تَوبة شَيطَان: قصة دون تفاصيل.

2 0 0
                                    


البكاء عادة قديمة لكنها تجدي نفعًا، والرقص عادة جديدة تنسيكِ ألمًا، أنتِ سيدة نفسكِ، جربي كل ما تريدين، وإن كان شنّ الحرب.

_____________°

بخيوط مائية على خديها، ونظرة خذلان في عينيها، وقفت شامخة أمامه وهو جالس عكس انهيار دواخلها، ذنبها أنها تحاول تطبيق مقولة لكل قاعدة شواذ في حياته، لكنها نسيت أنه القاعدة التي لا شواذ لها، وأنه الجماد الذي لا قالب يشكّله، حاولت أن تجعل اليوم مميزا وأن تحتفل بذكرى ميلاده، ظنّت أنه سيقبل ويجاريها لأنها هي، هو مسخ من حميم، وهي تعلم وتوافق، هي تعلم أنه لا أحد في حياته مهم لدرجة التضحية، لكنه الشخص الأوحد الذي يجعلها تظن بتصرفاته وأقواله أنها البياض الوحيد وسط سواده الذي قد يفنى ولا يتخلى عنه، لكن رفع التوقعات لشخصيته يعود بسقوط هذه الأخيرة على رأسها. غادرته تصعد بشموخ امرأة، وداخلها يئنّ كطفل محموم.

لا يعي سوى تلك الذكريات التي جعلته يتقهقر جالسا على الكرسي ورائه مش شدة الظغط في رأسه، لا يتحمل كل هذا، إنه يعيش اليوم بكل حذافيره تانية، هي السبب، لا ليست هي، هي النقاء، هي الحياة بعد الموت، هي همها أن تجعله مبتسما طبيعيا. لا تعلم أنها كأرنب أبيض صغير تاه وسط أدغال حالكة، ذلك الأرنب يظن أن بياضه قادر على تبديد ظلمة الأدغال، آخر مرة حاولت أن تدخله عالم البشر انتهى بها الأمر مدمية العنق منه، ماضيه سيدمرها لوحدها لأنه; سلفا مدمر، مستقبله مجهول معها ومعلوم في الجحيم بدونها، ذات يوم حينما كانت ستدركه منية غيابها أقسم بدماء شياطين الجحيم السبع أنه سيعري نفسه أمامها إما تبقى لشيطان أو تهرب من شيطان، تكلم وحكى وقص كل فاصلة ونقطة في حياته، لم تصدقه وزارها عدم الإدراك بما يقول، لكنها لم تهرب، لم تشمئز، عانقته وقالت له بينما تمسح على ضهره: أنا هنا لأنني الحاضر والمستقبل، وأنت هنا لأن الماضي جعلك حاضري ومستقبلي، إن لم نتخطى ماضينا، فلا حاضر ولا مستقبل لنا.

وعلى إثر اشتياق خلاياه للشعور بتدفق الدماء في شرايينها رفع رأسه الذي كان يحميه متوسطا كفاه لمكانها، خلو مكانها جعل الفراغ يضرب بروحه، آيا ويلتى قلب قاد بشعفها، نهض بتعب جزيئات جسده من تلاطم ألم الذكريات يتوجه نحو الدرج يصعده كـكهل في كبره.
شرفة الغرفة التي امتدت على طول الجدار الزجاجي كانت تُظهر له منظرها منزوية تضم بين ذراعيها ركبتاها، شاردة تضع خدها عليهما، بينما الستائر البيضاء تتموج من حولها، منظر قد يجعل الجحيم باردًا لأجل أن يراه كل لحظة، إقترب منها يجلس مقرفصا يقابل وجهها الذي احتضنته بضع شعيرات من فرعها، خدها مبلل، عيناها يحاوطها احمرار طفيف، إنها ساحرة في كل حالاتها، ليست للتعب، إنها للتأمل والتقديس.

بنبرة خافتة ناداها ويده اتجهت لوجنتها تناشد نعيم قربها، لم تجبه بل، ابتعدت عن مرمى كفه بفزع حينما أدركت وجوده حولها، ابتعدت تزحف للجانب الآخر كأنها، كأنها خائفة، تكسرت روحه، خبّت نيران قوته، من تباهت صباح اليوم بأن لا أمان بعده أتت مساء لتخلف تباهيها، هو لم يفعل شيء يؤذيها غير الصراخ صحيح؟!.

وعند هذه الفكرة لغى عقله وتملكه طيف الرعب عليها، اقترب منها شاحب الوجه فزعا يأخذ بذراعها يزيحها تجاهه، جعلها تتوسط قدماه بينما يتفقدها بلهفة عاشق ورعب أب، مرت يداه على كل جسمها يتحسس أمانها وخلو جسدها من ألم، لكن تجمدت شرايين قلبه عندها أتاه صوت متألم منها حينما أصبحت يده على خصرها، رفع قماش قميصها الحريري برجفة أصابع، لتُلغي رئتاه رخصة عملهما حينما رأى كدمة زرقاء بمحيط بنفسجي هناك، لقد أذاها، مرة أخرى، لم يستطع حمايتها، رفع رأسه لها بعين تلألأت ذنبا، لو أن أحد من تسبب في ألمها لجعله يقف على أعتاب الجنة ثم أطلق عليه شياطين الجحيم، ولكنه المتسبب، جريمته لا عقاب لها لأن الجريمة هذه عقاب بحد ذاته، كفيّها الصغيرين المرتعشين بردًا وخوفا تموضعا على فكيّه حينما رأت عيونه حالت للونها القرمزي، أمال رأسه يحتضنها بعيناه قبل يداه، نفت برأسها له ولازالت دموع خيبتها منه لم تجف.

خرج صوتها يخاطب القاتل فيه بنبرة مرتعدة : ليس أنت كارليدافين أقسم لك ليس أنت، حسنا؟!، ابقى معي، أنت لم تؤذني بتاتا إنها من الطاولة صباحا، وقعت علي، أقسم لك ليس أنت، ليس هذه المرة.

الطريقة التي تهدأ بها عروقه عن ضخ الدم، والطريقة التي يحس بروحه تطوف بين السحاب، لايشعرها إلا حينما تكلم الشيطان الذي داخله وتظهر أنها تحبه مع كل ذلك، لقد أحيت روحه حينما كانت تتكلم وقد لامست جبينه بجبينها قبل أن تقتله بآخر جملة وهي تستبدل شفاهها بجبينها هناك، شهقة ختمت بها كلامها أعربت له أنها لم تنسى، كما لم ينسى، هي تحبه ويعرف أنها ليست مجبرة عليه، ويعرف أنها سامحته، لكن هذا ما لم يتقبله، لم يتقبل أن تكون هي، لم يستطع أن يتخطى حلمه، لازال يشعر أنه في حلم، رغم أن مايفعله خارجا أبعد من أن يكون كابوس مسوخ حتى. بنبرة تعرفها، تعرف منها أنه متعب، منهك الروح من ذنوبه، قال يضع جبينه على كتفها وقد عاد البُني إلى عينيه بينما يداه اشتدت حول خصرها تضمها لروحه :
أنا وغد، لكن بمن خلق الجحيم وجعلني أحد مُلوكه إني أتوب فيك.

:أنت وغد، لكنك الوغد الذي أحب خَطاياه.

ردها كان بنبرة مزهرة لروحه، إنها تعرف التعامل مع الشيطان داخله لترجعه قسيسا يحفظ عهود هيامها، إنها ملكة أحد ملوك الجحيم، لكن صادف أنها ملاك.

تَوبة شيطَان.
شيماء السرغيني.

حينما تصَاعدت نيران السعير تُرحّب بقدوم ملكِ مُلوكه، تطايرات الفراشات البيضاء تُعلِن عن ولادة مِلكة ملائكة تنازلت عن منصبها لتكون، تَوبة شَيطان

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 29 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

تَوبة شَيطَان: قصة دون تفاصيل.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن