03

25 0 0
                                    

فلاش باك ماري

فتحت ماري عينيها لتجد نفسها في غرفة بيضاء معقمة، أشبه بغرفة من غرف المستشفى. كانت الأضواء الساطعة فوقها تتراقص كأنها تحاول اختراق ظلمة أفكارها، بينما كان صوت أجهزة المراقبة الطبية يملأ المكان بإيقاع منتظم، وكأنه يردد دقات قلبها المضطرب.

شعرت بألم حاد في رأسها وكأنها قد تعرضت لضغوطات تفوق قدرتها على التحمل. حاولت الجلوس، لكن الألم أجبرها على الاستلقاء مجددًا، وبدت حياتها السابقة كحلم بعيد يبتعد كلما اقتربت منه.

"ماري، أنتِ مستيقظة..." جاء صوت والدتها، بدا صوتها مكسورا قليلا على غرار البرودة المعتادة فيه.

عندما حولت ماري النهوض و رفع رأسها ببطء، رأت والدتها واقفة بالقرب منها، وجهها يعكس مزيجًا من الراحة والقلق. كان والدها أيضًا هناك، يحاول أن يبدو قويًا لكنه لم يستطع إخفاء التوتر الذي كان يعتريه.

"ماذا حدث؟" سألته ماري بصوت خافت، مثل همسة تُسرّ بها لنفسها، وكأنها تخشى أن يؤذيها السؤال.

"لقد وقع لك حادث،" قال والدها، محاولًا الحفاظ على هدوء صوته، رغم أن نبرة القلق كانت واضحة. "صدمتِ بسيارة. كنتِ فاقدة الوعي لبعض الوقت."

أغمضت ماري عينيها محاولةً استيعاب تلك الكلمات. حادث؟ كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ كان كل شيء غير واضح، وكأن ذكرياتها تتلاشى أمام عينيها. حاولت أن تسترجع أي شيء عن حياتها، لكن كانت تلك الذكريات وكأنها قطع أحجية مبعثرة.

أقبلت الطبيبة، وتحركت بجوار والدتها، وبدأت تتحدث عن حالتها. لم تستطع ماري التركيز على كلماتها، كان عقلها غارقًا في الفوضى. شعرت بوجود جرح عميق في داخلها، جرح لم تستطع تحديد طبيعته.

ثم، ولأول مرة، دخل كلاوس الغرفة. كان هناك قلق واضح على ملامحه، وعندما التقت عينيه بعيني ماري، شعرت بشيء غير مألوف. "ماري..." همس اسمها وكأنها لم تكن موجودة من قبل.

"هل تعرفينه يا ماري؟" سألتها والدتها، موجهةً نظرها نحو ماري، وكأنها تبحث عن إجابة.

"لا،" ردت ماري بصوت خافت، وكانت الصدمة تتجلى على وجهها. "لا أستطيع تذكره. من هو؟"

بدى الألم و الإحباط جليا على وجوههم من إجابتها. "هل يفترض بي معرفة من يكون؟"

تقدم كلاوس خطوة إلى الأمام، وكأن الكلمة التي سوف ينطقها ستغير مجرى الأحداث. "ماري، أنا كلاوس، خطيبك."

تجمدت ماري للحظة، وكأن الكلمات كانت تتردد في ذهنها. "خطيب؟ لا أنا ليس لدي خطيب، أ..أنا لست مخطوبة، أمي من يكون هذا الرجل لماذا لا أتذكره؟"

هنا سقط خبر فقدان ذاكرتها كالصاعقة عليها...

كان كلاوس يحاول أن يبدو قويًا، لكن ملامحه كانت تعكس الألم. "لقد مررتِ بالكثير" قال ببطء، محاولًا أن يكون لطيفًا، ثم واصل كلماته قائلا: "شفاؤك هو الأهم بالنسبة إلي. سنواجه كل شيء معًا، خطوة بخطوة."

كان قلب ماري ينفطر، وكأنها كانت في دائرة مغلقة لا تستطيع الخروج منها. كيف يمكن أن تكون مخطوبة مع شخص لا تعرفه و لا تتذكره حتى؟

بعد خروجها من المستشفى، وجدت نفسها في منزل والديها. كانت الغرفة مظلمة قليلاً، وأصوات الليل تتسلل من النوافذ المفتوحة. رغم أنها لم تشعر أبدا بالأمان في بيت والديها إلا أنها شعرت به في غرفتها، لكن تلك الراحة لم تكن كافية لتسكن قلقها. كيف يمكن أن تعيش بقية حياتها مع شخص لا تتذكره؟

أحست بأنها عالقة في زنزانة من الضياع، محاطة بأهلها الذين لا يحبونها و لا يعرفون حتى عمق الألم الذي تشعر به. كيف يمكن لوالديها أن يتوقعا منها الانتقال للعيش مع شخص غريب؟

في صباح اليوم التالي، جلست والدتها معها، وجهها يمزج بين القلق والحزم. "ماري، هناك شيء يجب أن نتحدث عنه،" بدأت والدتها الكلام بحزم: "ستنتقلين للعيش مع كلاوس اليوم. هذا ما اتفقنا عليه و ما هو الأفضل لك الآن."

اتسعت عيون ماري بصدمة. "ماذا؟ لا، لا أستطيع الذهاب معه. أنا لا أعرفه، وما زلت أحاول فهم ما يحدث لي، بالأضافة إلى ذلك من هم "نحن" أنا لم يتم إعلامي بالأمر و لا تمت استشارتي"

تجهم وجه والدتها لكنها بقيت ثابتة. "ماري، لقد ناقشنا الأمر مع كلاوس. هذا ما هو الأفضل. تحتاجين إلى الاستقرار، وكلاوس يمكنه توفير ذلك. ستعيشين معه الآن."

قوبلت احتجاجات ماري بصمت حازم من والدتها، وبالرغم من مقاومتها، وجدت نفسها مغادرة بحقيبتها المحزومة من طرف والدتها مسبقا. ساعدها والداها في الانتقال إلى السيارة، ومع قلب مليء بالحزن، ودعتهم.

بينما كانت السيارة في طريقها إلى منزل كلاوس، كانت ماري في حالة من التوتر والحزن والارتباك. تداخلت الأفكار في ذهنها، والأحداث كانت غير واضحة. شعرت بأنها اقتلعت من حياتها، أحلامها، وإحساسها بذاتها، وكان هذا عبئاً لا يُحتمل.

جلست في المقعد الخلفي، مستندة إلى جانب المقعد، وكانت يدها تتشبث بالحافة. لم تستطع التخلص من شعورها بالانفصال عن حياتها السابقة، وعن الرجل الذي سيتعين عليها العيش معه. كانت رحلة السيارة طويلة، ومع كل ميل تزداد مشاعرها بالعزلة.

استمرت السيارة في طريقها، وكلما تقدموا في المسافة، أصبحت مشاعرها أكثر شدة. أخذت تتنفس بعمق، محاولة تهدئة العاصفة بداخلها، ولكن عدم اليقين حول ما ينتظرها جعلها تشعر بالقلق المتزايد.

مع مرور الوقت، كان أملها في أن يتضح الأمر وأن تجد طريقها في الحياة الجديدة التي فرضت عليها.

مؤامرة زهرة الربيع || The Primrose Conspiracyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن