تعليقاتكم على الفقرات وتوقعاتكم لما سيحدث تدفعني للكتابة أسرع، فلا تبخلوا بها عليَّ ~
---------------
«سل الليل الأدهم عن مؤنسه ... لا ينسى الليل صديقًا مؤنسا»
تتشابه أيامه في وتيرتها، تمضي على نمطٍ ثابتٍ قليل التغيُّر، وحدها زيارات حمزة المتواترة تضفي عليها بهجة وضياءً، لم ينسَه بعد هروبه واختبائه، جاءه مرة أخرى كي يجلي همه ويقضي معه وقته في حديث لطيف هدَّأ قلب فارسٍ الذي اضطرب عند رؤية حمزة قادمًا مرة أخرى.
ومصدر راحته ووقود صبره. فوحده من يُعامله كبشريٍ طبيعي لا كعلقة ضارة تبعث التقزز، ووحده من بين هذا الجمع كله من يستطيع الحديث معه وهو على طبيعته بلا خوفِ أو حذر. فبات يترقب عودته بشوقٍ ويعدُّ الأيام لها ويضيق صدره إن تأخَّر عليه.
حمل مشتريات رجلٍ قد ابتاع الكثير فوزَّعه بينه وبين فارس كي يعينه، مشى خلفه إلى أن أدركا سيارته فساعده فارسٌ في صف الأشياء ثُمَّ تسلَّم أجرته وغادر عائدًا.
رفع رأسه إلى السماء يتفحص غيومها السوداء الكثيفة التي جاءت بالمساء قبل أوانِه. دفن ورقة النقود في جيبه وقصد ركنًا قصيًا عن البشر يحتفظ بأغراضه فيه، أمسك حقيبة ظهره التي ابتاعها قبل أيامٍ قليلة بعد أن اشترى ملابس جديدة كي يخزِّن فيها الملابس التي لا يرتديها وما زاد من المال وغيره، بدل أن يبقى يحملهم معه طوال الوقت.
فتحها ثُمَّ أخرج ورقته النقدية من جيبه كي يضيفها إلى ما ادَّخره في الأيام الفائتة. سحب المال القليل الذي جمعه وقام بعدِّه:
- خمسون.
نطق في سره ثُمَّ أعاد المال إلى مكانه وحمل الحقيبة على ظهره.
قرر أن يتجول إلى حين الصلاة فالزبائن قلَّة يُعدَّون على أصابع اليد الواحدة، وحمزة على ما يبدو لن يأتي اليوم أيضًا.
الريح باردة تحرك أغصان الأشجار فتتصادم فيما بينها وتساقط أوراقها، يسمع زقزقة العصافير العالية وهي تنتقل من شجرة إلى أخرى متخذةً من أغصانها مكانًا للمبيت، هبَّت موجة هواءٍ قوية اصطدمت بوجهه وبعثرت خصلات شعره فوقى وجهه بذراعيه وأغمض عينيه.
فتحهما ببطء حين خفَّ اندفاع الهواء وتطلع في المكان مفكرًا: هل ستهدأ الريح بعد برهة أم تراه يكون يومًا عصيبًا؟
******
رجع إلى السوق بعد صلاة العشاء ولم يجد إنسيًا فيه، فارغ خاوٍ تُلقي الرياح العاصفة بما لم يؤخذ من طاولات ومقاعد. وبرقٌ كالعروق يخترق سواد السماء فيجلجل الرعد دويًا يكاد يبطش بالآذان.