كلنا قد لاحظنا أن يوماً بعد يوم حياتنا تختلف ، سواء أكان الاختلاف بنا أو بمن حولنا أو بما حولنا ، و هذا ما أثار الحيرة في ذهن عمر ، ذلك الرجل الذي يجلس في المقهى القريب من بيته يحتسي كوب القهوة الدافئ في وسط أجواء الشتوية لشهر ديسمبر ، و هو يتصفح بحاسوبه الشخصي أتت هذه الفكرة العشوائية داخل رأسه ، لكن لم تكن حقاً عشوائية ، كانت نابعة مما حدث معه أمس ، حيث شهد و للمرة الألف بنسبة له فشله في تنفيذ ما كان ينويه ، و فشله اليوم كان برفض أستاذه الجامعي لمشروعه و مطالبته بإعادته مرة أخرى ، كان شعور سيء لأنه تعب عليه ، لكن كان عليه المحاولة من جديد ، ككل مرة...
كل مرة عندما يفشل تحتله المشاعر السلبية و يتكرر في دماغه نفس الكلام :
" أنت فاشل ، كل من قال لك ذلك فهو على حق ، أنت لا تقوى على فعل شيء ، ما هذا ؟ و كيف لك بأن تكون بهذا المستوى ؟ ألم تعد نفسك بأنك ستحاول مجدداً مهما كان الثمن ؟ أين أثر محاولتك مجدداً ؟! أشك في مصادقيتك."
تفكيره باختلاف حاله كان لسبب واحد ، و هو أنه يعرف جيداً أنه لم يكن هكذا مع نفسه من بداية حياته ، كان يحن للأيام تلك عندما كان يحب نفسه و يقدّرها و يرى أنها يمكنها فعل الأفضل و تحقيق الأحلام ، لكن الآن ، يجلد ذاته باستمرار ، لا يعرف حتى من حقاً يجلد الأخر هو أم هي ، يستمر باحتقارها و يتهمها هي باحتقاره ، و يستمر الأمر هكذا طويلاً.
☆
عاد إلى المنزل بعد احتساء كوب القهوة الذي عدل قليلاً من مزاجه ، اتصل عليه صديقه ليبشره بخبر مفرح بالنسبة له :
" قد قلت لي أنني يمكنني فعلها ، أشكرك يا عمر على مساعدتك لي و مساندتك لم أتوقع أن هذا سيحدث حقاً ! قبل يومين وافقت مكتبة معروفة على نشر نسخ من كتابي و اليوم بيعت جميعها ، الكل أصبح يمدح كتاباتي ، و أصبحت مشهور على مواقع التواصل بسبب هذا ، لك فضل في هذا بعد ربي لأنك من رأى في عملي النجاح."
" لا شكر على واجب ، أنا صديقك و هنا لمساندتك و مبارك لك."
" أشكرك من قلبي أتمنى لك النجاح أيضاً ، و صحيح كيف هو يومك ؟"
" جيد الحمد لله."
" الحمد لله ، و الآن سأذهب مع أصدقائي لنحتفل بإنجازي ، تريد القدوم معنا ؟"
" هذا لطف منك لكنني مشغول اليوم."
" لا بأس ، أراك لاحقاً ، وداعاً."
رمى عمر هاتفه على سريره ، الإحباط أتاه مجدداً ، كل هذه الأوراق المبعثرة في غرفته تشرح لأي أحد قد يرى المشهد سبب إحباطه ، قد حاول أن يكون مشهور بكتاباته ، سنين و هو يكتب لكن لم تباع إلا نسخ قليلة من كتبه ، ينبهر أصدقاءه من كتاباته ، لكن ما الفائدة إن كانت رائعة و يوجد أروع منها :
" سنين و أنا أحاول ! سنين و من ثم لم أنجح مثل نجاحه ، في أيام اشتهر ، ظننت أن تعبي على كتاباتي كان ذو فائدة لكن لا ، لم يكن."
و مزق العديد من الأوراق التي في وجهه ، غضب كثيراً ، كل مرة يتعدل فيه مزاجه ، يأتي ما يخربه و قد سأم هذا.
☆
احتله التعب من العمل على المشروع ، فأخذه النوم ، ثم استيقظ من ذلك الاتصال، فاتصلت عليه أمه ، ككل مرة
تصرخ عليه و تقول :
" اتصلت عليك آلاف المرات لما ترد علي ؟ بلا فائدة ، أنت بلا فائدة ، لو اتصلت على أخيك كان أجاب علي بسرعة و نفذ ما أريد."
يقول لها و هو يتثاوب :
" إذاً لماذا لم تتصلي به من البداية ؟"
" كل شيء على أخيك ؟! نعم ، لا تريد فعل شيء ! فقط إضاعة الوقت على أشياء بلا فائدة مثلك تماماً."
" الدراسة بلا فائدة ؟"
"إن كنت تدرس، أشك في الأمر."
" حسناً كيف يمكنني مساعدتك ؟"
" لا أستطيع تنظيف البيت لوحدي فأريد بعض المساعدة."
" حسناً ، قادم إليكي."
أتى إلى بيت أمه و سألها :
" لما تريدين تنظيفه الآن ؟"
" غداً حفلة نجاح شركة أخيك الجديدة ، و طبعاً سأقيمها له هنا في حديقة البيت ، و سيدعو كل أصدقاءه ، و لأنها حفلة له فلن أطلب منه تنظيف المكان."
" فهمت حسناً لنبدأ."
طيلة الوقت و هو مستاء و يحاور نفسه و يقول :
" ميزته عني مجدداً ، نفس ما حدث في حفلة تخرجنا من الثانوية سيتكرر الآن ، ستقيم له أكبر احتفال و تنساني كالعادة ، و تختلق الأعذار مجدداً لكي لا تقيم لي حفلة خاصة بي عند تخرجي أعرف ذلك.
ليت أبي هنا ، كان يحبني و لا يميز بيننا ، لكنه ليس هنا الآن و يجب أن أتقبل هذا."
يقاطع حديثه صوت أمه العالي و هي تقول له :
" لا تنسى تنظيف المسبح ، و تأكد من أن كل زاوية من البيت نظيفة."
"حسناً."
بعد أن أنهى عمله أراد أن يعرف رأي أمه بالموضوع و ما قالته كان :
" جيد ، على الأقل أصبحت أفضل من السابق في التنظيف."
" أي شيء أخر ؟"
" لا شكراً ، يمكنك العودة إلى ما كنت تفعله."
☆
علاقة عمر مع أهله لم تكن هذه العلاقة القوية ، و سبب عيش عمر لوحده الآن هو أنه أصبح فوق ال ١٨ سنة ، و هذه قاعدة في عائلة عمر أو بالأحرى قاعدة من قواعد أمه ، إن أصبحت فوق ال١٨ سنة فعليك العيش لوحدك مهما كان ، و الذي كان قاسٍ بالنسبة لعمر لأنه أحب أمه كثيراً ، لكن الأقسى من هذا بالنسبة له معاملتها معه ، كان واضح على أمه أنها تميز بين أبناءها هي تحب أخ عمر الكبير أكثر منه فقط لأنه ناجح و غني و الجميع يمدحه و يمدحها بسببه رغم أنه حقيقة لا يساعد أمه كما عمر يساعدها ، شخصيته سامة و ليس في حياته شخص حقاً يحبه ، كلهم معه من أجل ماله و شهرته ، أخ عمر مدير شركات ضخمة ناجحة و هذا ما يميزه فقط ،
و نوعاً ما أمه سبب من أسباب عدم ثقته بنفسه ، لم تعطه الحب الكافي ، كان قاسية لكنه صبر عليها لأنه يعرف أن خسارة أبيه لم تكن صعبة عليه وحده بل أيضاً عليها ، و كان يكفيه أن تسمح له بحضنها حتى لو لم تبادله الحضن ، لكن عند دخوله سن ١٨ سنة عرف أن هذا الحضن حتى لم يتمكن من الحصول عليه و كانت أخر جملة قد قالها قبل مغادرته :
" ستحرمني من الشيء الوحيد الجميل في حياتي و هو حضنك ، أمي."
و راح وقتها باكياً.
هذا الحادث يتكرر كثيراً في عقل أمه ، لكنها لم تكن تقوى على تحمل مسؤولية أولادها و لكنها لم تعرف أن تشرح لهم هذا.
☆
بعد أن عاد عمر لبيته حاول النوم ، لكنه لم يستطع ، عقله بدأ بالتحدث مجدداً يشكو هم قلبه لعمر :
" كيف تحبه أكثر مني و هو يهينها ؟ كيف لها أن تفعل كل شيء لأجله و لا تفعل شيء من أجلي أنا ؟ أذكر صرخاته عليها و اتهامته المتكررة بأنها مخطئة لكن لم يكن إلا هو المخطئ فلما تفضل من يستمر بنكران جميلها ؟"
محروق ، كلما أتى لعند أمه ينظر إليها منتظراً منها كلمة " يا عزيزي ، يا صغيري ، أو أحبك" لكن لم تكن أمه تستطيع نطقها حتى ، عندما كان في سن أصغر ظن أن حبها غير موجود ، لكن كلما كبر كلما عرف أن خطأها هو عدم معرفتها كيف تعبر عن حبها و ليس انعدام حبها له ، تذكر مواقف جميلة منها ، خوفها عليه عند إصابته ، محاولة مساعدته و هذه الأشياء التي يحن إليها الآن بشدة.
" ليتني كنت أقدر أن أشكي همي لها لكن أعرف أن ليس لديها وقت لتسمع أو أنه حتى لن تستمع إلي أبداً."
☆
في صباح اليوم التالي كان على عمر الذهاب إلى الجامعة و هنا ألتقى بزملائه ، تحدثوا مع بعض قليلاً و من الأشياء التي تحدثوا عنها الكتابة و الكتب و هنا عمر سألهم :
" قرأتوا كتابي الجديد الذي حدثتكم عنه ؟"
أجابه واحد منهم :
" أوه أسفين ، لكن كنا منشغلين بقراءة كتاب سامر الجديد."
نعم سامر نفسه الذي تحدث مع عمر بالأمس عن إنجازه.
" نعم كتابه جميل جداً ، قصته مختلفة و رائعة."
" تعرف عمر ، أريد أن أقول لك شيء ، سامر أفضل منك في هذا و يجب أن تتعلم منه ، نصيحة مني فقط سيساعدك."
ضحك الجميع و مشوا مع بعضهم تاركين عمر منكسر القلب خلفهم لا يعرف ما يقوله ، أصدقاء ساميين ، واضح ذلك.
☆
بعد انتهاء الدوام ، أراد عمر معرفة سبب شهرة كتابات سامر ، لربما يتعلم منه فعلاً و يحسن أسلوبه ، فاشترى كتاب سامر الجديد و بدأ يقرأ القصة و يتفاجئ :
" فكرة الكتاب هذه هي فكرة كتابي الجديد التي خطط لها ! لكن كيف ؟ صدفة أم أنه أخذ الدفتر الذي كتبت فيه فصول الكتاب ؟"
يبحث عمر عن الدفتر الذي كتب فيه فكرة هذا الكتاب و لم يجده.
" أخذه ! يا له من مستغل ، و يقول لي * شكراً لمساعدتك بلا بلا بلا* لهذا أتى لبيتي و أراد البقاء في غرفتي بشدة وقتها ليأخذ عملي."
غضب عمر بشدة ، أسابيع و هو يكتب هذا الكتاب و في النهاية شخص مثل هذا يأخذ كتابته بكل بساطة و يستفاد منها هو ؟
الإحباط و الإحباط يعود لعمر مجدداً ، كره طيبته مع الناس بسبب الاستغلال ، كره أخيه بسبب التمييز ، كره كل شيء بسبب ما هو عليه الآن و فوق هذا قرر أن يسكت بدلاً من أن يطالب بحقه رغم أن لديه الدليل ، هذا لأن هناك شيء أخر يكرهه عمر عن نفسه غير أنه دوماً محبط و سلبي هو أيضاً خائف و متردد و هذا شيء أخر يعاني عمر منه...
نتبع في الجزء القادم ✨
أنت تقرأ
I just hate myself | أنا فقط أكره نفسي
Duchoweمهما حاول فشل في فعل ذلك ، من سنين و هو يحاول مقاومة هذا الشعور من سنين و هو يحاول تغييره لكنه فشل ، هو يحقد عليها حقداً لا يوصف لأنها تبادله نفس الشعور بل و تبثه فيه ، نعم هو لا يستطيع سوى كره نفسه أكثر و أكثر ، رغم أنه يطمح لتغيير... (*استخدمت الش...