المسامحةُ لا تعني فقدان الذّاكرة، فليسَ كُلُّ مَن سامحكَ نسيَ ذُنوبَك.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.في غُرفةٍ واسعةٍ تضمُّ مائدةً عائليَّةً مرَّت عليها سنينٌ طويلةٌ لكنَّ خشبَها الدّاكن كانَ قويًّا بما يكفي ليطولَ حُضوره، وتحت سقفٍ تحتضنهُ الثُريَّا الكبيرة المرصَّعة بمعدنٍ ذهبيِّ اللَّونِ وتشعُّ بالفخامةِ وشموعُها تحترقُ ثراءً، اجتمعت العائِلَةُ تحتَ سقفٍ واحدٍ وعلى مائِدةٍ واحِدة، عَدا عن استثناءٍ وَحيد، كان هو.
وبالمقابل كان هُناكَ استثناءٌ آخر، كانَت هي.كانَت تجلسُ إلى جوارِ شَقيقَتِهِ والارتباكُ يحتَلُّ كلَّ خليَّةٍ في جَسدِها بسببِ أزواجِ العيونِ التي كانت تحدِّقُ بِها بفضولٍ شَديد، لكنَّ عيونًا وَحيدَةً كانت ترتبكُ بسببِها...
كانَت تنظُرُ إليها تارَّةً ثُمَّ تعودُ ببصرِها إلى أصابعِها تفركُها في حضنِها أسفلَ المائِدةِ بعيدًا عن العيونِ المتفحّصةِ التي تُحيطُ بِها.كانَتا تُشبِهانِ عينيه، لكنَّ هُناكَ ما لا تستطيعُ تمييزَهُ يجعَلُ من عينيهِ مختلفتينِ أكثَر...
هي أدركت أنَّ هذا الذي يُحدِّقُ بِها بهدوءٍ بمقلتيهِ الزرقاوتينِ هو ملكُ بِرنادوت...بل والدُه!
وكذلكَ الأمرُ مع شَقيقَتِهِ، استطاعت تخمينَ كونها شَقيقَته بمجرَّدِ النَّظرِ في زرقاوتيها اللتان تُشبهان خاصَّتيه.
والامرُ كذلك كانَ مع ذلكَ الذي يجلسُ بهدوءٍ على الكرسيِّ المقابلٍ لها، هو من المُمكنِ أن يكونَ شقيقه...بل لعلَّهُ كذلكَ بالفِعل!"هيلينا...يا فَتاة"
ارتفعت عسليّتاها باتّجاه آريا التي تجلسُ إلى جوارِها حالَما نطقَت اسمَها بصوتٍ هامِس، وما إن لاحظت آريا تركيزَ الفَتاةِ عَليها نَبَسَت:
"ما خَطبُكِ؟ تبدينَ متوَتِّرَةً حَدَّ الإغماء، وأنا مُتأكِّدَةً أنني لستُ الوَحيدَةَ التي استطاعَت مُلاحَظَةَ ذَلِك...استَرخي قليلًا فلا أحد من هذهِ الأُسودِ الجائِعَةِ يَنوي تركَ طَعامِهِ والتِهامك"فلتَت من ثُغرِ هيلينا ابتِسامَةٌ عوجاءُ وبلهاء، فَما كانَ سَيُفلتُ مِنها كانَ سَيكونُ أكثر من مُجَرَّدِ ابتِسامَةٍ غَبِيَّة...كانَت سَتُفلِتُ ضحكةً قَد تسمَعُها أُختُها ووالدتُها اللتانِ تعيشان في آخرِ بُقعةٍ في كاليدونيا...لكنَّها كبحَت جَماحَ تِلكَ الضِحكَةِ التي كانَت ستجلِبُ الأنظارَ نحوها أكثر...وبشكلٍ أسوء!
بعد أن اومِأت برأسِها كي تمنحَ آريا رَدًّا على كلماتِها، عادَت برأسِها نحوَ حِضنِها تُنكِسُ رأسَها تَتلاعَبُ بأصابِعِ يَديها أسفلَ الطّاولةِ بعيدًا عن العيون، وفي تلكَ الأثناءِ عادَ الارتِباكُ يَغزوها رُويدًا رُويدًا....فَقَضَمت شَفتيها تُسدِلُ ستارِ جِفنيها عَلى حَدقتيها مُعتَذِرةً لآريا في نفسِها على كلماتِها التي كان من المفترضِ بِها أن تُشجِّعَها ولكن ها هي الآنَ تَذهَبُ أدراجَ الرّياح!
أنت تقرأ
آسِر||Asser
Romanceهِيَ وَقَفَتْ بَعيدًا تُراقِبُهُ بينَما يَمسحُ على رأسِ حِصانِهِ وشفتاهُ تَنسِجُ كلماتٍ لَمْ تَصِلْها بِسَببِ صوتِ المَطَرْ. ثُمَّ ما هِيَ إلّا ثوانٍ حتى التقت عسليّتاها بزرقاوَتَيهِ المُشِعَّتانِ في الظَّلامْ، نظراتٌ مُستَنكِرَةٌ مِنهُ وَنَظَراتٌ م...