Part 4
-اهلًا بعزيزتي الطبيبة المعتوهه .
نطق بها فارتولو بنبرة اثبتت لمن امامه , عن مدى جنون المريض الذي امامها , هي التي ابتلعت قلبها خوفًا , وتساقط الرعب من عيناها الى جانب دموعها , لتقل : ماذا تفعل ؟ لمّا احضرتني الى هنا ؟
-لنتبادل اطراف الحديث ؟ لست الوحيده التي يحق لك تبادل الحديث مع الاخرين على اي حال !
=انت من اتيت الي ! انا فقط قمت بعملي .
-جميع من في تلك العياده اللعينه , يعلمون ما عليهم فعله حين آتي , ولكن انت .. تجاوزتي حدك .
= هل حدّي الذي تجاوزته هو الحديث معك !
-حدك الذي تجاوزتيه هو البقاء على قيد الحياه بعد حديثك معي !
طالعته ملك بذات الخوف بينما جلس هو امامها و وبدأ يملئ بيت رصاص سلاحه بخفه ثم قال : ستبدأين الان بالتعرق , ليرفع نظراته نحوها وابتسم بخفه ثم اكمل : حتى انك بدأت .
ثم سيرتفع مستوى الادرينالين في جسدك , ثم سيزيد معدل نفسك , قد تأحذين شهيقا , وتتبعيه بشهيقا اخر , دون اخراج اي زفير, ستزداد معدل ضربات قلبك , تصبح عضلات جسدك مشدوده اكثر حتى تصابين بالقشعريره , وترتجفين لا اراديًا ..
ثم رفع نظره اليها ليجدها ترتعش من شدة خوفها , ف ابتسم بخفه مجددًا , وكأنه فخور في وصف حال ضحاياه الى حد التباهي, ومن ثم اعاد نظره الى سلاحه وقال : ستصوبين نظراتك المرتجفه تلك , الى ما بين يداي , اكثر من انصاتك لحديثي , لأن جل ما قد تفكرين به الان , اي لحظة سيطلق ؟ هل هي نهايتي ؟ تدركين تماما ان ما تبقى من عمرك مرهون برفعي ليدي , وضغطي على الزناد .
رفعت ملك نظرها من سلاحه الى وجهه ليكمل الأخر : الموت ليس شيئًا سيئًا على اي حال , اني اسدي لك خدمه , لا داعي لشكري عليها .
=هل سأشكرك لأنك تود قتلي يا هذا ؟
-سأفعل لك ما قد عجزت عن فعله لنفسي .. لقد حاولت كثيرًا ولكن ماذا افعل ؟ الموت لا يريدني , هل تعلمين ؟ حقًا الامر ليس مؤلما الى ذلك السوء ..
ثم مد معصمه امامها ورفع قميصه لتظهر علامات جروح سابقه تدل على قطعه لمعصمه , وكان من الواضح انها تعود لأكثر من محاوله ووسط نظراتها قال هو : يشعر المرء ب الم بسيط بالبدايه حين يغرز السكين في يده .. او للحقيقه , هو الم لا يحتمل , ولكنه ..
لتقاطعه الطبيبه قائله : الالم الذي داخل صدرك , يفوق الم غرز هذه السكينه .
ناظرها فارتولو قليلًا ثم اغمض عيناه محاولًا عدم الانصات لها : وهناك طرق غير مؤذيه , مثل جرعه زائده , يعني في اسوأ الأحوال رصاصه تحطم عظام صدرك , ولكن بعد ثوانٍ معدوده , تشعرين بالبرد يغزو اطرافك , وكأن شيئًا يخرج من جلدك , تنسين الم جرحك , وتصبين تركيزك على شيء يعلق في بلعومك يخنقك , ولكنّه يذهب هو ايضًا .. تهدئ الأصوات من حولك ولا تسمعين سوى صوت نفسك او حشرجتك بوصف ادق .. ثم ينتهي هذا ايضًا , انها عمليه بسيطه تنتهي ب اقل من خمس دقائق
=ما الذي عشته حتى جعلك هكذا ؟ اي الم نهش بك حتى جعلك تظن ان الموت راحه لك .
ليقل فارتولو : انا فقط من يطرح الاسئله هنا !
-لما لم تستطع الموت ؟
ليصرخ بها فارتولو : اخبرتك , انا فقط من يطرح الاسئله هنا .
-اي الم عصف بك حتى جئت صباحًا فاقدًا لنفسك ؟
لينقض فارتولو عليها هي المقيده امامه وشد على عنقها وقال بذات الغضب : انا - فقط – من – يحق – له- الحديث – هنا .
لتجبه وسط اختناقها : هل سلبوا حقك بالحديث !
ليبتعد فارتولو للخلف حيث لم يجادله اي من ضحاياه قبل ذلك ف ضحك بهستيريه ثم قال : لن تمارسي ال** الذي تعلمتيه علي هل فهمتني يا هذه .
-لا امارس اي شيء تعلمته , بما انني قد اموت في كل الاحوال , شاركني المك , فرغ ما في جوفك , لا يذهب موتي عبثًا , على الأقل تكون تحدثت بشكل جيد .. هذا ما اخبرته به ملك , علها تكسب بعض الوقت لتنقذ نفسها , او على الاقل تستطيع التأثير به .
ناظرها فارتولو لتقل بهدوء يناقض خوفها : هل حاولت كثيرًا قتل نفسك ؟
=ليس كثيرًا , مرات معدوده , حوالي 22 مرة
-ولما توقفت ؟
=لم اكن واعيًا حينها .
-وهل حين عدت لوعيك ادركت انه ما فعلته خطأ .
=لم اكن واعيًا حين قبلت التوقف عن محاولة قتلي .
ناظرته ملك بريبه : وكيف قبلت ؟
=لقد ظنوا اني مجنون , وتم ابقائي قسرًا داخل مصحة للمجانين .
-هل ساعدك العلاج حينها لتوقفك ؟
=لقد حاولت قتل نفسي داخل المصحه 22 مرة , في كل مرة يلحق بي احدهم .
-وماذا حدث بعد ذلك ؟
=كانوا قد منعوا عني الزياره من الجميع , حتى جاء اخي الاصغر , وطلب مني عدم فعل ذلك ان كنت احبه .
-هل رضيت ب الم دفعك لقتل نفسك 22 مرة فقط لأن اخاك طلب منك الا تفعل ؟
=ان طلب روحي يأخذها .
-وما حدث بعد ذلك ..
=اصبحت بخير , وتم اخراجي من هناك , ولكنني عدت .. عدت وقتلت كل من حاول انقاذي حينها .
صعقت ملك من حديثه وقالت : هل قتلت الاطباء يا هذا !
=ششش لا ترفعين صوتك .
-لقد قاموا بعملهم .
=وانت قمتي بعملك , ولكن لم يطلب منكم احد ! انا لا استطيع الموت الأن , لا استطيع قتل نفسي , لقد وعدت اخي , ولكن استطيع قتل كل من يتسبب لي ب الم حتى لو ذرة .
-لما فقدت عقلك ؟
شعر فارتولو حينها بحراره غزت رأسه ف اغمض عيناه متألما ثم فتحهما وقال : انتهى وقتك اذا ايها الطبيبه .
لتصرخ به ملك قائله : لا يمكنك قتلي , لا يمكنك قتل اي احد , من اعطاك الحق يا هذا ؟ من انت !
ليرفع فارتولو سلاحه وقال دون النظر اليها : كما قلت انتهى وقتك ايها الطبيبه , الى اللقاء .
وقبل ان يوجهه سلاحه نحوها , هي التي بالوقت الذي كسبته استطاعت فك قيدها ,وحملت حجرًا ورمته نحوه, لتشق صدغه , وركضت تود الهرب .
تساقطت دمائه من فوق عينه , ليتلمسها وضحك , ورفع نظره نحوها هي التي تفر هاربه , ليطلق نحو قدمها , ف سقطت ارضًا .. بالواقع لم تصبها الرصاصه , ولكن لجودة تصويبه جعلها تخدشها , ووتقدم نحوها هي التي علقت انفاسها في حلقها , وظنت لوهله انه لو تركت نفسها للموت اهون من ما قد يصيبها الان .. بينما امسك فارتولو بشعرها من الخلف ليجعلها تنظر اليه وقال وهو يناظرها : لقد زادت اسبابي لقتلك , اخبرتك انا لا اسامح ..
بينما علت هي شهقات بكاؤها كان قد امسك معصمها وجرها الى مكانهم واعادها لكرسيها , و وجه السلاح نحوها وقال : هل لديك شيء اخير لتقوليه ..
ناظرته بخوف ليقل هو بلا مبالاه : ليبقى داخلك , لا يهمني
اغمضت عيناها متهيأه لأجلها وما ان اراد هو الضغط على الزناد حتى صرخ به صوت من بعيد قائلًا : آبي !!!
***فلاش باك ****
انفجارات تتوالى على مسامع المدينه ب اكملها لا الحي فقط , ونار لا بداية لها ولا نهايه التهمت الحي , وكان هذا ترحيبًا صغيرًا من فارتولو , وذرة من غضبه , ووسط انشغال اب الحي واولاده بمعالجة ما قد يحدث , كان قد طلب مارت من فريقه التحقق من الموضوع وغادر هو الحي مسرعًا حين رأى ظل اخيه مبتعدًا , وتبعه من مكان الى اخر , حتى رآه يختطف الطبيبة من منزلها ليلًا دون ان يشعر به انس , فلحق به علّه يفهم ما قد ينوي فعله .
***انتهاء الفلاش باك***
التف فارتولو الى الصوت , بينما اختنقت ملك ب انفاسها , ليتقدم مارت وقال بخوف : لا يمكنك ان تفعل .
اغمض فارتولو عيناه بغضب ثم قال : ماذا تفعل هنا ؟
-لن تفعل ما تنوي فعله .
=ماذا تفعل هنا !
-لم تفعل الفتاه شيئًا , قامت بعملها فقط .
ليصرخ به فارتولو : عد الى السيارة يا هذا !
-لن اعود , لن اتحرك من مكاني ان لم تفعل ما اقوله .
ليضحك فارتولو بخفه ورفع سلاحه قائلًا : سأفعل , سأفعل وعينك ترى , لم يوقفني احدًا عن امر عزمت على فعله سابقًا وانت تعلم , وتعلم انني استطيع قنص رأسها برصاصه تمر من جانبك على بعد مليمترات .
ليقترب مارت من ملك ووقف امامها تماما وقال محاولًا تهدئة من امامه : آبي ارجوك .
-لقد تجاوزت حدها يا هذا !
=الم تخبرني انك ستراجع طبيبًا جديدًا , بما انها قد بدأت دعها تكمل !
لتصرخ ملك بخوف من خلف مارت : لا اقبل , انه مجنون .
ليضحك فارتولو بغضب بينما التف مارت نحوها وصرخ بها : اصمتِ انت .
ليقل فارتولو : حتى هي تدرك ان الموت ارحم من التعامل معي , ومن ثم شد على نبرته بغضب وقال :لذلك ستذهب الآن الى السيارة وستنتظرني ريثما انهي عملي وسأتي .
اغمض مارت عيناه غاضبًا وهو ايضًا له قدرة معينه على التحمل ليقل مواجه غضب اخيه بغضب اكبر : ان ذهبت من هنا ل *** ! ان اردت قتلها ستتطلق علي اولًا .
جحظ فارتولو عيناه مصدومًا من وقع حديث اخيه , وارتجفت يده , وحاول تخبئة الالم الذي غزى رأسه تحت ابتسامه واضح في طياتها الغضب ومن ثم التف ومسد ب سبابتيه صدغه الذي شعر لوهله وجوبية طرق رأسه ب اي جدار امامه حتى يتفتت عل المه يهدأ , ومن ثم عاد وناظر اخيه بعيناه التي غزاها اللون الاحمر من شدة ضغط ما يعيشه وقال : لن تفعلوا هذا بي , لن تفعلوا ! هل سمعتني يا هذا .
انا افعل ما اريده , انا اقتل كل من تجرؤ له نفسه ان يتجاوز حده معي , لن يملي علي احد ما افعل , ومن ثم ضغط على رأسه وقال رغم صعوبة نطقه : انا افعل ما اريده انا , انهي كل من يتجاوز حده معي .
لانت ملامح مارت على حال اخيه , ليقترب منه بحزن محاولًا تهدئته , وامسك بكلا رسغيه , الا ان فارتولو سحب يداه وعاد بخطواته للخلف تحت سيطرة المه , ومارت بعناده هو ايضًا عزم على تهدئة اخيه حتى لو رفض الاخر , ليهم نحوه معانقًا اياه , وحاول فارتولو الابتعاد مجددًا الا ان مارت شد على عناقه , وربت على ظهره وهو يقول : تمام , اعلم , اعلم , اعلم كل هذا .. ولكن انت وعدتني , انك ستعاقب من يخطئ فقط , هي لم تخطئ , قد يكون ما فعلته خطأ بالنسبة لك , ولكن لو نظرت من بعيد .. ف هي حاولت مساعدتك .
هدأ فارتولو قليلًا واستطاع مارت سحب غضبه ليبتعد عن اخيه بخفه وقال : لم ترفض لي شيئًا من قبل , ارجوك لا تفعل هذه المره ايضًا..وبما انك قد تحدثت اليها قليلا , لتكمل عملها ..
=ان اخطئت مرة اخرى لن تقف امامي هل سمعت !
اومئ مارت وسحب فارتولو يده بغضب من بين يدي اخيه وتوجه نحو السيارة والغضب يعتريه , ليتقدم مارت نحو ملاك وانحنى على ركبتيه امامها , ومن ثم فك قيدها , لتقل : لم اقبل يا هذا , كيف ستجعلني طبيبة نفسية لشخص كاد يقتلني !
=ان لم تفعلي كنت ستموتين !
لتجبه ملك بهلع : نحن في دولة قانون , سأبلغ الشرطه .
ليضحك مارت بغضب وقال : هل تظنين انه يأبه لأمر شرطة وما شابه , ستصمتين وتبدأين ب امر العلاج ..
-هل هذا تهديدًا .
ليتنهد مارت وقال : انظري افهم الخوف الذي تعيشينه , ولكن هو حقًا ليس شخصًا كهذا , عاش اشياء سيئه جعلت منه من امامك , شخص متخبط , غاضب , مثل لوح جليد , لا يشعر .. وانت طبيبة ,لقد اقسمت على مساعدة كل من يلجئ اليك , ربما يكون خلاص هذا الالم على يدك .
ناظرته ملك التي لم تتوقف دموعها خوفًا من فرط ما عاشته , ف بعد كل شيء , ليست معتاده على كل هذا وشعر مارت بما تعيشيه , ليربت على كتفها وقال : انظري افهم ما تعيشينه , وأعلم انه فظ الى درجة لا تطاق احيانًا , ولكن ارجوك , لندع الليله تنتهي وغدًا نتكلم , ومن ثم هو لا يحب امور العلاج وما شابه .. فقط قلت هذا كي يهدأ , لن يأتي اليك , اعتبري ان ما عشتيه الليله هو حالة لمريض نفسي , كان من الممكن ان يؤذيك حتى في مقر عملك .
صمتت ملك بينما نهض مارت ومد يده لها , وبعد تفكير دام لثوان , مدت الاخرى يدها , وقد تألمت من الرصاصه التي احدثت جرحًا , ليقل مارت بقلق : هل اخذك الى الطبيب ؟
-فقط اريد الذهاب الى منزلي .
سندها مارت وتوجه بها نحو السيارة , حيث وجد اخيه ينتظره هناك , ليجلسها بالخلف , وتوجه نحوه هو الذي يجلس في مكان السائق ليقل مارت : دعني اقود بدلًا عنك .
ليجحره فارتولو بنظراته ليتنهد الاخر وتوجه للمقعد الذي بجانبه وهو يشتم عناده , وما ان جلس مارت ليقل فارتولو بغضب : لم تدعني اقتلها وتريد ان اوصلها لمنزلها !
-انت من احضرتها الى هنا , كيف ستعود الفتاه !
ليضرب فارتولو المقود بغضب وقد كان واضحًا تلف اعصابه وصرخ : ما شأني يا هذا ! ما شأني .
ليتنهد مارت وقال : ابي تمام انت على حق ولكن لن اتركها هنا , اذ اردت لنذهب بسيارتي انا وهي ..
ليحرك فارتولو سيارته بغضب وسط انظار مارت الذي يجلس تماما وهو مدرك ان من بجانبه عباره عن قنبله موقوته قد تنفجر في اي لحظة .
وما ان وصلوا منزلها , هم مارت ليساعد ملك , بينما اغلق عليه فارتولو الباب , ونزل هو وفتح الباب , وشد ملك من معصمها رغم خوفها وتركها على باب المنزل الخارجي وقال : تشرفنا ايها الطبيبه ,وتركها خلفه وعاد الى سيارته وتحرك , ليقل مارت : الفتاه تنزف لو عالجناها .
-هل هي عمتي , ما شأني !
=انت من اصبتها لأقل لك .
-متى ستتوقف عن التدخل ب اعمالي!
=هل اعمالك هي قتل طبيبة مسكينه فقط حاولت مساعدتك .
تنهد فارتولو بغضب وصمت بينما اكمل نحو وجهته , حيث مكان التقائه الدائم هو واخيه بناءًا على طلب مارت ..
لينزل مارت وقال : الن تأتي انت .
-لن آتي !
=آبي يا , تمام ما هذا الزعل الطفولي ,لتأتي قليلًا ..
وحين لم يجد ردًا من اخيه توجه نحوه وفتح بابه وشده من يده وقال : لما سأتي هنا بدونك , هيا لتأتي لنتحدث قليلًا .
تبع فارتولو اخيه قائلًا بذات الغضب : لنتحدث , ذاتًا هناك الكثير لنتحدث به .
.........................
اما في حي الحفره , حيث بعد يوم عصيب عاشوه , من نار وانفجارات لم تنتهي , راح ضحيتها العديد من المساكين الذين لا شأن لهم ب غضب فارتولو ولا حتى امور الصفقات وما شابه , يجلس اب الحفره في احد اروقة المشفى بعدما اطمئن على الجميع , منتظرًا خروج كهرمان الذي يضمد الطبيب حرق يداه , وما هي الا ثواني حتى جاء جومالي نحو ابيه فزعًا وهو يقول : بابا ! ماذا يحدث .. ذهبت الى الحي وكأن القيامه قامت هناك .
=هل جئت الأن جومالي ؟
-كنت خارج المدينه يا ابي , لم يخبرني احدًا ..
=هلا نظرت الى هاتفك اذا ؟
-تمام باب اعتذر , لم ارى هاتفي , ولكن رجاءًا هل لك ان تخبرني بما حدث ؟
لينهض ادريس من مكانه وقال بتعب يملئ صوته : لأخبرك اذا جومالي , جاء احد الرجال الذي نود العمل معه , عرض صفقة وانا رفضتها , بعد 5 ثوان من رفضي , قام بحرق الحفره , لا يوجد منزل واحد لم تصله النار ! وكل المباني التي على اسوار الحي .. ساواها بالارض , الحمدلله اخاك بالداخل اصيب بحروق طفيفه , ولكن معظم اهالي الحي اصيبوا , منهم بحروق طفيفة ومنهم بحروق بالغه .. هناك 8 وفيات من شبابنا جراء الانفجارات التي حدثت على الاسوار ..
ومن ثم صرخ بولده قائلًا : هل تم جومالي , هل علمت ما حدث !
امتعض جومالي غاضبًا وقال : من هذا الرجل ؟
=هذا ما يهمك ذاتًا ! وكأنني لم افكر ب انتقام وما شابه , وكأنني سأترك دم اولاد حيي ارضًا , ولكن اعرف متى الملم جراحي اولًا ومتى انتقم ..
هلا نظرت الي يا هذا ؟ الن ترأف بحالي قليلًا ؟ الن تقول لقد هدموا اعمدة هذا الرجل , لم يبقى لديه احد غيري , لأقف بجانبه ! كهرمان لا يدري على ماذا يلحق ! تقول انك اخ كبير , لتكن له اخ اكبر اولًا , يحمل هم الجميع وامورهم بما فيهم انت ولا يشكو , لتقف بجانبه قليلًا , اخ الحفرة الكبير جومالي كوشوفالي , اين كنت اليوم والنار تلتهم ابناء حيك ؟
ليقل جومالي بغضب حاول كتمه : كنت الحق كي اصلح اخطائكم التي ارتكبتوها قبل اكثر من عشرون عام .
ليسكته ادريس بصفعه حلت على خده , تراجع للخلف على اثرها , بينما رفع جومالي رأسه نحو اخيه : لا اكون هنا لأنني لا اريد , لأن لدي اخوة صغار , لا اعلم ب اي ارض هم , هل ما زالوا على قيد الحياه ؟ هل وجدهم شخص جيد او وقعوا ب ايدي عديمين الخير ..
ياماش , كان بحجم الكف حين فقد من بين يدانا , وكأن الارض شقت وابتلعته , ذلك الطفل الاشقر , الوسيم , اخي الصغير , الذي اخذ من بيننا ولم يكن حديثه مفهوما بعد , اين هو ؟
وصالح ؟ ما يؤلمني انني لا اعرف حتى شكله ! احتفظ بذكرى وجه ياماش بداخلي , ملامح بسيطه , اخاف ان يأتي يوم وانسى تلك الملامح .. ولكن صالح , انا حتى لا اعرف شيء عنه سوى اسمه , كل من صالح وياماش دفعوا ثمن اخطاء لم يرتكبوها .. هل كثيرًا على اطفالك ان يبحث اخاهم عنهم ؟ حين جاء كهرمان وسليم وحتى ياماش , وضعتهم بيدي , وقلت : انت الأخ الأكبر , وحمايتهم واجبك , لا تدع اذى يصيبهم .. اني افعل ما قلته , هل اخطئت الان ؟ ذهب سليم , اعطيته للتراب , بقي ياماش , طفلي .. صالح , رغم ان لا لقاء لنا , ولكن شعوري بالأخوة تجاهه يفوق اي شعور !
اغمض ادريس عيناه ومسح بكلا كفيه على وجهيه ويعلم ان كلام ابنه صحيح ولكن من فرط غضبه لم يعي ما يفعل ليقل : من تتحدث عنهم اولادي .. لم اترك لجئ الي للشارع يومًا , فما بالك اطفالي ؟ لقد مر عشرون عامًا يا جومالي ! لقد اصبحوا بطولك الآن , تدرك ذلك ! لم تعد تبحث عن طفلين , انا لا الومك , انا افتخر بما فعلته , ولكن انا ايضًا بحاجتك , بحاجة لأكبر ابنائي بجانبي , لقد اخذوا مني ثلاثه ! الا يكفي ؟
التف جومالي غاضبًا والدموع تأخذ مكانًا على جفنيه , يعلم الم ابيه المكلوم ب ابنائه ولكن لومه بكل حديث وكأن كل شيء يحدث بسببه اتعبه هو الأخر , تعب من كونه الاخ الاكبر , والابن الأكبر , تعب من كونه ينتمي الى هذه العائله الحزينه , تعب من تكرار الفقد , لينتشل يد ابيه وقبلها وسط دموعه التي تساقطت وقال : اعتبرني غير موجود اذا , انا لا اعود الى هذا الحي , قبل ان اجد اخوتي ,لأنني وبكل بساطه لن اتوقف , دعني اجدهم , وساكون لك بعدها خير ابن ..
وقبل ان يلتف مبتعدًا , امسك ادريس بمعصمه وقال هو الأخر حين تساقطت دموعه : لا تذهب , لا تذهب انت ايضًا , ابقى هنا افعل ما شئت , لن اقول شيئًا , تمام فقط ابقى .
ولم يعتد جومالي ابوه هشًا مكسورًا الى هذا الحد ولكن كان واضحًا ان كأسه قد امتلئ حتى فاض , ليعانق ابيه باكيًا هو الأخر ..
وقاطع هذا العناق خروج كهرمان من الطوارئ , حيث كانت يده اليمنى وجزء من صدره مضمد , ليهم جومالي نحوه وعانقه , ليبتسم كهرمان وتأوه بخفه و ليبتعد جومالي وقد احتوى وجنتيه وقال : اعتذر , اعتذر .. هل انت بخير يا قطعة الأسد ؟
-بخير آبي , لا تقلق مجرد حروق طفيفه .
ليقل ادريس : لنذهب للمنزل , هناك شر لن ينتهي سيصيب الحفره , ومن ثم علينا اخراج جنازات الاولاد .
..............
عودة لسطح المنزل الذي يلتقي فيه الأخوة بعيدًا عن الجميع منذ طفولتهم الى الآن , يجلس فارتولو صامتًا وكأنه ليس هو نفسه الذي كاد ان يحرق الجميع من فرط غضبه قبل قليل ولا يحب مارت صمته على اي حال , ليقل : لن تقول شيئًا ؟
=لن أقول , انت من احضرتني الى هنا كي تتحدث فقل ما لديك .
-الن ننتهي من زعلك الطفولي هذا , تمام افهم انك غاضب مني , ولكن ...
اومئ فارتولو متعجبًا وقاطعه قائلًا : غاضبًا ؟
=انظر اتفهمك ولكنك احيانًا تعطي الأمور اكبر من حجمها !
-وماذا ايضًا ؟
تنهد مارت وقال : لا تتصرف هكذا ..
=كيف تريد مني ان اتصرف ؟
ليصرخ مارت بغضب قائلًا : ااااه , برودك هذا يقتلني .
نهض فارتولو من مكانه وقال : ارى انك لم تعد تتحملني حتى , تذمر دائم .
ابتسم مارت بخفه وقال : ماذا يعني هذا !
ليصرخ به فارتولو : ماذا يعني هذا ؟ تذمرك الدائم مني ومن اعمالي , تنظر الي وكأنك تستعر من كوني اخاك , أعلم , لست شخصًا يفتخر به , حتى انا لا احتمل نفسي ,ولكن هذه النظرات التي تنظر الي فيها في كل مرة تقتلتني .
-انك تهذي الأن , لأقول لك .
=بالطبع انا من اهذي , بعد كل شيء انا من اهذي , ف انا الفظ جدًا وانا الذي لا اطاق , انا اخاك الذي بنصف عقل وقد يفقد ما تبقى , لا تكف عن قولك بكوني شخصًا يحتاج الى العلاج .
-الم تخبرني انت انك تود مراجعة طبيب , انا لذلك ..
= لست مجنونًا واللعنه, لا اريد مراجعة اي احد , حين اغلقتم علي في تلك الغرفه ,,
ومن ثم صمت قليلًا واكمل : انظر بدئ حديثنا يأخذ منحنى اخر , انا سأذهب .
امسك مارت ب يد اخيه مانعًا ذهابه وقال : تمام انتظر , اعتذر , انا فقط من اجلك , انا وبعد كل شيء , هذا الوجوم الذي يخيم عليك , يؤلمني , اريد ان اخبرك انني بجانبك , فقط تحدث , افرغ غضبك , عد اخي الذي اعرفه , ابكي قليلًا , دع هذا الالم الذي بداخلك يأخذ حقه , لا تتصرف وكأن كل شيء بخير , اسمح لتلك الدموع ان تأخذ حقها بالنزول
وعلى عكس توقعات مارت , ناظره فارتولو بتلك النظرة البارده ,وحقيقة ليس وكأن الأمر استخفافًا بما قاله اخيه , ولكن , نفذت منه المشاعرحتى اصبح عاجزًا عن ابداء حزنه الذي يجب في مكانه , اخذوا كل تلك المشاعر ووضعوا بدلا منها الغضب والخوف ..
وتنهد مارت حين عجز للمرة الالف ربما عن محاولة جعل اخيه يلين ليقل فارتولو : نبكي عادةً حين يكون الألم محتملًا .
قوس مارت شفتيه , وهم معانقًا اخاه , هو الذي وقف مثل لوح حجري , لم يبادله ولم يبتعد , بينما قال مارت : فقط لا تفعل هذا .
ربت فارتولو على كتف اخيه بخفه , ليبتعد الأخر وقال : انا لم أقصد اي من ذلك , أنت تعلم , اي تصرف يبدر مني فقط من خوفي عليك .
اومئ فارتولو ليكمل مارت : بغضبك , بتعبك , بحزنك , انا هنا , بكل الاحوال والاوقات هنا , بجانبك , انا لا ارجو منك تغيرًا ولا اطلب ان تكون الأخ المثالي الذي لا يخطئ , لأننا كبرنا ب ارتكاب الأخطاء , انا جل ما يهمني , ان تكون بخير , ان تعود ابتسامتك وجهك , ان تخلع حداد حزنك هذا ..
ناظره فارتولو وقال : انا لست حزينًا يا اخي , الحزن اصبح شعور خامد , دمي يغلي , انا غاضب , قلبي اصبح صوانًا , لا استطيع ان اشعر , هل لا اود ان اعانقك الان , هل لا اود الاقتراب من ابي ؟ ولكن يحدث رغمًا عني , اشعر بالقرف من نفسي , تلك الرائحه النتنه لا تفارق انفي ..
و بدون وعي مني , وبتصرفات تلقائيه , انت الوحيد الذي استطيع الاقتراب منه رغم كل شيء , انت الوحيد الذي استطيع ولو قليلًا , ان اظهر معه شعورًا اخر غير الغضب .. لأن شيء داخلي يخبرني , انك اخي الأصغر , تتحملني انا الذي لا احتمل نفسي , ومؤخرًا بت ارى نفسي ثقيًلا عليك , زاد شعوري بالقرف اتجاه نفسي , لأن الشخص الوحيد الذي لدي في هذه الدنيا , بت اخنقه هو ايضًا ..
انظر انا لا اغضب منك فقط لكوني اخاك الأكبر , او لكوني شخصًا غاضب , او لأملي عليك ما تفعل , انا فقط اخاف عليك .. اخاف ان يجافي النوم عيناك , ان تصبح شخصًا اخر بعيد كل البعد عن ما تمنيته , اني احاول ان لا تتلطخ مهما عصفت بك الحياه , ان تبقى نظيفًا , ان لا تشعر بالقرف من نفسك , ان تبقى لينًا ذو قلب جميل يتسع الجميع ..
اعلم ذاتًا ان تحملي صعب , وفظاظتي لا تطاق ,وأعلم اني اناقضك بكل افكارك , وتشعر احيانًا انني امنعك او ابعدك عن احلامك , ولكن الأمر ليس هكذا ..
صمت قليلًا ثم تنهد واكمل : انا ابقى عاجزًا عن شرح نفسي , ولكن ما ابعدك عنه , هو شر , وانا لا ابعد عن شيء الا لأنه يؤذيك ..
حين جئت الي منهارًا , شعرت وكأنني ابتلعت كرة نار , علقت بصدري هنا , لم يطفئها شيء , انت تبكي ما فعلته وانا احترق , احترق لأن هذا العالم ليس لك , فقط اريدك ان تعلم حتى لو اردت الابتعاد عني , انني وان فعلت شيئًا وقد يكون خاطئًا ففعلته لأنني وضعتك ب اولوية اموري , كي احميك .
كان انهى فارتولو حديثه وسط دموع مارت التي تجمعت بجفنيه , يناظر اخاه بحزن وشفقه وفخر ب آن واحد ثم قال : لا شيء يربطني هنا سواك , هل سأبتعد عنك ؟ انظر , انا ورغم ذاكرتي المشوشه , لا زلت اذكر اليد الصغيرة الملطخه بالدماء , التي مدت يدها لي تحت عتمه ذلك اليوم , لا زلت اذكر الرجل الذي ارديته قتيلًا وانت ابن الثانية عشر كي تحمينا , لا زلت اذكر حين خارت قواي حملتني رغم ضعف بنيتك حينها ...
ليقاطعه فارتولو قائلًا : هذا ليس دينًا وجب عليك دفعه , هذا ما يفعله الأخوة..
ليضحك مارت بخفه وقال : هل تظن انني ابقى هنا من أجل دين وما شابه !! بل من اجل هذا ما يفعله الأخوة , مثلما كنت اخ لي , مثلما حميتني وضحيت بحياتك من اجلي , مثلما اعطيتني روح من روحك .. انا ايضًا يحق لي فعل كل هذا , انا اتحملك بجروحك وحزنك وغضبك , تأكد دائمًا ان لا شيء يعنيني سوى كونك بخير , ولا يوجد لدي امنية سوى ان تعود بسمتك الى وجهك , اختنق حين تكون غاضبًا مني , حين وبزعلك الطفولي هذا تأبى ان تحادثني ..
اغمض فارتولو عيناه , وهذه المره لم يسمح لعقله بالتفكير حتى , ليهم نحو اخيه معانقًا اياه وبادله مارت بحفاوة وقد تساقطت دموعه , حتى ابعده فارتولو ومسح دمعه وقال : اغضب من اجلك ايها المغفل .
ليبتسم مارت قائلًا : ولكنك فظ جدًا .
ومضى وقت على تسامر الاخوين الاحاديث , حتى قال مارت : ما عملك بهذا الحي ؟ تنهد فارتولو وقال : طلب ابي ان ابدئ العمل فيه , اعرض على رئيس الحي صفقه كونه حي لا تدخله الشرطة بسهوله , يوفر لي الحمايه واوف له المال ..
-هل وافق ؟
ناظره فارتولو ليكمل مارت : كان واضحًا من خروجك الاستعراضي انه لم يقبل .
اومئ فارتولو ليكمل مارت : ولكن لما هذا الحي يعني ؟ هل يعجز ابي عن توفير الحمايه !
-لقد رفضت كثيرًا , حتى انني اخبرته انني قد اذهب الى افغانستان واحل الأمر هناك بمقر عملائنا , ولكنه كان مصرًا كثيرًا .
=ولما رفضك هذا ؟
ناظره فارتولو وحاول تغيير الموضوع ثم قال : انه حي بسيط , قلت لو لا ندخل اهله ب امور كهذه .
اومئ مارت ليقل فارتولو : وانت ما الذي احضرك الى هنا ؟
-ارسلني يوسف , كونه حي يتاجر بالاسلحه .
ضحك فارتولو وقال : يوسف وابي مثل العشاق , اينما يذهب احدهم يوجد الاخر .
........................
في صباح اليوم التالي , حيث يخيم الحزن على الحفره , فقد اخرجت جنازات ابناؤها , واعطتهم للتراب , وعاد اب الحي وابناؤه للمنزل , يبحثون عن طريقة كي يعيدون فيها ترميم الحفره , ورد الانتقام من المدعو فارتولو سعد الدين .
ليقل كهرمان : غالبية بيوت الشق الشمالي من الحي قد اتلفت تماما , بينما الوسط لم يصله شيء .
ف اكمل جومالي : لننقل الاهالي الى البيوت التي في الوسط ريثما ننتهي من اعادة الترميم .
ليقل ادريس : ذلك الفتى لن يجلس هادئًا , سيضيق علينا عيشنا .
=ليأتي مجددًا الى هنا كي ***
-قبل ان يخرج من الحفره توالت الانفجارات , تدرك الى اي مده تصل قوته , الحفرة في حال سيء , وينتظر جوابا ..
=انا لا افهمك حقًا يا ابي , هل ستحضره بيننا ؟
-متى فهمتني جومالي ذاتًا ؟ سأعطيه مكاناً وسأوفر له الحمايه من الشرطه , ولكن حينها يبدأ انتقامي .. لن يتوقف , جاء والشر في عينه , سأكفي شره عن الحفره ..
=ولكن بابا ..
ليوقفه ادريس قائلًا : تمام يكفي , هذا احد الحلول المتوافره حاليًا , ربما اجد حلًا اخر ..
تنهد الأخوة ليلتف ادريس الى كهرمان وقال : هل ذهبت الى والدتك .
ليجبه كهرمان بذات الوقت الذي امتعض فيه جومالي وهم خارجا: ليس بعد يا ابي ..
ناظر ادريس ذهاب ابنه ثم تنهد وقال : اذهب لها , وانظر ان قبلت الخروج معك مثلما تحدثنا سابقا .
اومئ كهرمان وذهب لوالدته , التي تجلس مكانها مثل العاده , تتأمل النافذه , وكأنها تنتظر طفلها ان يعود للمنزل , قبل ان تغيب الشمس , ولكن .. لم تغيب شمسها منذ ذلك اليوم , ليقترب كهرمان منها , وهالها الفزع بخفه حين رأت يد ابنها مضمده , وتجمعت الدموع على اهدابها , ليقل كهرمان : امي ؟
وشعر بخوفها من عيناها ليقل : لا تخافي , مجرد جرح بسيط .
قوست الاخرى شفتيها بينما احضر كهرمان مشطًا وبدًا يسرح لها شعرها , ثم قال : ما رأيك ان تخرجين اليوم الى الحي ؟
وحين لم تعر كلامه اي اهتمام , التفت وجلس امامها ارضًا ثم قال : حدث بالأمس مصائب كبيرة , الحي في حاله يرثى لها , جميع الاهالي جرحى , فقدت الامهات اولادهن , ربما ان اتيتي , سيخفف هذا عنهم ..
ناظرته الاخرى , ليكمل : لتجلسي في مطعم الفقراء , فقط لتغيري قليلًا من جو هذا المكان ..
وحين لم يجد ردًا ليقل الاخر : ارجوك أمي , من اجلي , ربما ترين جومالي .. الم تشتاقي اليه ؟
اومئت الاخرى وقال : ما رأيك اذا ؟
تنهدت وقد سقطت دموعها , ثم اومئت موافقه ..
..............
اما في مطعم الكباب , يجلس بائع الكباب امام طاولته ,محدثًا رجاله عن اهمية عمل اليوم , ليقاطع حديثه دخول ابنه , ليبتسم جلال وقال : اهلا وسهلا يا بني ..
اومئ فارتولو وجلس امامه ليقل جلال : لم ارك يوم امس , ماذا حدث !
=ذهبت للحي , ورفض الصفقه ..
-بهذه السهوله ؟ هل رفض طلبك وانت لم تفعل شيء!
=غالبا انك لم تتابع الأخبار الى الان .
عقد جلال حاجبيه بعدم فهم ليقل فارتولو بغضب : اريتهم ذره من غضبي , نار لم يعلموا بدايتها ونهايتها اين , عدا عن المباني التي على الاسوار , لقد ساويتها بالارض ..
ابتسم جلال بفخر , ثم علت ضحكاته وقال : هذا هو ابني !!
-ولكن بالنتيجه لقد رفض .
=سيقبل , سيريد ان يكف شرك عن الحفره , لأنك ستختلق شيئًا جديدًا يؤذيهم ايضاً , ما ادراني , اطلق النار على احد رجاله , او افشل له احد صفقاته , يعني شيء يجعله يعلم ان رفضه سيكلفه الثمن غاليًا ان استمر فيه .
اومئ فارتولو وقال : وهذا لدي ايضًا , هل تريد شيئًا اخر ؟
=هناك صفقه بعد منتصف الليل .
-اتذكر ,سأذهب, شيء اخر ؟
=ابقى لتناول الغداء معي
-لست جائع ..
ناظره جلال بحزن ليقل فارتولو : ولكن حقًا لست جائع , ومن ثم لن الحق , لدي الكثير من الأعمال .
تنهد جلال وقال : تمام ولكن ضع في ذهنك نهاية الاسبوع ستأتي للعشاء .. ولا تأتي وحدك .
ابتسم فارتولو بتصنع وقال: تمام , سآتي .. الان سأذهب لدي عمل ضروري ..
..........
اما في حي الحفره , حيث اول عمل وضعه مارت على قائمة اعماله اليوم متابعه ما حدث بالحي يوم امس , خاصة انه يعلم ان اخيه المتسبب بكل تلك المصائب , واضافة الى ذلك , كي لا يثير ذهابه يوم امس اي شكوك .. ركن مارت سيارته على مدخل المقهى ثم نزل هو وعدد من العناصر , والتف حوله يناظر الخراب الذي احدثه اخيه , وحقًا !! الرجل هدم حي ب اكمله خلال ثواني , ليقاطع شروده صوت اجس من خلفه قائلًا : هل هناك شيء يا حضرة الضابط ؟
التف مارت نحو مصدر الصوت وطالعه لوهله , لم يستطع الامس ان يمعن النظر فيه , رجل مسن على قدر من الهيبه , يقف صامدًا رغم مصائبه وقد اثار الامر بنفس مارت اعجابا لم يبدي له اهتمامًا بداية الامر , ثم تحمحم وقال مخرجًا هويته : معذرة , انا المفوض مارت كاراداغ , جئنا كي نباشر بالتحقيق , نظرًا لما حدث بالأمس .
=ماذا حدث بالأمس ؟
ناقل مارت عيناه ارجاء المكان ساخرًا ثم اعادها الى ادريس ليبتسم ادريس وقال : لا اقصد هذا , يعني تعلم الشرطة اننا نحل امورنا ب انفسنا .
-ولكنك حي يتبع للدوله شئت ام ابيت , هناك اطنان من الانفجارات فجرت على اسوار حيكم , كل اسطنبول سمعت الانفجار .
=تعلم ان هناك معامل على الاسوار لصناعة الغاز , حدث الانفجار بفعلها , اي امر يخصكم , لا يخصنا , ومع ذلك اصاب البلاء حيي , واستطعت ترميم الامور .
-يعني لا تقول ان هناك من افتعل شيئًا كهذا ؟
=نفى ادريس ليقل مارت : ولكن احتاج ان اخذ افادتكم بالمغفر .
اومئ ادريس قائلًا : سأتيك حين تطلب .
ابتسم مارت وقال : اذا الى اللقاء يا عم , لقد ازعجتك .
ابتسم ادريس وقال : ولكن لتشربوا شايكم يا بني اولًا .
-لا داعي يا عم .
وقبل ان يجيبه ادريس , وصل كهرمان بوالدته الى مدخل الحي , لتلتف جميع الانظار حولها , هي التي فزعت بداية الأمر كون مضى اعوام كثيرة منذ اخر مره خرجت اليهم ..
هم النساء والاولاد يقبلن ايديها , وسط صمت تام منها , وردة فعل تكاد تكون معدومه , سوى بعض الابتسامات , والكثير من الدموع التي تتأرجح على هدبيها , كل هذا وسط انظار مارت الذي اثر فيه ما رآه , كون الحي ب اكمله رغم جراحه , يلتف نحو هذه الأمراه التي ينادونها ب امي , اي امومة قامت بها حتى جعلت حي ب اكمله يحبها , ليلتف الى ادريس وقال : هل انتم مالكين هذا الحي ؟
ابتسم ادريس وقال : نحن في هذا الحي مثل عائله , ينادوني اب الحفرة وهي ام الحفرة , وجميعهم مثل اولادي ..
=هل جميعكم اقارب ؟
-ابدًا , لا يجمعنا دم البته , كان هذا الحي عباره عن خرابه ذاتًا , بنيت منزلًا فيه وفتحت بيتي لجميع المحتاجين , بدأ يكبراكثر ف اكثر , حتى اصبحنا هذه العائله الكبيرة .ة
ابتسم مارت وقد شعر ب شيء ينغز صدره , هذا الجو العائلي لامس قلبه الذي يحتاج هذه الاجواء كثيرًا , ليبتسم وقال : شعرت بالارتياح هنا , تبدون مثل عائله حقًا يا عم ..
ليبتسم ادريس ثم قال :ونحن نحب من يحبنا يا بني , لهذا تعال لنشرب شيئًا بالداخل , او لقد حضرن النساء الطعام , هل تأكل ؟
بادله مارت الابتسامه وقال : حقًا سلمت , ولكن ٍسأذهب وألقي سلامي على السيده ان سمحت لي .
اومئ ادريس بينما توجه مارت نحوها قبل ان يدخلها الى المطعم , وجثى على ركبتيه ومد يده نحوه قائلًا : ايها السيده الام ..
ناظرته سلطان بريبه , وشعرت هي الاخرى ب فراشات تفرد اجنحتها داخل صدرها , نوع من الراحه والحب اجبرتها على الابتسام لمن امامها , ولم يكن ما شعر به مارت اقل من ذلك , كان الضجيج من الخارج ولكن لما شعر به داخله؟ , وانعزل من الخارج متأملاً وجه من امامه , التجاعيد التي تحت عيناها , الشعر الابيض الذي غزى رأسها .. كلها كانت ملامح قريبه لقلبه .. ف بادلها الابتسام , قبل وبحركة اثارث استغراب الجميع , رفعت سلطان يدها ومسحت على رأسه , بالواقع شعر وكأنها مسحت على قلبه , وهدئ كل الضجيج حوله , وبدئ يدور سؤال واحد داخل عقله : هل هذا هو دفء الام ؟
ليبتسم وامسك بيدها ثم قبلها وقال : تشرفت بمعرفتك , انا مارت كاراداغ .
اومئت الاخرى بينما نهض مارت وقال : والان يجب علي الذهاب , والتف ذاهبا بينما بقيت عيناها تراقب طريقه , وما ان ادخلها كهرمان الى الداخل , حتى التف مارت مجددًا وناظر ذهابها هي الاخرى .
.......................
فتحت عيناها بعد ليلة عصيبه عاشتها , حين تركها يوم امس على باب المنزل الخارجي , صعدت لمنزلها بصعوبه , وعلى اثر خوفها وتعبها و ك حل اول للهروب من افكارها , غفت عينها وهي مكانها ارضًا بعد نوبة بكاء لم تنتهي , وكوابيس لم تتركها في حال سبيلها ..
ناظرت السقف فوقها ب توهان قبل ان يقطع شرودها صوت قائلًا : يقولون يجب على المرء النوم لمدة 8 ساعات .
نهضت من مكانها فزعًا وقالت بخوف : انت ماذا تفعل هنا ؟
= لقد اوصلتك الى منزلك امس الساعه الثانيه عشر , والساعه الان الواحده ظهرًا , ليس جيدًا لصحتك النوم الكثير
عادت هي بخطواتها للخلف بخوف وقالت : لتتركني وشأني يا هذا .
=ولكن اظهرت ترحيبًا تدمع له عيني , كيف سأتركك , الست طبيبتي الجديده ؟
-انظر اخبرت الرجل الذي جاء بالامس , لن اتحدث , لن ترى وجهي مجدًدا , سأنسى كل ما قلته ولكن ارجوك , دعني وشأني .
-لم يخبرني ب شيء كهذا .
ومن ثم طالع قدمها ليجدها اصطبغت باللون الاحمر جراء جرحها فقال : قدمك نزفت بشكل سيء , مع انني حرصت ان تخدشك فقط , اعتذر كان ظلام لم ارى جيدًا .
ناظرته هي الاخرى بصدمه من فرط وقاحته , وتجمعت الدموع على اهدابها ليبتسم فارتولو ثم قال : تمام لا تبكين مثل الأطفال الان , هل لديك اسعافات اوليه , كي لا تلتهب وتأتين لاحقًا وتقولين اني اؤذيك , وتشتكيني لأخي .
لتشير هي بخوف الى الخزانه , ليذهب واخذها ثم عاد اليها ووضعها بيدها وقال : احرصي على تعقيمها جيدًا , ستتأثر مشيتك بضع ايام ولكن سيعود كل شيء كما كان .
والتف ناويًا الذهاب ثم عاد ونظر اليها : جئت كي اخبرك ب امر بسيط , انا نار , احرق الجميع من حولي , ف اهلا بك بجحيمي .
والتف خارجًا تاركًا اياها بصدمتها لتحدث نفسها : وانا التي ظننت لوهله انه سيضمدها لي .. ومن ثم رمت بالعلبه ارضًا وصرخت وسط غضبها : **** وقح , فظ جدًا.
.......................
وفي مساء ذات اليوم , حوالي الساعه العاشرة مساءًا ,حيث يطغو الهدوء على الأجواء , كانت ليلة هادئه عكس احداث يومها , السماء صافيه ونسمات الريح دافئه , يجلس اب الحفره خلف طاولته بالمقهى يناقش مع ابنه كهرمان الاعمال والاشغال , حتى قال : تمام , لتذهب غدًا صباحا الى السيد محمد , تعرض عليه المبلغ وما تبقى سأقسطه له , لا اعتقد انه سيرفض , هو صديقي ذاتًا ..
اومئ كهرمان وقال : تمام يا ابي , صباحًا سأذهب .. هل بقي شيء , ينتظروننا على العشاء في المنزل .
ليناظره ادريس ثم قال : اذهب انت , وانا سأتبعك .
اومئ كهرمان وخرج من المقهى مرتجلًا سيارته نحو المنزل , كل هذا تحت انظار احد العيون التي تراقبهم و تلمع بالغضب والحزن ..
كان يقف على سطح المنزل المقابل للمقهى ملثمًا ولا تظهر منه سوى عيناه , عيناه التي كانت تكشف مدى الغضب الذي يحمله بداخله , لم يكن غضبًا وحسب , انما خليط مشاعر مختلفه , من غضب وحزن وتساؤلات لا تنتهي , من قهر وذل ودموع لم تتساقط ..
وبتصرف لم يكن واعيًا له تمامًا , ولكن عقله الذي برمجه على فرضية " المخطىء يجب ان يتعاقب " , تسلسل الى الاسفل , مستغلًا الحي الفارغ من جميع اولاده ووجدها فرصة ذهبيه كي يعاقبه , ولم يرد تضيعها , ليمر من امام المقهى مسرعًا , بشكل هيء لأدريس فيه ان احدهم مر من هناك , ف ظن ان كهرمان عاد لأخذ شيء .. ف نهص من مكانه وفتح الباب ونظرات التساؤل تملئ وجهه عن الطيف الذي رآه وقال بذات التساؤل : من هنا ؟
وقبل ان ينهي استفساره , كان قد خرج له الرجل الملثم من العدم ووقف امامه منتصرًا , وقد بانت ابتسامته من عيناه , وقبل ان يستوعب ادريس كل هذا , رفع الملثم سكينه , وادخلها في امعاء من امامه متشفيًا , قبل ان يدورها ببطئ ثم اخرجها ..
بالوقت ذاته , حيث جحظ ادريس عيناه متألما , وحاول الامساك بمن امامه , ليهمس الرجل في اذنه , قبل ان يبتعد ويرميه ارضًا : صالح يبلغك سلامه .
..............................
في ذات الليله وبعد ساعات قليله , حيث تجاوزت الساعه منتصف الليل , يقف فارتولو في تلك الغابه النائيه , البعيده عن الانظار نسبيًا , امام فوج من الرجل , وامامه فوج اخر , ليقل بتفاخر بعدما مد البضاعه للرجل امامه : لن تجد مثلها .
-اعلم هذا , وهذا سبب عملي المتكرر معكم , انكم اناس تعرفون قيمة عملكم .
ابتسم فارتولو , بينما مد الرجل حقيبة المال له , واخذها متشكرًا من امامه ينوي الذهاب , وقبل ان يلتف , حاوطت سيارات الشرطة المكان , وتبادل الاطراف اطلاق نار عنيف ..
الا ان فارتولو بعدما انتهت ذخيرته , اخذ سلاح احد رجاله , وفر هارباً من المكان مبتعدًا بحقيبة المال , وتبعه احد رجال الشرطه الذي لمح احدهم يهرب ..
وتنهد حين وصل سيارته التي ركنها بعيدًا عن اجتماعه , وقبل ان يركبها خرج له الشرطي من الخلف موجهًا سلاحه نحوه وهو يقول عبر اللاسلكي : دورية الى هنا , وجدت احدهم ..
ولم يكمل جملته , حتى جحظ عيناه بصدمه وقال : آبي !!
لم تكن صدمة فارتولو تقل عنه البته , ف من يقف امامه الان اخيه الصغير مارت , ليقل فارتولو بقلق : ما الذي تفعله هنا ؟
-بل انت ما الذي تفعله هنا !
=اخبرهم فورًا ان لا يأتوا , لأنك تحت التهديد .
وقبل ان يفعل , اخذ فارتولو اللاسلكي وقال عبره : رجلكم بيدي , ان اقترب احدًا سأقتله ..
ليقل يوسف بتوتر عبر اللاسلكي : اترك مارت واهرب ..
-لن يكون خروجكم سهلا مثل دخولكم , ان اقترب احدًا سأقتله .
=تمام اتركه , اعدك لن يقترب احد ..
اومئ فارتولو لمارت ,و بينما كان المدير يوسف يطلب دعمًا لمحاصرته , علت صوت رصاصه في الارجاء ......
أنت تقرأ
سَرْمَديّ
Fiksi Umum"حين يخضع الناس لضغوط لا تحتمل, ولتهديدات دائمة, فإنهم مجبرون إذا أرادوا تجنب الموت على إيجاد حلول ! وهذه الحلول : الجريمة, الفن, والجنون !" (مقتبس) يتناول سرمدي وسط إطار درامي قصة الآخوين فارتولو ومارت ، الذان جمعهم القدر قبل الدم .