زيارات خاطفة

6 1 1
                                    

عن غير عمد تسللت إلي مسامعي بعض الكلمات من حوار دار بين إثنين من الموتي، يبدو أن كلاهما فرت روحه من هذا العالم البائس قبل مدة لا أعلمها، كان في كلماتهما ما لا يمكن للألم بذاته القدرة علي تحمله، استفاضا بالحديث غير عابهين، فأي منهما لم ينتبه إلي وجودي حيث كنت جالسا علي ضفة النيل فوق مقعد رخامي متسع اعتادا الجلوس إليه سابقا، فجاء الرجل وجلس إلي يميني وظل منتظرا عدة دقائق يطالع ساعته في اشتياق قبل أن تصل هذه الحسناء وتريح جسدها الفاتن إلي يساري، المسافة بينهما دلتني إلي خصام حدث سابقا، وبينما تخترق كلماتهما المعاتبة أثير جسدي، شعرت مع كل حرف ينطق به أحدهما بكثير من الألم، كلاهما يعاني ألما مبرحا، تعبيرات وجهيهما لا تخفي شيئا، حاولت عدم الاستماع لكن أذنيّ المتطفلتين لم تمتنعا وظلتا تلتقطان من آلامهما ما يوقظ آلام صدري.. لم تفلح محاولات أي منهما في رأب صدع الآخر، فنهضت الفتاة غاضبة باكية وتلاشي طيفها علي بعد خطوات، وظل الرجل جالسا إلي جواري يائسا ًمحطماً، ثم إلتفت نحوي قائلا "منذ رحلت وأنا أجئ إلي هنا كل مساء، أُلقي إليها بالعتاب كي أغفر رحيلها، لكنها تفر من بين يدي باكية كلما طالبتها بالعودة"، وضعت يدي علي كتفه وقلت له "يا صديقي، الموتي لا يعودون، بل ينتظرون قدومنا إليهم"، فنهض كأنه وجد علاجا شافيا لمعضلته، وتقدم نحو السياج الحديدي الذي يفصل كلينا عن المياه وابتسم لي، ثم هوي بجسده معانقاً صفحة النيل، في الصباح انتشلوا جثمانه معلنين عن انتحار مواطن آخر جراء ضائقة مالية!!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 23 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

لقاء عابرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن