لدي , الاب او ابنه , كلاكما نفس الطينه , ومن ثم وضع الاصفاد حول يد  فارتولو وقال بتباهي لجلال :لا تقلق , سألم شملكم قريبًا , والتف ساحبًا فارتولو من يده وجره نحو سيارة الشرطه , متوجهًا به نحو القسم ..
وما ان وصلوا , حتى سلمه للأولاد وقال : لغرفة التحقيق فورًا , سأتي بعد قليل .
اخذه عناصر الشرطه بينما توجه مارت لمديره فرحًا : تم تغليف ابن بائع الكباب يا مديري ..
ليقف يوسف عن كرسيه وقال : كيف ذلك ؟ ماذا فعلت يا مارت ؟
=لم افعل شيء يا مديري , اخذت اذن تفتيش , وطلبت من احد الاولاد ان يلقوا بكيس به قليلٌ من الحبوب المخدره , ولأن المكان مسجل ب اسم ابنه , ف تم القاء القبض عليه , وهكذا سحبنا من تحت يد بائع الكباب احد العكازات التي يرتكز عليها .
-ماذا فعلت انت يا مارت , ماذا لو علم ب امرك ؟ هل تعلم عقوبة ما فعلته ؟ ومن ثم جلال يعرف جيدًا كيفية المضي قدمًا حتى لو اخذت قدماه لا عكازتيه , وهذا تلاعب واضح بالقانون وانا لا ارضى به
=وانا حاولت فعل شيء يا مديري , انت من اخبرتني بضرورة ابعاد ابنه عنه , وقد ابعدته ..
-لا اقول ما لم تفعله ليس جيدًا , ولكن اني اقلق ان يمسك اذى ان اكتشف جلال ذلك ..
=لا تقلق من اجلي يا مديري , حتى لو اكتشف ذلك , على الاقل نكون ابطلنا صفقته الليله , وما بعد ذلك غير مهم .
اومئ يوسف ليقل مارت : سأذهب للتحقيق معه .
............
وخلف تلك البسطة في سوق الخضار الذي يتوسط الحفرة , يجلس رجلًا بنهاية العقد السادس من عمره , بشارب كثيف تتخلله الشعيرات البيضاء , وقد هرم من ثقل همومه , الا انه وبطريقة ما استطاع الى هذه اللحظه البقاء صامدًا ..
وبذات الهدوء الذي يتخلله , كان يقطع الجزء المتعفن من الفاكهه التي امامه , ومن ثم جمعها ب حقيبة بلاستيكة واشار لولده قائلًا : كهرمان , خذ هذه الفاكهه الى المنزل , ووزعوا ما تبقى من البضاعه على الناس.. انا ٍسأمر للمقهى اولًا قبل ان اذهب للمنزل .
اومئ كهرمان قائلًا : امرك يا ابي ..
خلع ادريس مأزره وتوجه بذات هيبته وشموخه بين الباعه والمشتريين ليتجمهر الكل نحوه واديين تقبيل يده , ليسلم عليهم بهدوءه المعتاد ثم اكمل طريقه , لتقل امرأه لجارتها على قارعة الطريق : ليحفظه الله لنا , رجل مثل الجبل , رغم مصابه , الا انه لم يتركنا خلفه , واستطاع البقاء صامدًا ..
=انه الاب ادريس , لا يترك احد خلفه ,ولكن ما اصاب زوجته الام سلطان يحزنني , هل تتذكين كيف كانت امرآه على قدر من القوة ..
-يقولون فقدت المرآه عقلها .
= لا تتفوهي بالحماقات لا يسمعك احد , هل سلطان امرأة تفقد عقلها ؟
- لم تخرج الينا منذ اكثر من 20 عام
=وهل ما اصابها قليل , بالطبع ستعتزل الناس هناك همها من جهه و اثمها من جهة اخرى .
............
اما بالمغفر دخل مارت الى غرفة التحقيق , وازاح الكرسي بيده وجلس ساخرًا من الذي امامه كل هذا تحت انظار فارتولو الهادئه , ليأخذ مارت انفاسه الى جوفه وقال : ما هذه الراحه فارتولو ؟ لو كنت مكانك لخفت قليلًا , برأيي يجب ان تخاف .
-ولكنك لست مكاني يا حضرة المفوض , انا لا اخاف .
ابتسم مارت وقال : من اين كل هذه الثقه فارتولو ؟ لديك تهمه كفيله بسجنك 5 سنوات على الاقل .
= ليس شيئًا مهمًا .. انها خمس سنوات نهاية الأمر , تنتهي , لن يفوتني شيئًا مهمًا .
-يعجبني غرورك لأقل لك ..
-حتى اعدائي معجبين بي , اعلم ذلك .
ليستفز بروده مارت , ليضرب الطاوله بيديه بغضب وقال : هل تتاجر بتلك السموم ؟
-ارفض الحديث دون وجود محامي
=بمحامي او بدون , انت اعترفت بتهمتك يا ابن بائع الكباب
-لن اعلمك عملك يا حضرة المفوض , ارفض الحديث دون محامي ..
ليتنهد مارت , بينما قال احد رجال الشرطه : محاميه ينتظر بالخارج يا سيدي , ليشير مارت بدخوله , ودخل الاخر وجلس بجانب فارتولو ليقل مارت: لقد اعترفت ان الحبوب لك
ليجبه المحامي : موكلي لم يعترف , اخبرك فقط ان المكان يعود له , حين اردت اخذ اباه ..
=وقانونيًا هو المتهم الاول
-والمتهم بريء حتى تثبت ادانته , هذا مطعم يدخله الكثير والكثير , ربما لأحد الزبائن , او حتى العاملين به , لا يمكنك اسناد تهمه لموكلي دون دليل فقط لأنه يملك المكان ..
اشتاط مارت غضبًا وقال : وموكلك ليس نظيفًا جدًا غالبًا , اسمه علم في تلك الاعمال ..
=انك تخلط الزيت بالماء ,وتسند تهم اخرى لموكلي دون ادله ,هذا محض افتراء , وطالما لا دليل لديك يا حضرة المفوض , اطالب ب اخلاء سبيل موكلي لعدم توافر الادله الكافيه .
ليضحك مارت وقال : **** على عملكم يا هذا ، ثم اشار لرجاله قائلًا : يحجز ادرايًا  24 ساعه على ذمة التحقيق مع احتمالية التمديد, واريد تحليل دم له .. اما انت ايها المحامي نهارك سعيد , انتهى عملك هنا .. هذه ضرورات امنيه .
ليلتف المحامي نحو فارتولو وقال : لا تقلق , حتى الغد سينتهي كل شيء
ليقل مارت : لنرى يا عزيزي ، هيا الى عملك
ليخرج المحامي بينما قال مارت لفارتولو بتذمر : حتى محاميك متغطرس مثلك .
ليبتسم فارتولو بخبث وقال : انك تعلم انك لن تحرز شيئًا في هذه ال24 ساعه, وتعلم جيدًا ان سبيلي سيتم اخلائه ..
=يعني تعلم انني ابعدك عن عمل مهم لك .
ليجحظ فارتولو عيناه بخبث وقال : اي عمل يا حضرة المفوض ؟ انا انهيت كل اعمالي قبل ان آتي .
ناظره مارت بعدم فهم ليبتسم فارتولو وقال :ولكن .. ليكن المهجع مريحًا .
نهض مارت من مكانه وقال : افعلوا ما اخبرتكم به , وها اجعلوه مريحًا للسيد .
وخرج من هناك غاضبًا وتوجه مجددًا نحو مديره مخبرًا اياه بما حدث وانهى كلامه قائلًا : اخبرني انه انهى جميع اعماله قبل مجيئه ..
ليقل يوسف بغضب بعدما رمى ما امامه ارضًا  : وهذا يعني ان كنت اعرف جلال ولو قليلًا : ف يعني ان الصفقه واجتماعه تم , وانه يعلم بوجود رجالنا بجانبه , وتحرك دون علم احد .
تنهد مارت غاضبًا هو الاخر ولكنه حاول تمالك اعصابه وقال : مع من نتعامل نحن يا صديق ! كيف يحدث شيئ كهذا , الم نخبر رجالنا الا يفارقوهم ابدًا .
= اخبرتك , جلال كان قويًا , واصبح اقوى بوجود ابنه , ذلك الفتى ماكر اكثر من ابيه .
-ماذا سأفعل به الان ؟ لقد مددت سجنه 24 ساعه على امل ان لا يخرج الليله , ونستطيع الامساك ب جلال
هدأ يوسف قليلا ثم قال : دعه هذه الليله وصباحا اخلي سبيله , خاصة انك تحايلت على القانون , لا اريد  ان يمسك ضرر يا بني .
اومئ مارت وقال : لا تقلق يا مديري , ومع ذلك , سأرسل رجالا اخرون ليراقبون تحركات جلال الليله , ولو انه لا يوجد داعي ولكن تحسبا .
......
اما في تلك الزنزانه التي نقل اليها فارتولو , ف خلع سترته بهدوء وطواها , ومن ثم جلس مرتكزًا بظهره على الحائط , متأملًا السقف بهدوءه المعتاد ليسمع صوت اجش قطع هدوئه من الزنزانه التي بجانبه قائلًا : يبدو انه اول مره تأتي الى هنا ..
ليلتف فارتولو نحوه ثم ابتسم وقال : لماذا ؟
=يبدو عليك فتًا صالح ..
طالعه فارتولو بريبه واختفت ابتسامته ثم قال : لا تصدق كلما تراه اذًا ..
=ماذا فعلت حتى اتوا بك الى هنا , اراهن انك صدمت احد الاطفال عن طريق الخطأ , لا تقلق , ما ان يتنازل والده ستخرج , اي بحلول الصباح .
-تمام ايها الخبير في امور السجن , ذاتًا بالفعل سأخرج صباحًا , انت لماذا هنا ؟ يبدو انك تخرج وتدخل كثيرا .
=طالما انك لم تخبرني ف لن اخبرك
-ما هذا مثل الاطفال , انك رجل كبير
-قتلت احدهم , ولكن لا دليل لا تقلق
=لا اقلق ذاتًا , هل انت ابن عمتي حتى اقلق عليك ؟
-فظ جدًا .
=اخبروني بذلك سابقًا .
-هل تعلم , كل من يراني يخبرني انني فظ , ولكن حقًا لقد تجاوزتني ايها الشاب .
اومئ فارتولو بملل وعاد ب انظاره نحو الأعلي , ليقل الرجل : لم تخبرني بتهمتك ؟
-مخدرات
=عديم شرف , هل تأخذ هذه السموم يا هذا ؟
-انك هنا بتهمة قتل احدهم لأذكرك !
=ذلك يستحق , قتلته لأنه يستحق ..
ليهدأ فارتولو ثم قال : ماذا فعل لك ؟
-تلاعب بي ب امر لا مجال للمزاح فيه , اني احترق وهو يتلاعب ..
=هل هذا اول شخص تقتله ؟
-هل ارسلوك الي من الخارج , ليحصلوا على دليل ؟
ابتسم فارتولو ف اكمل الرجل : ليس اول شخص , ولن يكون الاخير ..
=لماذا ؟
-لأنها ببساطه هذه حياتي , لا اعرف طريقًا اخرى
=لما يقتل المرء ؟
-ربما لغضب اعمى عيناه , او حقد عجز عن اخراجه ف سيطر عليه , هل قتلت احد بحياتك ؟ اشك بذلك ! وجهك يخبرني انك لا تستطيع قتل حشره حتى
ابتسم فارتولو وقال : من يعلم ؟ اخبرتك لا تصدق كل ما تراه
-لكنني ارى ذلك بك ، ظني لا يخيب .
ليضحك فارتولو قليلًا ثم قال : ليلة سعيده ايها الخبير ومن ثم مد بجسده على المقعد وبقي يتأمل الحائط بعيناه مرددًا كلام الرجل غريب الاطوار في رأسه حتى غفى ..
في صباح اليوم التالي ، حيث فتح فارتولو عيناه على صوت الشرطي الذي ينادي ب إسمه ، ف نهض وعدّل من جلسته ليكمل الشرطي قائلًا : هيا ، تم إخلاء سبيلك .
اومئ فارتولو ونهض من مكانه منتشلًا سترته ، ليوقفه صوت الرجل غريب الاطوار قائلًا : ايها الفتى ، حمدًا لله على سلامتك .
اومئ فارتولو برأسه قائلًا : العقبى لك .
اومئ الرجل مبستمًا وما ان ادار فارتولو رأسه يود الذهاب ، حتى اوقفه مجددًا قائلًا : ولكن لم نتعرف .
-هل تتعرف على جميع من يأتي هنا ؟
=تمام استسلم ، انت الرجل الاكثر فظاظه في العالم ، فقط بدوت لي فتًا جيدًا وودت التعرف عليك ، ولكن انت ادرى .
ابتسم فارتولو بخفه على غير عادته ومن ثم اقترب من باب الزنزانه وقال : يدعونني فارتولو ، فارتولو سعد الدين ..
مد الرجل يده من خلف الزنزانه ليصافحه ليناظره فارتولو بغرابه ليصر الرجل قائلًا :لا تقلق لن اكلك .
ليمد فارتولو يده وصافحه املًا ان ينتهي ويذهب ب اسرع وقت ، ليكمل الرجل: تشرفت بمعرفتك يا فارتولو ، وانا يدعونني جومالي .. جومالي كوشوفالي . 
تمامًا لم يستوعب ما حصل او ما سمعت اذنيه ، ظن نفسه لوهله في حلم ، او بوصف ادق كابوس ، هذا ما يصف به ماضيه ، ولكن لا صحوان بعده .. حدث سيعيشه رغمًا عنه ، شاء ام آبى ..
تجمد ب ارضه مثل تمثال شمعي ، خاليًا من اي ردة فعل خارجيه بينما يحترق من داخله ، وحرفيًا لقد نسيَّ كيف يكون هذا الشعور ، او تناساه .. شعر بجلده ثقيل عليه وتفوح منه تلك الرائحه النتنه التي هرب منها دومًا ، ود لو يقتلع جسده ويهرب .
نزفت عينه وارتجفت كل حواسه وسط انظار جومالي الحائرة من ردة فعل من امامه ، وسرعان ما سحب يده بعنف وتوجه خارج الزنزانه دون ان ينبس ببنت شفه تاركًا مئات الاسئله تجول في عقل جومالي ، وضعفها مئات المرات في عقله وقلبه ..
وما ان خرج من الباب حتى طلب من احدى الضباط اخذه لدورة المياه ، وحين وصل اغلق على نفسه مسرعًا وبدى كمن يختنق ب انفاسه ، رش على وجهه الماء عدة مرات علّه يصحو وعلّ هذا الغباش يزول من امامه ولكنه شعر للحظه انه يحتضر ..
دار حول نفسه وضرب على صدره مرات عديده حتى اختلف لونه واختل توازنه وجثى على قدميه ارضًا ساندًا ظهره للحائط مستذكرًا كل ما هرب منه ، وذلك الاسم يتردد داخل اذنه مثل عذاب ديناميكي بشكل يقتله .
..
وبعد مده قليله ، حيث امام مكتب المدير يوسف ، خرج فارتولو من هناك ليجد جلال ب انتظاره بعيون مليئه بالفخر والفرح وسرعان ما قال : اهلًا يا بني ..
ولم يغب عن نظر جلال وجه فارتولو الشاحب ، ليسأله بقلق : ما بك يا بني ؟ هل انت متعب ؟
نفى فارتولو بهدوء وقال : لم انم جيدًا وحسب ، انا بخير ..
اومئ جلال وقال : هيا اذًا لنذهب للمنزل وترتاح قليلًا .
تبع فارتولو جلال ورجاله ، بينما جاء مارت نحو مديره وقال : انظر كيف يتفاخر ..
ليجبه المدير بغضب : لقد علم ب امرك واحضر تسجيلًا لأحدى ضباطك وهو يضع الحبوب ويعاود انتشالها ، لقد وقعت في قبضة ذلك الرجل واضطررت دون اي مسائلة حتى ان اخلي سبيل ابنه حتى لا تتعرض لخطر.
طئطئ مارت رأسه بحزن ليقل يوسف : لا تحزن نفسك ، انا لا اقول ذلك كيف الومك يا بني ، انا فقط احاول ان اريك مدى قذارة هذا الرجل والى احد هو مكّار ويستطيع الوصول الى شيء بنفوذه ..
ليرفع مارت عيناه بتحدٍ ثم قال : لا بد ان يقع يوم يا مديري ، لا تقلق ..
.......
في نهاية اليوم ، في ليلة هادئه تحت السماء الصافيه ، حيث دقت الساعه بعد منتصف الليل ولا صوت يعلو على صوت صرير الليل ..
على سطح احد المباني العاليه ، يقف هناك يناظر المكان امامه وتضرب نسمات الهواء البارده وجهه وتتطاير على اثرها خصلات شعره المنسابه على جبينه ..
ليبتسم بخفه حين سمع دبة خطوات احدهم من خلفه ليلتف بفرح قائلًا : اهلًا بك
ليجبه الآخر ب ابتسامته العريضه : أهلا بك آبي

سَرْمَديّحيث تعيش القصص. اكتشف الآن