رواية "عالم آخر".
الفصل الحادي عشر:
"تَـحْـدِّي".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــشعرت نور بصدمة شديدة جعلتها تضع يدها على رأسها، ثم فقدت وعيها فجأة وسقطت مغشيًا عليها. تفاجأ عمر بهذا المشهد وصمت في مكانه، بينما طلب عادل من مساعديه أن يأخذوه إلى السيارة. دخل عادل ليطمئن على أخته، لكنه اكتشف أنها لم تستفق بعد، فطلب الإسعاف على الفور واتصل بعائلته ليأخذوها.
بعد مرور بعض الوقت، وصل عمر إلى مركز الشرطة حيث كان جالسًا على أحد المقاعد أمام مكتب عادل. كان مقيدًا، وأمامه أمين الشرطة الذي يراقب تحركاته. لم يكن قادرًا على استيعاب ما يحدث، وكان ينتظر وصول عادل بفارغ الصبر. وعندما وصل، نهض عمر على الفور. طلب عادل من أمين الشرطة أن يدخله، ولكن عند دخوله لم يطلب عادل منه أن يجلس، وكأن التهمة قد ثُبتت عليه بالفعل دون أن يسمع منه. نظر إليه عمر وقال:
- أنا مش فاهم حاجة.. إيه اللي بيحصل يا عادل!
نظر عادل إليه وقال بنبرة حادة معترضًا:
- الرائد عادل..
شحب وجه عمر ليومأ برأسه ويقول:
- تمام يا سيادة الرائد، ممكن أفهم أنا عملت إيه بالضبط عشان تجبوني هنا!
وقف عادل وقال بغضب:
- أنت هتستعبط! يعني أنت مش عارف الجريمة اللي أنت ارتكبتها؟!
رد عمر بانفعال قائلًا:
- جريمة إيه! جريمة إيه اللي أنا ارتكبتها.. إيه اللي أنت بتقوله ده!
- لسه مصمم تنكر.. على العموم أنت هتترمي في الحجز لحد ما تتعرض بكرة على النيابة وساعتها بقى ابقى صمم على نكرانك بالشكل ده.. خده يا أمين.
لم يتمكن عمر من نطق أي كلمة، وظل صامتًا أمام الموقف الذي كان يعيشه. وفي هذه الأثناء، وصل والده بعدما أوصل نور إلى المستشفى وتأكد من حالتها. دخل على عادل في مكتبه وقال:
- في إيه يابني، أنا ملحقتش أفهم حاجة بسبب إني اتلهيت مع نور.. فهمني عمر عمل إيه؟
نزلت دموع عادل لأول مرة وهو يقول بخفوت:
- عمر هو اللي قتل سليم يا بابا..
رد جمال بصدمة كبيرة قائلًا:
- إيه!
- للأسف أثناء الفحص لقوا محفظة عمر في شقة سليم وعليها بصماته..
- أنا مش قادر أصدق! مش قادر أصدق..
- سليم كان صاحبي ولحد دلوقتي متعاملتش بمشاعري عشان أقدر أواصل شغلي، بس مش قادر أكتم جوايا أكتر من كده.
- اهدا يا ابني مش كده..
- لو النيابة أثبتت إن عمر هو اللي قتله مع إن مفيش حاجة تثبت عكس كده، أنا مستحيل أقف جنبه مستحيل..
- أنا لازم أوكلّه محامي..
نهض عادل واقفًا ينظر إلى والده بصدمه قائلًا:
- هتوكل محامي لعمر! عايز تجيب محامي يدافع عن قاتل!
- أنت خلاص حكمت عليه إنه هو اللي قتله! مفكرتش لحظة إيه اللي ممكن يخليه يقتله؟!
- حضرتك عندك تفسير تاني لموضوع المحفظة؟
- مش لما نشوف الأول هيقول إيه في التحقيق، هيتعرض على النيابة امتى؟
- بكرة الصبح إن شاء الله..
نهض جمال واقفًا ثم قال وهو يغلق أحد أزرار سترته:
- الصبح هيكون المحامي سبقه على هناك.. وياريت تقعد مع نفسك وتفكر بالعقل، مش جايز يكون راح لسليم قبل الحادثة!
أخذ عادل يفكر قليلًا وتذكر علاقة عمر بنور وأنه لا يبادلها نفس الحب وكان ينتظر سفر سليم لينفصل عنها، فنظر إلى والده وقال:
- اعمل اللي يريح حضرتك يا بابا..
- هتطلع ظالمه زي ما كلنا ظلمنا سليم، بس ساعتها هيكون فات الأوان ومتنتظرش منه إنه يسامحك.
فخرج من المكتب وعاد إلى المستشفى وبعد مرور فترة زمنية قصيرة وصل عادل هو الآخر ودخل على نور ليطمئن عليها فبكت عندما رأته ثم قالت بخفوت:
- عملت إيه في عمر يا عادل!
- اهدي يا حبيبتي عشان أنتِ تعبانة، عمر متهم بقتل سليم ولسه هيتحقق معاه بكرة الصبح، الله أعلم إذا كان هو اللي ارتكب الجريمة دي ولا لا..
فنهضت وقالت:
- مستحيل! مستحيل عمر يعمل كده..
فأسندها وحاول أن يهدأ من روعها قائلًا:
- اهدي طيب، مينفعش تقومي دلوقتي هتتعبي أكتر!
- أنا لازم أشوف عمر ودلوقتي..
- أنتِ عايزة تروحيله لحد عنده!
كانت تحدّق إليه ثم أكمل قائلًا:
- فوقي يا نور.. أنتِ مش في دماغ عمر أصلًا ولو هو منتظر حد فالحد ده مش هيبقى أنتِ..
عادت نور برأسها إلى الوراء، فقد أدركت الآن أن عادل كان على علم بكل شيء. شعر بالندم العميق على ما قاله لها، فاقترب منها ووضع يده على رأسها برفق وقال بهدوء:
- أنا عايزك تستريحي دلوقتي.. مش عايزك تفكري ولا تبذلي أي مجهود.
فبكت بحزنٍ وألم ثم أمسكت بيد عادل وتشبثت بها قائلة:
- أرجوك يا عادل.. أرجوك متسبهوش لوحده، عمر يتيم وملوش حد غيرنا أرجوك اوعى تسيبه!
أعاد عادل ضمّ نور إلى صدره في محاولة لتهدئتها، وعدها أنه لن يتركها وأن كل شيء سيسير على ما يرام. بعد قليل، دخلت والدتها وأختها بعدما اطمأن عادل على أخته بمفرده. طلبت الأم من نور أن تذهب معهم، لكن نور رفضت وأخبرتهم أنها ستعود إلى منزلها وتنتظر قدوم عمر. عندها قال لها عادل: "لا نعلم متى سينتهي هذا، فمن الممكن أن يكون عمر هو من قتل سليم." كانت تلك الكلمات بمثابة صاعقة على نور، فسقطت في حالة انهيار، حاولت الأم تهدئتها، وبعدما تأكدت من أنها بخير، وافقت على أن تبقى في المنزل بمفردها، ولكن طلبت أن تذهب أختها ملك معها، إلا أن نور أصرت على البقاء بمفردها.
تركوها كما طلبت، وفي طريقهم إلى المنزل، اطمأنوا عليها ثم انصرفوا. لم تجد نور خيارًا آخر سوى الاتصال بمريم وطلبت منها المجيء إليها، فأجابتها مريم بأنها ستأتي في الصباح لأنه الوقت متأخر. جلست نور في الشرفة تفكر في عمر وما يحدث له، وتذكرت أنه كان غائبًا عن المنزل في وقت وقوع الحادث، فزاد خوفها من الحقيقة المجهولة.
في صباح اليوم التالي، وصلت مريم إلى منزل نور كما وعدتها. عندما فتحت نور الباب، اندفعت إليها مريم في قلق، فكانت نور في حالة انهيار، تبكي بحرقة. شعرت مريم بالذعر على صديقتها، وسألتها عما حدث. فبدأت نور في سرد كل ما وقع معها، وفي تلك اللحظة كانت مريم في حالة صدمة مما سمعته، فاستجمعت قواها وأخذتها لتجلس معها، وسألتها بهدوء:
- ازاي ده حصل! وازاي يتهموا عمر بحاجة زي كده؟
- مش عارفة يا مريم.. أنا هتجنن بجد.
- طب هو معاه محامي ولا لا؟
- بابا قالي إنه هيشوفله محامي.. أنا لازم أقوم دلوقتي..
- رايحة فين!
- هروح النيابة..
- مينفعش يا نور بطلي جنان، أكيد باباكِ وعادل هيتصرفوا، أنتِ مينفعش تروحي هناك!
- عمر جوزي يا مريم مينفعش أكون بعيدة عنه! أنا لازم أروحله..
نهضت نور وذهبت إلى غرفتها لتستبدل ملابسها، وعندما خرجت، وجدت مريم في انتظارها. أخبرتها مريم أنها سترافقها، فوافقت نور على الفور، وخرجا معًا. وفي الجهة الأخرى، كان عمر يخضع للتحقيق في قضية سليم، حيث وجه له النائب سؤالًا:
- قتلته ليه يا عمر؟
كان عمر ينظر إلى الأسفل، حائرًا ومشتتًا، لم يكن يتخيل يومًا أنه سيجد نفسه في هذا الموقف. فبعد لحظات من الصمت، رفع رأسه وأجاب على السؤال قائلًا:
- أنا مقتلتوش..
- أومال مين اللي قتله؟
- مش عارف..
- أنت كنت فين أثناء الواقعة؟
تذكر عمر حديثه مع نور عندما أخبرته أنها كانت قد رآته يدخل المنزل بعد بزوغ الفجر، لكنه لم يتذكر أين ذهب بعدها. وفي تلك اللحظة، فُتح الباب ليقول المساعد: "محامي عمر يريد الدخول". فأذن له النائب، ودخل المحامي ليعرّف نفسه قائلاً:
- محمد نصر الدين.. محامي.
طلب المحامي من النائب أن يسمح له بالحديث مع عمر قليلاً، فأخذ عمر خارج المكتب وابتعدا عن الأنظار. هناك، تحدث المحامي مع عمر عن تفاصيل القضية، قائلاً له بهدوء:
- أنا مقتلتوش.. أنا فعلًا شوفته قبل الجريمة بكام يوم لأسباب خاصة!
- ممكن أعرف إيه هي الأسباب دي؟
- سليم كان خطيب نور مراتي قبل ما أتجوزها وهي انفصلت عنه لما اكتشفت خيانته، سليم وقتها كان بيسعى إنه يرجعلها تاني ومكنش سايبها في حالها فأنا قررت ساعتها أتقدم لنور واتجوزها لحد ما يعرف ويبعد عنها تمامًا..
وقص عليه حكايته كاملةً ولكن بطريقة مختصرة...
أنت تقرأ
عَالَم آخَـر
Acciónلكل منّا عالمه الآخر، العالم الذي لا يعرفه أحدٌ سوى صاحبه فقط.. ماذا يفعل وما الذي يوجد بداخل عالمه هذا! حقًا لا نعلم وليس من شأننا معرفة ذلك، ولكن هل يمكن للشخص الغامض الذي يملك عالمه الآخر أو عالمه الثاني.. بأن يرتكب الجرائم من أجل استرداد حقوق ال...