الفصل الرابع

15 0 0
                                    

(٤)
المشكلة ليست في الوقوع في الحب أو عدم الوقوع
فيه، المشكلة تكمن في عدم مصارحة أنفسنا بحقيقة
ما نشعر به..
......
عادا إلى المنزل ونزلا من السيارة، حاولت أمينة ان تخفي ارتباكها وهي تقول تناديه؛ ليقف كانت محاولتها فاشلة حيث أدرك ما بها فنظر إليها باهتمام وهي تقول :
_ شكرا لك..
تنهد ثم قال مستمراً في النظر إليها :
_ أنا من يجب أن يشكرك..
نظرت اليه مندهشه وتمني لو يكمل جملته قائلا " علي تلك اللحظات الرائعة بشكل جميل، والتي لم أتوقع يوماً أن أعيشها "..
ولكن كان ذلك مستحيلا بالنسبة إليه فهو لم يعتد يوما على إظهار مشاعره بسهولة، لذا قال :
_ لقد تأخر الوقت.. لندخل..
عند دخولهما تفاجئ كل منهما برؤية والد مراد جالسا على الاريكة واضعاً على قدميه حاسوبه، نظر إليهما قائلاً :
_ أهلا بالعروسين..
لم تكن تلك المفاجئة سارة لمراد الذي قال بنبرة مستاءة :
_ كان من المفترض أن تأتي غداً..؟
نظرت إليه أمينة باستغراب من سؤاله ومن ذلك التغير المفاجئ الذي حدث له عند رؤية والده ، ضحك جلال عامر ثم قال :
_ لقد أنهيت عملى باكرا.. صحيح!.. سيأتي عزت غدا لرؤيتكِ..
ابتسمت له أمينة، ثم قالت راحلة :
_ عن اذنكما..
هز جلال عامر رأسه سامحاً لها بالصعود ،ثم نظر إلى مراد الذي كان واقفا ينظر إليه فقال والده :
_ لماذا تنظر إلي هكذا؟.. هل اشتقت إلى والدك..؟
ابتسم مراد بالامبالاه ثم قال :
_ بل تمنيت أن تطول فترة غيابك.. أو ترحل للأبد..
توقفت أمينة على السلم بعدما سمعته والتفتت ناظرة إليه في ذهول وعجب ، قال والده بجدية وهو يقف أمامه :
_ في الوقت الذي سأرحل فيه.. لن اترك ورائي إلا الخراب..
اكمل له مراد كلامه وفي عينيه نظرة غضب :
_ أو تدمر حياة كل من حولك.. كعادتك يا جلال بيك..
_ متى ستتعلم الحديث مع والدك باحترام؟
_ عندما تتعلم ان تكون والدى حقاً..
شهقت مما سمعته فنظر إليها مراد منتبها إلى وجودها، لم يستطع منع الألم الذي بداخله من الظهور في عينيه فنظر إلى جلال عامر بتراجع ،ثم نظر إليها مرة أخرى وخرج مسرعاً الي الحديقة ، اكمل والده عمله بالامبالاة على حاسوبه بينما صعدت هي إلى الغرفة غير مصدقة تلك الطريقة التي يتعامل بها مع والده..!
ولكن لماذا يتعامل معه بهذه الوقاحة.. وما معنى ما قاله ؟! ، عاد صوته في ذهنها مرة أخرى قائلا.. " أنت لا تعرفين عني شيئاً .. ولا احد يعرف عني شيئاً.."
بعد وقت كانت قد بدلت ملابسها عندما وصل إليها صوت عزفهعلى الجيتار ؛ فازداد غضبها وخرجت إلى الشرفة.. رأته جالساً على حافة حمام السباحة يعزف بلا مبالاة ، لذا ودون تفكير خرجت مسرعة من غرفتها متجهة إليه لتجده مستمراً في العزف فأمسكت الجيتار من يده بعصبية قائلة :
_ بعد ما قلته لوالدك تجلس بكل هدوء وتعرف ألحاناً ؟!.. هل تدرك ما تفعله؟!
قال بهدوء دون النظر إليها :
_ ليس لك دخلا بهذا الأمر..
قالت وكأنها لا تسمعه :
_ هو والدك !!.. لايمكنك ان تعامله بتلك الطريقة..!
حاول الحفاظ على هدوءه ثم قال آخذاً جيتاره من يدها :
_ أخبرتك ان تخرجي نفسك انت من هذا الموضوع..
لم تعطه الجيتار بل سحبته بقوة من يده وهي تقول :
_ كيف لي ألا أتدخل وأنا أراك تعامله بهذا الجفاء؟ مما خُلقت انت؟!لم يستطع ان ُيخبئ غضبه هذه المرة فقال لها ناهضاً بعصبية :
_ إذا سمحت.. هذا شيء يخصني لذا أرجو ألا تتدخلي.. وانا حر
اتعامل معه بالطريقة التي تناسبني..
_ انت لست حر في هذا الأمر.. انه والدك !
_ ستظلين غبية يا أمينة.. أنت لا تعرفين شيئاً ولا تفهمين شيئاً..
_ افضل ان اكون غبية على أن أكون قاسية القلب مثلك..!
_ معك حق انا قاسٍ.. ولكن.. تلك القساوة هو من زرعها بداخلي..
وعليه ان يحصد ما زرعه..
قالت وغضبها يزداد :
_ من تظن نفسك لتعامله هكذا؟!.. انت ابنه!.. هو من أتى بك إلى
هذه الحياة..!
ضاق خلقه فقال بعصبية :
_ كفاكِ !.. لأجل ﷲ كفاكِ.. أنا حر فيما أفعله بحياتي.. ولا تتوقعي
مني أن أكون كما تريدين.. لأنك لا ترين الصورة كاملة يا أمينة.. أنا
حر لذا ارجوكي توقفي عما تحاولين الوصول إليه..
حاولت أمينة أن تفهم معنى ما قاله لذا قالت :
_ الصورة كاملة؟!
قاطعها :
_ دعيني وشأني.. ولا تتدخلي في أمور لا تعنيكِ..أفهمتِ ؟
صمتت قليلاً ، ثم قالت :
_ لا تظن أنني أفعل هذا لأجله فقط..أنا أفعل هذا لأجلك انت أيضا..
_ من أجلي؟!.. وأنا لا أريدك أن تفعلي اي شيء لأجلي.. ارجوكِ..
صمتت مرة أخرى وترقرقت دموعها فأعطته الجيتار ، ثم قالت بألم وغضب :
_ معك حق.. أنت حر لماذا يجب علي أن أتدخل؟!.. ولكن تذكر أنك
ستندم فيما بعد.. سيأتي عليك يوماً تتمنى فيه أن تصلح كل ما فعلته معه.. ولكن سيكون قد فات الأوان.. ستتمني لو يعود دقيقة بل ثانية لتعتذر منه.. ولكنك لن تستطيع.. ستتمني لو يعود لتضمه.. ولكن التراب سيكون من يضمه بدلا منك.. ووقتها لن ينفعك ندمك ولا تمنيك.. وقتها فقط ستبكي بدل الدموع دماً على ما تفعله معه..
انزلقت دموعها بألم..بالطبع ومن يدرك قيمة الوالدين إلا من ذاق فراقهما؟!، صمت متأثراً مما يصدر من داخلها وللحظة نسي نفسه
وتمني لو يأخذها بين ذراعيه ليداوي ألمها ولكنه بقى صامتاً واقفاً مكانه وكأنه أصيب بجلتة أوقفت حركته ، ابتعدت راحلة فأمسك يدها بسرعة وهو ينظر إلى نظراتها المتألمة، وقال لها :
_ ألازلت.. أمينة ألازلت تفقدين والداكِ..؟
أصاب فيها وترها الحساس فانزلقت دموعها وازدادت ضربات قلبها، سحبت يدها من يده راكضة إلى داخل الفيلا قبل أن تجهش بالبكاء أمامه، بينما ظل واقفاً ينظر إلى أثرها بألم أشد مما كان يشعر به قبل أن تأتي..
                                    & & &
بعد وقت صعد مراد الي الغرفة التي تقطن فيها أمينة، كان سيدخل ولكنه توقف عندما سمع انين بكاءها، فوضع يده وأسند رأسه على الباب مستمعاً إليها بهدوء وبعد لحظات - قضاها بين الحيرة والألم - دق الباب فجاء إليه صوتها خافتاً سامحة له بالدخول، دخل بهدوء ليجدها وراء الملاءة البيضاء الموضوعة كما كانت قبل سفر والده ، تقدم ببطىء ووقف أمام الملاءة قائلا بصوت هادئ خافت :
_ أمينة.. ايمكنك التحدث معي قليلا؟
قالت بنبرة خافتة تملؤها الشحرجة :
_ لا أريد التحدث مع أحد الآن..
صمت للحظات، ثم قال بنفس الهدوء :
_ لن أطيل الحديث.. دقيقتين فقط..
بعد لحظات خرجت إليه من وراء الملاءة قائلة دون النظر إليه :
_ ما الذي تريد قوله..؟
نظر إليها قليلا ليرى وجهها الشاحب وعينيها الذابلتين، جسدها
المتوتر متسائلاً..أين ذهبت تلك الفتاة القوية التي كانت تواجهه؟!.. اكره ان أراها بهذا الضعف ، تنهد قائلا بنفس الطريقة :
_ افهم جيداً ما قلتيه إلي..الأب والأم هما السند والأمان بعد رب العالمين.. هما كالعمر لا يتكرر مرتين ولا يمكن تعويضه..
نظرت اليه لترى نظرة غريبة في عينيه لم ترها من قبل، فاستطرد :
يقوله ناظرا إلي عينيها :
_ افهم شعورك جيداً وأيضا دموعك.. اعرف معنى أن يفقد المرء امه أو أباه.. عندما يرحل شخصاً عزيزاً على قلب المرء تتحول
حياته إلى خراب.. حياة باهتة هشة.. وحيدة.. وكل أمله ان يرجع أو يرى شخصاً مثله.. فيبحث عنه في كل الوجوه.. ولكنه لن يجده فيهم.. انت تفتقدين والداكِ ؛ لأنك تريدين ان تشعري بنفس المشاعر الصادقة منهما.. ولكنني لا أجد من والدي ولو أساساً بسيطا بهذا الشيء.. انت تفتقدين للشعور ولو لمرة واحدة بضمة من والديكِ.. ولكنني لم أشعر بهذا الشعور يوما من جلال عامر كأي ابن في العالم كي افتقده.. لم يعاملني يوما كابنه.. كيف علي أن اعامله كأبي.. ؟!
استمر في النظر إليها فقالت له :
_ يكفي أنه موجود بحياتك.. وتأكد أن كل ما يفعله لأجلك فقط..
صمت قليلا، ثم ابتسم لها بخيبة امل وبألم ثم قال :
_ يا ليته كذلك.. يا ليته!!
نظرت إليه لترى ألماً نابعاً منه بخلاف ذلك الشاب المغرور وصائد
ًالفتيات الذي كانت تعرفه.. وجدت أشياء أخرى في شخصيته لم
تعرفها من قبل، ظل يتأمل وجهها الحائر والطفولي، ثم قال :
_ تصبحين على خير يا أمينة.
ابتعد متجهاً إلى الحمام فقالت بصوت خافت :
_ وأنت من أهله..
وعادت مرة أخرى وراء الملاءة البيضاء..
                                     & & &
قُبيل الفجر في مكان آخر في إحدى استوديوهات القاهرة كان جالساً خلف الكاميرات ينظر بشغف معروف عنه في عمله قبل أن
يقول :
_ " كات ".. عظيم جدا.. مشهد تاريخي..
شكره ذلك الممثل الذي كان يمثل أمام الكاميرات قبل أن يتركه آسر ويتحرك من الاستديو فقد انتهى عمله..
ركب سيارته واتجه إلى شقة حبيبته كما يفعل؛ ليطمئن عليها
بالهاتف، ولكنها لم تكن تعلم أن كل مرة يحدثها فيها كان يراقبها من
الشقة المواجهة لشقتها، لم تكن تعلم كم يعشق ان يراها جالسة أمام الشرفة تأكل أو ترسم.. كان يعشق ان يرى ملامحها وتعابير وجهها
وهي تحدثه..!
دخل الشقة ثم فتح ستائر الشرفة ليرى ضوئاً خافتاً فتمتم بابتسامة :
_ من الجيد أنها لازالت مستيقظة
هاتفها وبعد عدة لحظات رآها تقف أمام الشرفة تتفقد هاتفها
الموضوع على الطاولة، لكنه استغرب عندما رأي ملامح الضيق
بادية على وجهها وتصنعها الابتسام عندما فتحت المكالمة لتحدثه، ظن في البداية ان هناك أمر ما ضايقها ولكنه سألها عن ذلك وفي كل مرة كان يصدمه ردة فعلها، حيث كانت تتصنع الحب في كلامها والسخرية في أفعالها ولكن...
ما صدمه حقا رؤية رجل آتي أمن غرفة مواجهة للشرفة عاري الصدر، وما زاد صدمته أنه قام بضمها من الخلف وهي تنظر اليه بحب؛ فسألها بصدمة وهو لا يصدق ما يراه :
_ ما هذا الصوت؟!.. اهناك احد بجانبك؟!
فقالت بارتباك :
_ لا.. لا يوجد أحد..
رأي الرجل يشير إليها ان تغلق الهاتف فأشارت لهرأي الرجل يشير إليها ان تغلق الهاتف، فأشارت إليه انها ستفعل وهي تداعب وجهه، ثم قالت :
_ آآه آسر.. أنا لدي صداع خفيف لذا سأنام الآن.. تصبح على خير..
تجمعت الدموع في مقلتيه وهو يرى حبيبته تخونه أمام عينيه، وما رآه بعد ذلك جعله في صدمة؛ فوقع الهاتف من يده وتجمعت نيران العالم بأكملها في قلبه، مرَّ عليه شريط سريع بذكرياته معها.. فهي إحدى عارضات الإعلانات التي قام بإخراجها، نشأت علاقته بها منذ عامين بدأت بصداقة ومنذ ستة أشهر اعترف لها بحبه وعرض عليها الزواج، ولكنها طلبت منه أن يؤجل ذلك لحين الانتهاء من عرض الأزياء الذي تشارك فيه هذا الشتاء، كما طلبت منه ألا يخبر أحد حتى يعلنان ذلك رسمياً وهو احترم رغبتها، ومنذ ستة أشهر وهو يتواصل معها يومياً وهو يراقب شرفتها لعلها تخرج ويتهني برؤيتها، يخرج معها بالنهار كثيراً.. كان كلامها مليئاً بالوعود ولكن أين تلك الوعود الآن؟!، غضب كثيراً منها ومن نفسه.. كان يعلم ان الحب ضعف ولكنه لم يكن يعرف انه سيشعر بكل هذا الذل في حبه إليها!..
نزل من المبنى ببطء ودموعه تتساقط رغماً عنه على من عشقها وخانته، ركب سيارته لا توجد له وجهه!، تجول بها في أرجاء الشوارع وفي أقل من ثانية أصبحت رؤيته ضبابية وفقد سيطرته على المكابح فاصتدم بإحدى الشاحنات..
                                & & &
صرخت " هنا " بخوف وهي تنهض من نومتها، تلهث بشدة رافعة خصلات شعرها الحمراء إلى الوراء، شعرت بقبضة في قلبها من هذا الكابوس المرعب، ودخلت عليها والدتها قائلة :
_ بسم الله الرحمن الرحيم.. ما بكِ يا هنا؟!..
قالت وهي تضع يدها على قلبها وتبكي بدون سبب :
_ لا أعلم يا أمي!.. لقد رأيت كابوساً مرعباً.. وأشعر بقبضة في قلبي.. أخذتها والدتها بين راعيها وهي تهون عليها، وأخذت تتلو آيات قرآنية بينما تمسد بيدها على جسدها ترقيها.. حتى هدأت واستكملت نومها..
                                & & &
_ استيقظي يا " آخرة صبري ".. انها العاشرة صباحاً..
تململت رباب في سريرها وهي تسمع صوت والدتها الذي يكاد يُسمع كل أهل الحارة؛ فقالت بتذمر :
_ المرشح اليومي..!
_ لقد تعبت منكِ يا فتاة.. برأيي سافري إلى والدكِ وعيشي معه..
ابتسمت على والدتها التي ان غابت عنها دقيقة قلبت الدنيا رأس على عقب .. كأي أم تقول لأولادها شيئاً وهي غاضبة وما بقلبها شيئاً آخر..!
_ لازلتِ نائمة؟!.. انهضي يا كسولة..
قالت ذلك أمل وهي تزيح الغطاء عنها، فقالت صاحبتنا :
_ ما بكِ يا أمل؟!.. ألا يمكنني النوم ببيتي؟!.. هذا ليس عدلاً يا عالم..!!
_ كفاكِ نوماً.. لا أعلم كيف تنهضين لجامعتكِ..!
_ آآه يا أمي!.. لماذا تذكريني؟!
_ انهضي أيتها الحمقاء.. خالتكِ على وصول ومعها مصطفى..
نظرت رباب إلى ابتسامتها الواسعة وفهمت مغزى كلامها؛ لذا نهضت وقالت :
_ حسناً.. سأفعل كل ما تريدينه.. وبعدها سأخرج مع الفتيات للتسوق..
_ أنتِ مجنونة يا رباب؟!.. أقل لكِ ان خالتكِ وابن خالتكِ على وصول تقولين أنكِ خارجة؟.. ثم أية أغراض هذه التي تريدين شرائها؟!
_ احتاج بعض الثياب.. ولا تقلقي سأنتقي الثياب المحتشمة..
_ انظري يا ابنتي.. أنتِ في الجامعة ولا أريدكِ ان تتأثري بمن حولكِ.. ومن واجبي كأمكِ أن أرشدكِ إلى الصواب..
تنهدت وحمدت ربها ان والدتها لم تلح عليها في موضوع مصطفى وخالتها، هي قالت تحبهما ولكن تكره ان تكون محور الحديث والتلميحات عن احتمالية ارتباطها بمصطفي، قبَّلتها من خديها بحب وقالت :
_ لا تقلقي يا " ست الحبايب ".. سأبقي ابنتكِ مرحبا نفسها.. بأخلاقي واحتشامي.. ولكن بالطبع لا يمكن أن أكون مبعثرة الثياب والهيئة أمام زملائي.. أيرضيكِ هذا؟
ابتسمت أمل بحب، ثم ضمت ابنتها بدلال أمومي :
_ لا يرضيني أبداً يا ست البنات..             
وبعد لحظات ابتعدت عنها رباب وبدأت عملها؛ فنظرت إليها الأخرى بحب داعية لها بالستر والحماية من كل سوء، بالرغم من أن رباب الابنة الوحيدة لوالديها إلا أنها لم تكن مدللة بطريقة تجعلها تتكبر على مساعدة والديها، مُنحت الحرية الكاملة في اختياراتها ومع ذلك كانت تربيتها عسكرية كما يُقال.. في بيتها أنثى ترتدي ما تريده وتضع ما تشاء من مساحيق التجميل أما خارج بيتها محتشمة تواري أنوثتها خلف ثياب الستر ككنز مُخبأ لا يناله إلا من يستحقه، هي فتاة بألف رجل.. متدينة ومهذبة، مرحة مع صديقاتها صارمة جداً مع الرجال؛ وذلك ما جعل والدها يثق بها ويترك والدتها في رعايتها  - وليس العكس - إلى أن يعود من سفره..
                                 & & &
نزل إلى الأسفل ليجدها جالسة على الاريكة أمام التلفاز مستندة على الوسائد وراءها، شاردة.. وصامته، ظل واقفاً أسفل السلم ينظر إليها بعمق متمنياً لو كان لديه الحق لينتزع ذلك الحزن من قلبها، لا يكن يعرف كم دقيقة مرت عليه وهو يتأملها حينما التفتت برأسها ورأته واقفاً يأخذها معه بنظراته إلى حيث لا تدري!، فشعرت بقلبها ينجذب إلى عالم آخر بعيد عنها لا تعرفه!، وعيناها ترفضان الاستماع إلى صوت عقلها حتى - وأخيراً - أجبرتهما على الاستماع لذلك الصوت الصارخ الذي لا يمكنها تجاهله؛ فأشاحت وجهها عنه ببطء، لاحظ ما فعلته فقال ناظراً حوله :
_ هذا الهدوء يعني أن جلال عامر قد ذهب.. إلى أين؟
قالت باحتجاج :
_ يجب أن تقول أبي..!
فقال بملل مغيراً للموضوع :
_ حسناً.. أين ذهب؟
_ لقد عاد إلى أسوان.. قال ان لديه أشغال كثيرة هناك..
ابتهجت ملامحه وهو يقول :
_ هذه هي الأخبار السعيدة بحق!..
_ مراد!.. توقف!..
قالتها بغيظ؛ فنظر إليها بسخط طفولي، ثم قال وهو يجلس على الاريكة جوارها :
_ حسناً!.. يا محامية جلال عامر..!!
نظرت إليه باستغراب ،فصاح منادياً الخالة سعاد وهو ينظر إليها بابتسامة :
_ خالتي.. أين فطوركِ الجميل؟
عادت للشرود مجدداً؛ فقال بهدوء :
_ لن يكون لقاءه بهذا السوء..
نظرت إليه بتعجب؛ لا تعرف إذا كان يقرأ أفكارها ام لا!، فقالت بتشكك :
_ من تقصد؟!
قال آخذاً منها جهاز التحكم :
_ عزت.. ومن غيره؟!
_ هل يبدو ذلك على وجهي؟!
قالتها بسخرية، فقال :
_  بشكل واضح يا عزيزتي!.. ولكن انظري إلي.. لا يجب أن تكوني ضعيفة أمام أي أحد.. أنتِ فتاة قوية.. لذا لا يمكن لشيء أن يُخيفكِ أو يُسيء مزاجكِ.. حسناً؟
سكتت كلماته بينما هي تنظر إليه بتعجب؛ فقال وهو  يُغير القناة :
_ هناك مبارة أوروبية جميلة.. أين ذهبت القناة؟!
_ اترك الفيلم.. سينتهي بعد قليل !..
_ تفرجي عليه في وقت آخر..!
_ لا تكن لئيماً هكذا !
قال؛ ليستفزها أكثر :
_ سنشاهد المباراة.. حسناً؟
ضاقت حدقتيها وهي تقول بعناد :
_ حسناً..!!
نهضت واقفة، ثم أطفأت التلفاز ووقفت أمامه قائلة بتحدٍ :
_ إذا لم أشاهد فيلمي.. لن تشاهد المباراة..
نهض قائلاً بغيظ :
_ ماذا فعلتِ؟!.. ابتعدي عن التلفاز..!
_ لن ابتعد..
امسك ذراعها قائلاً :
_ قلت لكِ ابتعدي..
_ لن أبتعد.. أرني ماذا ستفعل..
قالتها بجرأة؛ فاقترب منها :
_ أنتِ فتاة عنيدة..!
_ وأنت رجل متعجرف..!
_ لن ينفعكِ العند..
_ وأنت لن ينفعك معي التحدي..
شعرا وكأن هناك ما يربط قلبيهما؛ فقد ازدادت ضرباتهما بشدة، فتراجعت نظرته المتحدية إلى رقة ومشاكسة بالإضافة إلى اهتياج نبع من قلبه فجأة؛ لذا قالت :
_ والآن أعطني جهاز التحكم..
أعطاها الجهاز ناظراً إليها بتعجب، ثم بحركة مقصودة أمسك خصرها بيده اليسرى وبيده اليمني أبعد خصلات شعرها عن عينيها برقة قائلاً بصوت رخيم، وهو يكاد يضحك من ارتباكها الواضح اضطراب أنفاسها :
_ ماذا حدث؟!.. كنتِ تتحدثين منذ قليل عن التحدي.. الآن ماذا حدث؟!..
_ ما الذي تفعله؟.. اتركني!
_ ششش.. لا داعي للعناد والعصبية الآن.. مع انكِ تكونين جميلة وأنتِ غاضبة..
كانت قريبة منه لدرجة أنها سمعت دقات قلبه العالية، وقد كان لكلامه تأثيراً واقعاً في نفسها وظلت تحدق في وجهه الهادئ والرقيق لعدة ثوانٍ، ولكنها ابتسمت بغموض وضاقت عيناها ثم دعست قدمه بقدمها؛ فصاح مراد بها وهي تبتعد صاعدة إلى الأعلى بسرعة :
_ أيتها المخادعة!.. كيف تفعلين هذا بزوجكِ؟!
فقالت بضحكات عالية :
_ تستحق هذا..
                                   & & &
في طريقهما إلى قصر جلال عامر، ازداد بكاء الصغير وهو على قدميها بينما رنّ هاتفه برقم جلال عامر؛ فقال :
_ أسكتي هذا الولد..
نظرت إليه هاجر بغيظ؛ ثم رفعت صغيرها ووضعته في حضنها، تهز نفسها و تربت على ظهره بحنان، فتح عزت المكالمة قائلاً :
_ أهلاً يا بيك..
جاءه صوت الآخر يقول :
_ أهلاً.. لقد جهزنا كل شيء.. متى ستأتي؟
_ سأرى أمينة وسنأتي في الموعد.. أهم شيء ألا يشعر بكم أحد..
_ لا تقلق.. أنا لست ولد صغير على هذه التوصية..!
_ العفو يا جلال بيك.. انا لم اقصد ذلك..
_ حسنا يا عزت.. سأكون بانتظارك..
أغلق عزت الخط فقالت هاجر التي كانت تستمع لكل ما ُيقال
بجانبها :
_ لا أعرف لمَ أشعر أنك تخبئ أمراً علّي يا عزت..
_ ليس لك دخل بهذا الأمر.. اهتمي بولدك..
_ وكيف لا أتدخل؟!.. انظر يا عزت.. نحن يمكننا تحمل الجوع
والفقر لكننا لن نتحمل نار جهنم.. إياك والحرام..
لا ينكر ان جملتها الأخيرة هزت شيئاً بداخله ، ولكنه نظر إلى "حمزه" الصغير وهي تحمله.. لا يريده ان يرى ما رآه من عذاب وذل طوال حياته؛ لذا قال بلهجته القاسية :
_ اصمتي يا امرأة.. لا أريد أن اسمع صوتك..
نظرت اليه قليلا فأشاح وجهه بعيدا عن نظراتها تلك، اخذت تربت
على ظهر ولدها بحنان داعية ربها ألا يقوم زوجها بأي شيء مما
تخشاه..
                                       & & &
كان جلال عامر جالساً على كرسي مكتبه فى مواجهة طارق.. شاب ثري من عائلة رفيعة المستوى، لديه اكثر من شركة للسياحة وهذا
اكثر ما شجع جلال عامر لمشاركته، طبعه كالبحر تماما.. يعشق
الزيادة ويا حبذا لو كانت الزيادة فى المال!.. ،ابتسم جلال عامر
قائلا :
_ سيكون هنا بغضون ساعات..
بادله طارق الابتسامة :
_ آمل أن يتم ما شيء بدقة..
_ لا تقلق.. عزت يفهم جيدا ما عليه فعله..
_ هل انت واثق بهذا الرجل.. ؟
_ لو لم أكن واثقاً به.. لكان بعيدا عما ننوي فعله..
_ أخشى أن يفضح أمرنا بعد ذلك.. أو يطمع بمزيد من الأموال..
_ لا داعي للقلق.. لست مرحباً للثرثرة.. ولو حاول فعل ذلك.. لن تسمع له نفساً بعد انتهاء الأمر..
_ ما الذي يجعلك واثقاً بهذا الشكل..؟!
_ لأنني.. لم أرى يوما أمواتاً يتحدثون..
نظر إليه طارق قليلا ثم قال :
_ أتقصد انك... ؟!
قاطعه جلال عامر :
_ أنا؟!.. وما دخلي أنا؟!.. انه القضاء والقدر.. حادث سير لشاب
مجهول الهوية، هرب سائق السيارة التي لم يكن معلقاً عليها لوحة أرقام.. وجاري البحث عن صاحب السيارة الهارب.. وفي النهاية
ُتسجل القضية ضد مجهول.. قضاء وقدر..
نظر اليه طارق قليلا، ثم قال فاهماً قصده :
_ ألن يكون ذلك خطيراً؟
صمت الآخر قليلا ثم قال بثقة :
_ أنت مع جلال عامر.. لا يوجد مجال للخطر.. وافهم قلقك كونه
تعاملك الأول معي..
هز طارق رأسه متفهماً، ثم قال :
_ جيد.. وأرجو ألا يكون الأخير..
ابتسم له جلال عامر فابتسم هو أيضا
                                    & & &
فتح احد الخدم الباب ؛ فنهض مراد مرحباً بعزت وزوجته ومعهما
طفلهما :
_ أهلا بكم يا جماعة..
تبادلوا السؤال عن الأحوال والحمد قبل أن تسأل هاجر عن أمينة ،
شرح لها مراد مكان غرفتها فصعدت إليها بينما بقي عزت معه،
كانت أمينة تقرأ وردها القرآني بعد صلاة الظهر حينما دقت هاجر
على الباب، فقالت بعدما صَدَّقْت القرآن الكريم :
_ تفضل..
ثم قبلتالمصحف الشريف ووضعته في خزانتها، وبعدها صاحت
بفرحة عارمة :
_ هاجر!!
أقبلت هاجر عليها بفرحة مماثلة بينما نهضت أمينة من جلستها
مسرعة، وسمعتها تقول :
_ كيف حالك يا أمينة..؟
قبلت أمينة خديها، ثم قالت :
_ أنا بخير.. وأنت؟.. وهذا الملاك الصغير؟.. كيف حالكما.. ؟
قالت هاجر وهي تجلس معها على الاريكة :
_ نحن بخير.. ولكن الحياة بدونك كئيبة جدا.. أشعر بالوحدة بدونك
قالت أمينة بوجه عابس :
_ وانا أيضا..
ساد الصمت قليلا، ثم سألت :
_ و.. عزت؟
ابتسمت لها هاجر :
_ هو أيضا بخير.. يجلس بالأسفل مع مراد
صمتت أمينة مرة أخرى، شاردة تفكر ان كان سأل عنها ام لا..،
ابتسمت هاجر ثم قالت،؛ لتخرجها من شرودها :
_ كيف حالك مع زوجك..؟
للحظة كانت ستقول لهاجر كل شيء، لكنها تراجعت فهي لا تود ان
تُدخل الهم إلى قلبها أو تُشغل بالها؛ فقالت بابتسامة :
_ بخير..
_ حقاً.. ؟
_بالتأكيد هاجر.. اظن ان ما أعيشه افضل من الماضي بكثير.. دعك
مني وأخبريني عنك.. ألا يزال عزت يعاملكِ بقسوة..؟
سكتت هاجر فبدا على وجهها ما تحاول إخفاءه ؛ فقالت أمينة :
_ كنت اعرف.. مهما حدث لن يتغير..
_ لقد اعتدت طباعه ولكن ما ُيخيفني حقا تصرفاته هذه الأيام..
وعمله مع جلال بيك.. أشعر أنه ُيخبئ أمراً علي ..
_ أي أمر ؟!
_ لا أعرف.. حديثه مع جلال بيك حول العمل.. به شيء من الغموض..
تنهدت أمينة قائلة :
_ أخشى أن يفعل شيء يؤذي به نفسه..
_ هذا أشد ما ُيخيفني يا أمينة..
قالت أمينة؛ لتخفيف قلقها :
_ لا تقلقي.. صحيح أن عزت عصبي.. لكنه لن يفكر في فعل شيء
يسبب له أو لكما الضرر.. والآن اعطيني هذا الولد الصغير..
أخذت أمينة منها الطفل، وأخذت تجاكره وتداعبه، بينما كانت
أفكارها مشوشة.. وشيء بداخلها يجعلها قلقة مما يحمله لها
المستقبل..
                                  & & &
مضى بعض الوقت ثم نزلتا أمينة وهاجر إلى الأسفل، كان عزت
وحده فتقدمت أمينة ؛ لتسلم عليه فقال لها :
_ ما كل هذه الفخامة يا أمينة؟ .. يبدو أن مراد يُدللكِ كثيرا..
تكلفت الابتسام وهي تقول :
_ أليس هذا ما كنت تريده؟.. كيف حالك يا أخي؟
_ انا بخير..
اكمل وكأنه يحدث نفسه :
_ آه منك يا مراد.. هذا الشاب لا يعرف أنه اذا كَُثَر دلال المرأة.. تفسد وتصبح غير صالحة..
تجاهلت أمينة حديثه، ونظرت إليها هاجر بقلق فقالت؛ كي تخرج
زوجها من حديثه المؤذِ:
_ أين ذهب نسيبك يا عزت؟
_ جاءته مكالمة منذ لحظات سينهيها ويعود..
توجه بالحديث إلى أمينة قائلا :
_ أخبريني أيتها الفتاة.. كيف حالك مع زوجك؟.. أرجو ألا تكوني قد ضايقتهِ بفلسفتكِ الفارغة في الحياة..
نظرت إليه أمينة وهي تكبح غيظها ولم تجبه في البداية، ثم أجبرت نفسها على أن تقول :
_ لا تقلق.. كل شيء على ما يرام بيننا..
نظر إليها ثم قال؛ لانه اكثر من يعرف عنادها :
_ هذا ما ارجوه.. لأنه إذا شكى منك يوماً .. سأدق عنقك افهمت؟..
لمع الغضب في عين أمينة، ولكن نظرات هاجر هي ما منعتها من
ردها عليه، استطرد يقول :
_ أريدك أن تكوني طوع ارادته.. ولا تزعجينه برأسك اليابسة تلك.. صحيح!.. وتلك الجامعة التافهة.. لا أجد لها داعٍ على الأقل سجلي في جامعة محترمة.. وحتى الدراسة بأكملها.. أنت الآن زوجة مراد
عامر.. فماذا ستريدين اكثر..؟.. انا سأتحدث معه في هذا الأمر..
لم تستطع أمينة كبح نفسها، فقالت محاولة الحفاظ على هدوءها :
_ اريد ان احقق أحلامي..
_ ماذا قلت؟!
أعادت عليه قولها والغضب يملء صوتها :
_ اريد ان احقق أحلامي..
_ أي احلام هذه التي تريدين تحقيقها؟!.. تلك الرسومات الغبية التي ترسمينها ومكنة الخياطة التي تقبعين عليها ليلا ونهارا..! ؟
_ انها ليست رسومات غبية..
_ بل هي كذلك.. ما الذي ستستفيدينه منها؟!..على آخر الزمن..
اختي تصبح خياطة؟!
_ لكن هذا لم يكن اتفاقنا يا عزت!
_ عن أي اتفاق تتحدثين؟!.. انت الآن زوجة مراد عامر هل انت مدركة؟ .. لا تفعلي أشياء مخجلة كهذه..
اجابته أمينة بغضب :
_ ما تريد أنت؟!.. طلبت مني أن اتزوج مراد مقابل ان تتركني أكمل تعليمي.. وفعلت.. والآن تطلب مني أن اترك تعليمي..؟!
_ و بماذا ستفيدك هذه الأمور؟.. تعليم وأحلام؟!.. لقد أصبح لديك المال.. تمتعي بحياتك ودعي هذه التفاهات من رأسك..
_ عذراً يا عزت.. لن اترك تعليمي لأجل أي أحد.. ولست مضطرة لأن افعل ما تريده بعد الآن.. ولن اسمح لأحد أن يفرض أي شيء علي..
عزت عصبي ويرى الحياة من منظوره الخاص، وامينة عنيدة كارهة للتحكم لهذا اي مناقشة بينهما تصل ببساطة لشجار قوي، فقال لها بغضب كالنار :
_ ومن أنت كي تسمحين أو لا تسمحين؟! .. لا تنسي نفسك وأنت تتحدثين معي أيتها الفتاة.. ولا ترفعي صوتك في وجههي وإلا فلن أرحمك..
_ وانا لم أعد خائفة منك.. ولن اسمح لك أو لغيرك أن يمنعني عن تنفيذ أحلامي.. ونصيحة مني لا تعطي وعوداً مرة أخرى وانت لا تستطيع الوفاء بها..
_ أنت قليلة حياء..
تملك الغضب من عزت وهو يقول هذه الجملة، فرفع يده؛ ليصفعها، فأخفضت وجهها وأغمضت عينيها متوقعة وقوع صفعة قوية على خدها،ازدادت ضربات قلبها من الخوف الذي جاهدت أن تخبئة
ولكنها بعد لحظات فتحت عينيها باستغراب وهي ترى يد مراد الممسكة بيد عزت، ورأت ظهره العريض يتوسط بينها وبين شقيقها فابتعدت؛ لتقف بجانب هاجر التي كانت واضعة يدها على فمها واليد الأخرى حاملة وليدها الصغير لتضمه إلى صدرها، استطاعت
أمينة ان ترى وجه مراد الغاضب وهو يقول بهدوء مصتنع :
_ ماذا تفعل يا عزت؟.. أكنت ستضرب زوجتي؟!
ً_ زوجتك لم تعد تعرف شيئاً عن الأدب.. وأظن أن دلالك السبب في إفسادها..
_ أياً كان السبب.. ليس لك الحق بأن ترفع يدك عليها.. انا لا اسمح بأن يتعرض أي أحد للإهانة وخاصة زوجتي..
سمعته صاحبتنا يقول هذا فشعرت بشيء من الأمان، قال عزت بغضب :
_ أحذرك يا مراد.. لا تتعامل معها بهذه الطريقة؛ حتى لا تجد نفسك بلا قيمة أمامها..
_ هذا شيء خاص بيني وبينها.. وقيمتي احصل عليها باحترامها وليس بخوفها مني..
_ أتعلم ؟ لقد كنت مخطئاً حينما فكرت في صورتك أمام الناس..إذا فعلت ما تسميه أحلامها..
_ لا تهمني صورتي أمام الناس ولا يهمني أحد.. ما دمت راضٍ عما أفعله.. وأحلامها.. أشياء أقدرها وسأظل بجانبها حتى تحققها بالكامل.. ومرة أخرى لا تتدخل في أمور زوجتي.. ولا تجرؤ على رفع يدك عليها.. وإذا فعلت ذلك يوماً.. أقسم أنني لن أرحمك ولن أرحم أي أحد يؤذيها..
_ أتهددني.. ؟!
_ عفواً.. أنا أخبرك فقط بما يمكنني أن أفعله.. والفتاة التي كانت في بيتك أصبحت الآن زوجتي .. وكرامتها من كرامتي..
ثم ابتسم وقال :
_ أرجو أن تكون فهمتني..
هز عزت رأسه بضيق ثم قال :
_ أجل.. لقد فهمتك يا نسيبي ..
نظر إلى أمينة بغضب فأبعدت عينيها عنه، ثم قال لزوجته التي كانت حزينة مما يحدث :
_ هيا يا هاجر لنذهب..؛ فأنا لدي مشاغل كثيرة..
قال مراد بابتسامة :
_ مازال الوقت باكرا..
قال ناظرا إليه والغضب يتلألئ في عينيه :
_ لا.. يجب أن نذهب الآن.. إلى اللقاء يا نسيبي..
نظر عزت إلى أمينة التي لازالت باعدة نظراتها عنه، ولكنها في النهاية اصتدمت بنظراته الغاضبة، فشعرت بالخوف والحزن؛ لأن هذا يحدث بينها وبين شقيقها الوحيد ، خرج عزت وأسرعت هاجر؛ لتلحق به ولكنها توقفت قائلة لهما :
_ انا آسفة على كل ما حدث.. أرجوكما لا تؤاخذونا..
_ ليس عليكِ أن تعتذري على شيء لم تفعليه.. ونحن نتفهم أمرك..
قالها مراد، قبل أن تقول هاجر بحرج :
_ عن اذنكما..سأهاتفك يا أمينة..
نظر مراد إلى أمينة التي جلست على الاريكة، واضعة يدها على رأسها تغمض عينيها بإرهاق؛ فقال وهو يجلس بجوارها :
_ أمينة..
صمت لعدة لحظات، ثم قال :
_ اعرف انه لم يكن علّي التعامل مع عزت بهذه الطريقة.. لكنني لم أستطع رؤيته يرفع يده علي ِك واقف ثابتاً.. فالرجل لا يكون رجلاً حينما يتظاهر بقوته ورجولته على امرأة ليضربها..!
رفعت نظراتها إليه، ثم اخفضتهما قائلة :
_ لا أعرف لماذا يفعل هذا بنا !..من أين أتى بهذه القسوة؟!.. لقد كان أبي كالملاك بيننا، لم يهن والدتي يوما.. وكانت أمي تحبه كثيرا.. ولكن عزت!.. لمَ أصبح قاسياً لهذه الدرجة؟!
أوجعه انكسارها ولا إرادياً أمسك يدها بيديه قائلا بنعومة :
_ لم يعد عليكِ تحمل قسوته مرة أخرى.. كفاكِ تحملاً..
نظرت إليه أمينة قائلة بامتنان وهي تجاهد ألا تطلق العنان لدموعها لتنزلق :
_ شكرا لك..
_ لا تشكريني مرة أخرى.. كون زواجنا صورياً.. لا يمنع أن يكون لك حقوقاً عندي.. وهي ألا أدع اي أحد يهينك..
لم تعد أمينة قادرة على حبس دموعها اكثر؛ فانزلقت دموعها بشدة
وهي تقول :
_ أنا.. لا أدري ماذا علي أن أقول.. أو ماذا علي أن أفعل..؟!
وضعت يدها على عينيها مرة أخرى، في هذه اللحظة شعر مراد بغصة في قلبه وتمني ان ُينسيها كل ما رأته في حياتها، قال ممسكاً يدها بقوة وبنبرة حنونة :
_ لا تقولي أو تفعلي شيئاً الآن .. ولكن فيما بعد عليك أن تتخطى كل ذلك لكي تتمكني من تحقيق أحلامك..وانا أثق أنك ستحققينها..
جففت دموعها، ثم قالت ببراءة :
_ حقا؟!
تأمل ملامحها البريئة كالاطفال، ثم ابتسم ببشاشة :
_ طبعاً !.. شئت ام أبيت رغم أنفك وأنفي..
قال آخر الكلمات بطريقة مضحكة مما جعلها تبتسم، فقال :
_ هيا.. هذه هي الفتاة التي اعرفها.. لا تستسلم بسهولة..
أردف بنظرة مشاكسة :
_ وأرجو أن تكوني هكذا معي.. فأنا أفضل الفتاة العنيدة..
سحبت يدها من يده قائلة :
_ لست عنيدة فحسب وخطيرة إذا تطلب الأمر..
_ وأنا جاهز للحرب في أي وقت يا صغيرتي..
_ صغيرتك؟!.. لست صغيرة لتنعتني بهذا الاسم..!
_ لا تنسى أنني اكبرك بعدة أعوام.. كما أنني أرى أن هذا الاسم يناسبك.. فأنت مهما كبرت ستظلين صغيرة في عيني..
شعرت بأشياء تحدث بداخلها مما يقوله، فصاحت تقول لنفسها أن مراد عامر خطر داهم !..؛ لقد استطاع أن يقوم بتحريك قلبها وترك في نفسها أثراً عميقاً، وهذا مالم تكن تنوي أن يحدث معها فقالت :
_ أنا جائعة.. سأحضر الغداء مع الخالة سعاد..
قال وهو يراها تهرب كعادتها ! :
_ انتبهي إلى خطواتك السريعة يا صغيرتي.. حتى لا تقعين ؛ فأنا لست على استعداد لحمل أحد اليوم..
جعلها تبتسم وهي تختفي داخلة المطبخ، بينما فكر في حياتها التي قضتها مع عزت.. كيف تحملت قساوته عليها واهانته لها؟!، يعدها
بداخله ألا ُيبكيها يوماً أو يحزنها حتى ولو انتهي الأمر بينهما بطلاق ستبقى لها مكانة لا تخص أحداً غيرها..!
                           & & &
ً

!                           & & &ً

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
هي وابن الأكابر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن