دَلهمْ.....•

5 1 2
                                    

تعثرت خطاي بحجر صغير على قارعة الطريق ركلته بقدمي فالظلام في هذا المكان يزداد.
طالما خشيت العبور من هنا لكن ، يجب أن أعود للمنزل مسرعًا لأن رَجُلًا مثلي ليس لديه الوقت الكافي إلا لأخذ الطرق المختصرة.
أكملت طريقي ناظرًا إلى الأمام، ينشغل عقلي بيومي المتعب الذي انتهى على غير المتوقع. لم أعتقد أن لطفي مع الزبائن سيؤدي إلى طردي من العمل، شعرت بأن خطاي كانت خائبة بعض الشيء تتباطأ في تقدمها. شيء ما بداخلي يشعرني بعدم الرغبة في العودة للمنزل، هل هو الحزن؟ أم شيء آخر بدأ يحتل روحي ليستحوذ على ذاتي؟ أعتقد بأنه الملل..... نعم لقد بدأ الملل ينتابني من هذه الأيام المتناسخة لبعضها البعض، متكررة كألحان سمعتها لآلاف المرات.

قطع كل تلك الأحاديث في رأسي أحدهم يتحدث بهمسات خافتة. توقفت في خطاي لأنظر لزوايا الطريق الذي طال هذه المرة على غير عادته. تكررت تلك الهمسات لتظهر لحنًا غريبًا كأنها فتاة تغني بصوت الشيطان. لتظهر بعدها رائحة كعبق الموت في إحدى زوايا الطريق على يساري، التفت بعينين غائرتين لأراها تقف ببرود، أو بالأحرى تطفو، لم تكن قدماها تلامس الأرض. كان وجهها يخلو من الملامح إلا من تلك العين الكبيرة التي تتوسطه، عين حمراء اللون لامعة.

تراجعت خطواتي للخلف ببطء لاستجمع نفسي واستذكر ما حفظت من القرآن ليبدأ لساني بترتيل بعض الآيات، إلا أنه عقد تمامًا كأنني لا أملك واحدة. تحدثت ليُرعبني صوتها أكثر والذي كان داخل رأسي:
_ جرب أن تخرج.
شعرت بنبضات قلبي تتسارع لتتحرك قدماي بعدما شعرت بشلل مؤقت أوقفني مكاني. ركضت بكل ما أملك من سرعة أو خوف ربما لأتفاجأ بعد دقائق أنني أدور في دائرة للطريق نفسه مرارًا وتكرارًا. توقفت مكاني لأخذ نفس عميق غير عالم بما يحدث.

ظهرت أمامي من العدم لتقول بهمساتها الباردة
: _ أخبرتك، لا مكان للخروج.

تحدثت بصوت متقطع:
_ م..ماذا يحدث.... من أنتِ؟؟
بدأت تلك الألحان التي ظهرت فجأة ترتفع أكثر فأكثر حتى سقطت على الأرض لشدتها كأنها أصوات طيور تصرخ. بدأ شعر تلك الفتاة يتساقط على الأرض لتملأه، وبدأ وجهها يتشقق ليخرج الدماء من كل أجزائه، ظهرت أسنانها من بين تلك الدماء، أسنان متعفنة سوداء اللون قاتمة. شعرت لوهلة بأن الموت قد اقترب، أغمضت عيني بعد أن رأيتها تزحف باتجاهي بعد نزولها على الأرض بأطرافها الأربعة، وقد سمعت آخر كلماتها الهمسة قبل أن أغلق أذني بشدة
: _ أصبحت لي.

وبعد ثوانٍ معدودة هدى كل شيء ليعود الطريق إلى طبيعته، فتحت عيني برعب لاعتقادي بأنني قد مت. لمحت أضواء من آخر الطريق والتي اختفت قبل قليل، فوقفت على قدمي منطلقًا بسرعة هائلة حتى خرجت من هذا الزقاق الغريب. ابتسمت بعد نوبة الخوف التي شعرت بها، كنت أبتسم وأنا أنظر لذاك الطريق الصغير الذي خرجت منه. توجهت للمنزل لأصل إليه بعد دقائق من خطواتي المتسارعة. فتحت الباب ودخلت على عَجَلٍ من أمري وأغلقته خلفي بإحكام، استندت عليه بقوة: _ لن أخطو خطوة واحدة في ذلك الزقاق مجددًا.

قلتها وأنا أشغل أنوار المنزل. وبعد خطوات قد قطعتها متوجهًا للمطبخ، ظهرت تلك الألحان مجددًا. اتسعت حدقة عيني لأشعر بذلك الرعب مجددًا، تجمدت الدماء في عروقي بعد أن تأكدت بأنها دخلت معي للمنزل. نظرت في الأرجاء فلم أجدها. تحدثت مجددًا بصوتها الهمس
: _ أنا بداخلك الآن ... لا داعي للبحث.




تأليف الكاتبة: سَدَف احمد

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 18 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

دَلهمْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن