القصّـة.

12 1 2
                                    

حطّيتُ بثقلِي علىٰ رمَال الشاطئ الذهبِيّة وعينايَ تتجهانِ نحو الأُفق حيثُ تنعكِس أشعة الشّمس علىٰ سطحِ البحرِ ، تغوصُ قدمايَ في الرّمل و أبتسامةٌ تزيّنُ شفتايَ بعدَ تنهدٍ مُرتاح.
لا عائلة، لا أصدقاء ولا زُملاء، فقَط جسدِي، رُوحي و أنا..
نسيمٌ يعبثُ بخصلاتِ شعرِي المُسدلة بعشِوائيةٍ علىٰ ظهرِي، و بعضُ الأصداف التي جمعتُها من وقتٍ سابقٍ تحتمِي بظلّي الذي بتُّ أحدّق بهِ بتعجُّبٍ كونَه أُضيف عليهِ ظلٌّ آخر.. مجهولٌ لكِنه ليسَ غريبٌ.
ألتَفتُّ بضعَ بوصاتِ و حدّقتُ للأعلىٰ، مباشرةً بوجههِ، رعشةٌ تسري أسفل عامُودي الفقرِي عندَ تعرّفي عليه، الأشعة الذهبيةٌ تنعكِس على بشرتِه البيضاء و علىٰ عينَيه، و أثرُ الظِلآل يضيفُ حدّة غير مرغوبٍ بها علىٰ ملامحِه، ليسَ عدلاً ولا مُساواة.
عيناهُ تحدّق مباشرةً بخاصتِي وهو ينحنِي شيئاً فشيئاً ليُصبح أمامي مباشرةً.
"أخبرتُكِ أنني سأعودُ رايلي"
صوتُه.. يا إلهي صوتُه إنّي أسمعه مجدداً وعلىٰ بُعد بضع بوصاتٍ من أذني.. ليس بعيداً كما كان دوماً، إنه هنا.
"ل..لوسيفر"
بالطّبع، صوتي يبدُو محتاراً تماماً كملامِحي، و أبتسامتهُ اللامبالية تلكَ ترسِل موجةً أسفل معدِتي، إنه لا يبتَسم.. لكِن لمَ يفعلها معي؟، لمَ يبتسمُ لي؟.

"هل ستَكُفّين عن التّحديق بشفتيّ في أيّ وقتٍ قريب"
عينَاي أرتَفعتا لا أرادياً لتقابل خاصتُه عندما مرّت كلماته عبرَ مسامعي.
تراجعتُ للخلفِ قليلاً عندما بدأ بالإقتراب حتّى شعرتُ بِـ ماءِ البحرِ يلامِس جسدِي توقّفتُ و ألتصقَ بي.
يا لهُ من مستغلٍ.
"لوسيفر!"
قلتُ بصوتٍ مندفعٍ قبل أن أرتمِي بين أحضانهِ و أغمرُ رأسي بتجويف عنقهِ، تتسللُ رائحة القهوة و السجائر إلى أنفي و عطرُه الرجُولي يضغط على كبريائي.
أستطيع معرفةً رائحته من بينِ آلاف الرجال، ولن أخطأ أبداً.
ذراعاهُ تجدُ طريقها فوراً لتحِيط خصرِي تزامناً مع محاوطتي لعنقه بذراعيّ أيضاً، تغوصُ كفّاي أسفلَ قميصِه الأبيضُ متلمّسةً عضّلات ظهرهِ و كتفيهِ المشدودة، يمكِنني أن أشعرَ بإرتخائها التّام تحتَ راحتيّ.
كما لو أنه وجدَ راحتُه أخيراً.
أغمضُ عينايَ عندَ شعوري بيداهُ تمسحُ علىٰ طول ظهرِي برفقٍ مردداً تلكَ الكلمات.. لم أسمعها من قبل لكِن هذا لا يعنِي أنني لم إكُن أحتاجُها.
صوتُه المبحُوح يتسلل لمسامعِي..
"انتِ بخير، لن يؤذيك أحد، أنا معكِ."
"انتِ قويّة رايلي، أرجوكِ لا تبكِ أبداً"
أظافرِي تنغرِسُ بجلدِ ظهرهِ النّاعم، و دموعي تشكّل بقعاً علىٰ قميصهِ الأبيض، كيف يعرف أنني أحتاجهُ؟، كيف يعرفُ أنني بحاجة لكلماتهِ، لمستهِ، و صوتهِ الدافئ.
"لستُ كذلكَ.."
رفعَ رأسي من عنقهِ مكوّباً وجنتايَ، حدّق بعينايَ بخاصتهِ و شرارةٌ من الغضبِ تنطلق منها.
أبهامُه يمسحُ وجنتِي الرّطبة بسبب الدُموع هازّاً رأسهُ بإنكارٍ .
"أنا أثقُ بكِ رايلِي لا تستمِعي لأحدٍ سوايَ أنا، هل هذا مفهوم؟"
أهزّ رأسي بنفيٍ لكِن لا..
لا لا لا لا.
لا يمكِن أن يكُون هذا..
صوتُ سيَارات الإسعافِ يجعلُني ببُعدٍ آخر..هذا ما ظننتُه حتّى فتحتُ عيناي و قابلتُ واقعِي، قطّي مستلقٍ فوقِي و ثقلهُ يحبِس أنفاسي.
مهلاً.
لوسيفر؟
لقدْ كان مجرّد حلماً.. إنه ليس هنا بأحد أجزاء السرير، أيُعقل أنني دفعتهُ بنومي؟
أُبعِد كلاودي من فوقيْ لأستطِيع النّظر حول جوانِب السرير.
ليس هُنا.
أنه مجرّد حلماً.. حلماً أخّاذٌ ولكنّه جارح..جارحٌ أن أستيقظَ وهو ليسَ بجواري، إنما بمُخيلتي فحَسب، والواقع يفرق بينَنا آلاف الكيلوميرتات، لقد تعمّق الفراغ وأصبحَ ثقلاً يكَادُ يسحقُ صدري، كنتُ أتمنىٰ أن يكُون هنا من أجلي بمجرّد أن أستيقظ.
لكنّي شعرتُ به جيداً، شعرتُ بدفء لمستهِ رُغم برودة يديهِ، لم يكُن مجرد عناقِاً بين أجسادِنا، كان عناقاً بين أرواحِنا ايضاً..
مهلاً... صفّاراتُ الإسعاف؟، أرمِي الغطاءُ من حضنِي و أهرولُ للنافِذة، مجموعةٌ من النّاس يتجمّعون على شكلِ دائرةٍ مما يجَعل رؤية ما داخلها صعباً.. لقد مرّ عليّ مشهدُ كهذا سابقاً، هل هو ذكرياتُ أم مجرد ديجا فو؟، م-

Dreams حيث تعيش القصص. اكتشف الآن