أنا في المنفى

213 3 5
                                    


           واقفاً هنا على شرفة الحياة انظر بعينين ثاقبتين قد اخترقا السهل و البحر .. و يخرج منهما بصيص ضوء وصل لزمان و مكان بعيدين كل البعد عن متناول روحي ليختفي من امام نظري .. و عند هذه اللحظة فقدت روحي بصرها .. ليس لعيني معنى ان لم ارى بهما روح العالم و معناه .. و ما اشبع يوما عيني سوى بضع نظرات خاطفة لعينيك و روحك تخترق افاق قلبي و شرفات روحي لتحط على شواطئ دمي و اهداب عيني و تسبح مع كل خلية في جسدي لتصل الى محطتها الاخيرة في غرف ذاكرتي الذهبية و رواقها الماسي المصنوع خصيصا لاشخاص و احداث حفرت في ذاكرتي كالحفر في الصخر .

في الواقع كنت على استعداد تام لدفع كل ما املك , فقط لارجاع بصر روحي من جديد ..لقد اخذها احدهم و هرب بها في مكان بعيد تنائى عن انظاري و اختفى من ذاكرتي حتى انهارت غرف روحي الكثيرة من صعقة الحزن و الفراغ الذي خلفه غيابك عني .

" اتعلم ما معنى ان تفقد روحك بصرها , فروحك و بصرك كالجرة و الماء ,,, فإذا فقدت روحك بصرها كأنك تسكب الماء يجانب الجرة و ليس داخلها و بذلك لن تتذوق اي من الماء الذي يسكب باستمرار بجانب الجرة ,, على الجرة ان تكون تحت شلال المياه ليتم جمعه و تذوقه "

رفعت راسي للأعلى و نظرت لبضع غيوم لؤلؤية جميلة تسير من فوقي و سرب ساحر من الطيور الجميلة من السنونو و الطنان تصرخ و تصيح على انغام حفيف الشجر و صفير الرياح .. تغني و ترقص بفرح و سرور انها ترانيم الصباح التي تغنيها دائما استعدادا ليوم جميل مليء بالنجاح .. فامتلأ قلبي و روحي بفرحة خفيفة و كأنها نسيم بارد خفيف مر على روحي خفف عني وطأة يومي ,و رسمت على ثغري ابتسامة خفيفة لكنها كانت كافية لتغيير مزاجي استعدادا ليوم جديد ... عزمت يومها على التحدث مع احد الطيور عله يخبرني بأحد اسراره التي تجعله لا يمل من الغناء كل يوم و اين لك بكل هذه الطاقة ,, في عجب ارتفعا حاجبي و وصلا السماء , و على ثغري خرجت روحي تنظر بعجب و حماس كبيرين, ليرى ما يحصل خارج هذه الغرفة الضغيرة التي حبس نفسها بها .

ما اجملها تلك الأيام التي كنت اسير في احضانها و اشتم نسيم جمالها و اتغنى بعندليب همساتها و اتمسك بأعمدة ايامي الطويلة القاسية التي كانت تغذيني و تمدني بقوة قليلة لأسير في يومي .. و لكن اكثر ما كان يذهلني هو صرخات روحها المتكررة التي كانت ترن في اذني و كأنها جرس انذار او يدان رقيقتان حطتا على كتفي مع فم يصرخ باستمرار في اذني يحذرني من شي انا لا اعلم ما هو و كيف يمكن له ان يتشكل امامي في زمن و مكان لم يكتبا بعد على سطور على هذه الارض .

صرخات مستمرة كنت اسمعها في دماغي تدق جدران افكاري و تفتح ابواب احاسيسي لتغدق علي ياسمين و عنبر اهتمامها المتكرر .. مع الشعور المرير بالوحدة الذي كان يلازمني اين ما ذهبت بعد فقدانك , الا انني كنت اشعر بشكل مستمر ان هناك يدان ناعمتان تلتفان حولي و تمسحان على كتفي و رأسي برفق و جمال تارة .. و تارة اخرى تشتدان حول خصري و رقبتي تخنقني بشدة .. "انها الحياة يا صديقي" , احيانا اليدان اللتان لطالما مستحا دموعك هي نفسها التي ستتسبب في ذرفهما يوما ما , و لوقت مبهم ,

أنا في المنفىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن