مجبر على التحدث والتصرف كالفتيات لمجرد انني بجسد موافق لاجسادهن . مجبر على العيش في مجتمع قذر مليء بالحثالة من العامة الذي تحكمه الاعراف الدينية المقيتة . مجبر على مخالطة الفتيات في المدرسة حتى لا أكون وحيدا . بل بالأحرى حتى لا أبدو مختلفا عنهن . و مجبر على ألا اخالط جنسي الذي أنتمي إليه حقيقة فقط لأني "فتاة" أمام أحكام العرف التي تفصل بين الجنسين بأبشع الطرق . بل لا... أنا لم أجبر بل وجدت فيهم كتلة من القذارة والانحطاط... فعدلت عن
رغبتي في مؤاخاة و مصادقة بني جنسي .هذه قصة ذكر حبيس لجسد لم يشأ برغبته أن يكون فيه...
كأنما تمت معاقبته عقابا ابديا لتحصر روحه الذكورية في جسد أنثوي بمعنى الكلمةمنذ ولادتي كنت الاحظ الفروق الطفيفة بيني وبين باقي الفتيات في سني على مر الأعوام . كانت عائلتي ولازالت غير مرحبة بالضيوف أيا كانوا . فلم أكن اعرف معنا للنميمة و أحاديث القيل والقال بين النساء ولم أخالط الكثير من الفتيات حينها عدا قريباتي من العائلة . لا انكر اني كنت اتصرف كفتاة طبيعية وقتها . إذ كنت العب بألعابهن ، أهتم باهتماماتهن و ما الى ذلك...لكنني بدأت أدرك تلك الثغرات البسيطة والتى استمرت في الاتساع لتصبح ثقوبا اشبه بعقدة نقص...كشيء خاطئ فيي . لم يسبق لي ان أحضر الاعراس الا التي أقيمت لدى اقربائي والتي كانت تعد على الأصابع . ولست راغبا في حضورها . حتى اني لا أجيد الرقص ككل غريماتي . كنت أشعر بالاحراج كلما طلب مني الرقص لأنني فعلت ذلك مرة وكانت عندها الأخيرة. فقد جعلت من نفسي أضحوكة وسط كل نساء الغرفة . وبينما كل البنات تتزين بمكياجهن المبهرج و فساتينهن الثمينة وطلاء الاضافر اللامع. كنت قد توقفت عن تمثيل المسرحية التي قد طالت و آن أوان أن يسدل الستار عليها . حضرت اغلب الحفلات التي أقيمت بملابس عادية ككل الفتية. قميص و سروال وكله تمام . لم اعد اكترث حتى لما أبدو عليه امامهن وهل سيتحدثن عني بأي كلام مسيء . كشيء مثل " ياللمسكينة...يبدو ان امها لا تهتم بشراء ملابس مناسبة لها...انها حفلة فالنهاية ولن يضر شراء فستان واحد على الاقل...ألم تسمعي أن والديها غنيان؟...اذن لماذا لا ترتدي فستانا؟..."
كم أمقت مناداتي بضمائر الأنثى او ان تنسب الي اي صفة انثوية فأصححها في عقلي خفية . اكره إستعمال حمام الفتيات و أن يتم تصنيفي ضمنهن . أكره أعضاء جسدي الانثوية كل الكره وكم اتمنى بترها وزوالها . لكم ان تتخيلوا حجم المعانات اليومية التي أمر بها كلما تذكرت حالي التي أنا عليها . محاولا تناسي الأمر والتظاهر بأني على خير مايرام . حاولت حب نفسي وتقبل شكلي الخارجي عديد المرات . لكن كل محاولاتي بائت بالفشل الذريع .
الصف الأول في المرحلة الاعدادية...جميع الفتيات تنتظر هذا اليوم ظنا أنه يوم نضوجهن حيث يختبرن تلك الأشياء اللتي لم يسبق وجربنها فالمرحلة الابتدائية . فمنهن من اتتها اول دورة شهرية . ومنهن من بدأت بوضع مساحيق التجميل . وكلهن يجتمعن على حب احد الفتية في الصف . الا انا...فلم أكن افهم سبب حبهن للنضوج . لم أهتم يوما للاعتناء ببشرتي أو تعلم وضع المساحيق التجميلية . ولازلت أجهل سبب حبهن للفتية . ليسوا حتى بذلك الجمال . لا أحد منهم يستحق كل ذلك الإعجاب المصطنع . لم أحاول الإعجاب بأي منهم . كنت اشمئز من فكرة الحب بين الجنسين . الأمر غير مفهوم لي الى حد ما...لكن مهلا...لقد فهمت الامر بعد مرور سنتين...بدأت حينها أتيقن أن روحي روح ذكر لكنها
بداخل جسد أنثى...لم اكن لاتخيل نفسي في علاقة مع ولد في جسد أنثى .
حينها كانت فد إنتشرت فكرة المثلية بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي...لم أكن مكترثا الى حد ما . لكنني بدأت أفهم سبب مقتي لفكرة الزواج المقزز . بين رجل وامرأة . اعتدت مشاهدة الانمي بكثرة والذي كان يروج بشكل ما الى المثلية . و لم أكن أرفض تقبل الفكرة ككل من حولي . لم تبد لي كفكرة غريبة . بل لم أشعر بالمقت تجاهها ولم اكلف نفسي عناء محاولة مقتها . لاني وجدت فيها القطعة المفقودة من روحي...أجل فقد أدركت حينها ميولي...
"إن كنت اشمئز من فكرة الحب المستقيم ولا أنفر من فكرة الحب المثلي فهذا لا يعني الا شيئا واحدا وهو أني مثلي" .بدأت في تشكيل خلفية الشخص الحقيقي الذي انا عليه . كونت ذوقي في الملابس . نوع الغناء الذي استمع إليه . وكثير الكثير . لكنني اصبحت مختلفا عن الجميع
الآن وليس الفتيات فحسب. لا أحد سيتقبلني لحقيقتي . لذا سيكون علي أن استمر في التمثيل تحت مسمى "التوم بوي" حتى لا يشك في أمري ويتم طردي من المجتمع بأبشع الطرق . منتظرا اليوم الذي اتحرر فيه من قيوده . إلى العالم الجديد . إلى من سيتقبلونني كما تقبلتهم...رغم الضغوط النفسية والعقلية التي مررت بها طيل مدة حياتي مع مجتمع لا تعرف الرحمة مدخلا إليه . إلا أن سفرياتي السنوية مع عائلتي تنسيني شر المكان الذي ولدت فيه . و لأن الحض قرر الابتسام لأيامي أخيرا . سئم والداي العيش في بلدي بسبب الأوضاع المزرية . ووضعا فكرة الهجرة في بالهما قبل حوالي ثلاث سنوات . ذلك ما منحني جرعة من الأمل في الاقتراب من تحرري . وكم عانينا من أجل الاقتراب من ذلك الهدف . إلى أن أصبح ذلك الحلم حقيقة . إنها كندا .
كنت هناك . لكن لمدة شهر . عقدت فيه كثيرا من الآمال عن كيف حياتي ستتغير ؟ و هل سأتأقلم مع طلاب مدارسهم سريعا ؟ و هل من الممكن أن أجد من يشاركني نفس التجارب ؟كانت فرص العمل لدى والدي ضئيلة جدا . وهما لن يخاطرا بخسارة منصبهما العالي في عملهما بكل برودة أعصاب من أجل عمل ضئيل الأجر مقابل العيش هنا وخصوصا بعد أن عانيا الامرين للوصول اليه . لم يكن هناك من يساندنا في محنتنا هذه . لكني استمررت في التمسك بخيط الأمل الرفيع والعيش في أوهامي السعيدة . مرت الأيام وبمرورها تضائلت الآمال معها...لكني تابعت الكذب على نفسي رأفة بصحتي العقلية التي تداعت...
يتبع...