بعد رحلة تجول خاضها فورد هائمًا على مدارِ يومه، جلسَ يستريح فوق إحدى مقاعد الإنتظار -الخشبية- التى تقع على جانب الطريق، وراحَ يرنو إلى العابرين مُتأمِلًا، حيث جذبه مَشهد الناس وهم يسيرون بكثافة متزاحمين؛ كم أنَّ نيويورك ممتلئة!ولكنه تنهد محاولًا تخفيف حمولة صدره، ورجع يحدق إلى السائرين أمامه. الحياة تُسوِّي الناس كَـأكداس الرمل، يَظهرون في صورةِ تجمعٍ وفي الباطن تأكلهم الوحدة والتفرُد؛ كم مِن سائرٍ منهم تأخذه الخطوات بلا مقصِد؟، رُبما الكثير منهم بلا عنوانٍ حتى.
ابتسم فورد بالرغم مِن مرارة حلقِه؛ مَن يُصدق أن رجُلًا قاهرًا مثله، وله تاريخه وكأنه أسطورة شهِدها الزمان بِمعجزة، هو الآن مجرد هائمًا، شخصًا خاويًا خاسِرًا!
نيويورك في منظورِه مدينة ميتة، وهوائها لا يُشبع حاجة صدره أبدًا؛ فهي تذكره بمأساته، لذلك هرِب منها لخمسة أعوامٍ، مدة كانت بمثابةِ فجوة رمته الدنيا بها، اعتزلَ فيها حياته كلها.
ثم تسخر منه الدنيا مجددًا، لتعيده إلى نقطة الصفر..
رُبما هو اختار العودة حتى يضع حدًا لجموحِ الحياة، ليعوض هزيمته السابقة مِن خلال هذه المعركة، ولن يقبل إلا بالنصر.
ثُقبت فقاعة فكره حينما تذبذب هاتفه مهتزًا داخل جيب معطفه الثقيل، كان إتصالًا مِن غريك؛ نظر فورد إلى الرقم لبعض الوقت، وفتح الخط في نهاية الأمر.
«مساء الخير يا صديقي، كيف الحال؟» انبثقتْ كلمات غريك سريعًا بأسلوب ودود، لذلك رد عليه فورد بِلين قائلًا: "لا بأس بي لا تقلَق".
«جيد جدًا، هل لا زلت بالشارع!» سأل غريك على الطرفِ الآخر وهو يَنظر إلى ساعة يده بتعجبٍ، إنها الحادية عشر قبل منتصف الليل!
«كنتُ بِصدد الذهاب، هل مِن مشكلة!» كان فورد على يقينٍ مِن استقرار الأمورِ، ولكنه كان يسأل عن حال غريك نفسه.
سرعان ما نفى غريك وقال: " لا أبدًا، لكنِّي كنتُ أفكرُ..ما رأيكَ أن تقضِ الليلة عندي؟"
كان غريك مُحيطًا بسببِ مكوث صاحبه -القديم- في الشارع إلى تلك الساعة، كان يعلم أنها ليلة صعبة عليه، للغاية. ولأن فورد كان يفهمهُ أيضًا، شعر بالإمتنان في تلك اللحظة كثيرًا، رُبما هو ليس مُشردًا كليًا!
«أنا بخير مع نفسي غريك، ثم أنني لا زلتُ أحفظُ عنوانكَ جيدًا، إن احتجتُك سآتِ». بناء على ردِ فورد هذا، علم غريك أن لا فرصة له لإقناعه، ولذلك فضل تركه كما يهوى وقال: "المنزل منزلكَ دائمًا فورد، كن بخير".
أنت تقرأ
HUDINI| الظِـلُ المُنتقِم.
Akčníإن كُنتَ واحدًا مِن سُكَّانِ ولاية «نيويورك» الأمريكية، سيكون أمرًا عاديًا بالنسبةِ لكَ أن تُصادِف جرائم القتل، السرقة، وغيرها يوميًا؛ ستصادفها أكثر مِمَّا تصادِف انعكاس وجهكَ بالمرآةِ. ولكن ما يعيشهُ سُكَّان الولاية الآن -خاصة أصحاب النفوذ منهم- أ...