قطع البطلين خمسة أيام بلياليها في صحراء مملكة (راميدان)، قلت المياه وشح الطعام ولم يبقى لدى ميدو سوى حبة طماطم واحدة ورغيفين من الخبز . ولقد كان
أغلب الطريق صامتاً متأهباً أما الصغير بولنت
فقد كان كثير الشكوى جائع، عطش ، مالل، مع أنه
هو من اختار الترحال وبعد طول الطريق تبادر إلى
ذهن ميدو سؤال غريب وهو ينظر إلى بولنت
كيف يتمايل ويثرثر على أنه قد تعب فقال :"بولنت لقد شغل تفكيري سؤال طيلة فترة
سفرنا ."فقال بولنت متعجباً :
"وما هو ."
"كيف عرفت أن الطريق يأخذ ثماني أيام من الترحال
وأنت مع أننا مونا بعض الأمتعة لم تعرف أنها لن
تكفي فكيف عبرتها إذاً رغم جهلك بظروفها ."رد بولنت ببراءة :
"لأنني لم أكن من سار بها ."
"من إذاً ."
"إنه العجوز الذي سنلتقي به وقد أخبرني ذات مرة
على أنها أخذت منه ثماني أيام حتى قطعها ."قال ميدو باهتمام :
"لقد ازددت شوقاً لأتعرف على هذا العجوز ."
ومع بزوغ فجر اليوم السادس بين نسمات الهواء
الباردة وصل البطلين إلى مشارف مملكة
(راميدان) ، نظر بولنت من بعيد فرأى بعضاً من
منازل مدينة (ميدا) وهي بوابة الدخول إلى
مملكة (راميدان) فقال فرحاً بعد تنهد عميق :"أخيراً وصلنا إلى المملكة بعد كل هذا العناء ، عند
ظهورها يعني أننا قطعنا أصعب ما في الطريق
وظل أيسره ."قال ميدو وهو يسير و ينظر إلى المدينة ويتأمل حالها المزرية :
"هيا نسرع لعلنا نجد ما يكفينا من ماء وطعام قبل أن ينفد منا ."
قال بولنت منزعجاً :
"لا تتأمل كثيراً إنها مملكة قتلها الفقر لن تجد فيها
شيئاً ."قال ميدو سائلاً بعد أن غمره الفضول :
"أترى ماذا حل بها حتى صارت بهذا الشكل ."
"قيل أن حرباً نشبت فيما بينهم ولم تذهب الحرب
حتى أخذت معها الخير والهناء وتركت الفقر
والخراب ."قال ميدو مغاظاً :
"سحقاً للحروب وما تصنع ."
دلف البطلين إلى المدينة وهما يسيران رويداً رويداً
يتأملان بنيانها ، كانت مدينة رثة فقيرة أرهقها الفقر والخراب ، منازلها من أحجار قوية لكنه مهدم ، بعض منها مهدم من مقدمة المنزل ومنها من وسطها ومنها مهدم بالكامل إلا بعض الأعمدة التي تتهيء للسقوط
ومنها مرقع بألواح الخشب، سكانها ضعاف البنية
هزلين ، بائسي الوجوه ، ثيابهم ممزقة، يتأرجحون في
السير، الفقر والبؤس مرسوم على وجوههم بدقة بالغة ، منهم من يجلس على أرضية منزله وبعض
النساء يجلسن أيضاً وأطفالهن تحوم حولهن تصرخ
صرخة تنادي بطعام يسكت معدتها الصغيرة ، أشجارها قد ذبلت وبقي منها بعض الأوراق الصفراء
المعلقة على أغصانها القاسية التي لم تذق طعم
الماء منذ زمن طويل ، إنها الحرب ، مخطئ من يظن أن انتهاء الحرب سلام وإنما الصحيح أن انتهاء الحرب بداية حروب ، حينما دخل ميدو بحلته النظيفة وجسده الثحيح التفتت إليه كل الأنظار ، كأنهم لم يدخل إليهم غريب منذ زمن طويل فكان ميدو و بولنت محط الأنظار ، اقترب بولنت في سيره من ميدو وقال
محذراً :

أنت تقرأ
لعنة التناقض
Ciencia Ficciónلا يمكن جمع الشيء ونقيضه في مكان واحد ... لكن ماذا لو اجتمعا؟؟ النتيجة ستكون مخلوق كونتراست ......