"ربما لكن ليس الآن"
في زاوية هادئة من المقهى الصغير، جلس عادل يتأمل في فنجان قهوته الذي برد منذ مدة. كانت أفكاره مشوشة، كما لو أن روحه تمزقت بين الحاضر والمستقبل. في تلك اللحظة، لم يكن يعلم ماذا يريد حقًا، لكنه كان يشعر بثقل قرارات لم تُتخذ بعد.
كانت ليلى قد تركت لتوها مقعدها المقابل له، وذهبت. لم تكن الجلسة التي جمعت بينهما مليئة بالكلمات، بل كان الصمت سيد الموقف، يحمل في طياته معاني لا تُحصى. كان عادل يعلم أن ليلى كانت تنتظر إجابة منه، إجابة على سؤال لم يُطرح بعد، لكنه كان يشعر به في نظراتها، في وقوفها الطويل قبل أن تغادر.
"هل ستكون مستعدًا؟" سأل نفسه بهمس، ولكن الصوت داخل رأسه جاءه بوضوح أكبر مما توقع. لقد كان يحب ليلى، لا شك في ذلك. كانت هي من تبعث في قلبه الطمأنينة عندما يغشاه القلق، ومن تمنحه الإلهام عندما يشعر بالضياع. ومع ذلك، كان هناك شعور بالخوف العميق. الخوف من الارتباط، من الالتزام، من القرار الذي سيغير مجرى حياته إلى الأبد.
عاد بذاكرته إلى اللحظة التي قابل فيها ليلى لأول مرة. كان ذلك قبل ثلاث سنوات، في مكتبة الحي. كانت تبحث عن كتاب نادر، وكان هو هناك بالصدفة. من تلك اللحظة، بدأت رحلتهما معًا. ضحكا، تناقشا، حتى تقاسما أحلامهما. لكنها اليوم تنتظر شيئًا أكثر. تنتظر أن يخطو تلك الخطوة الكبيرة.
"ربما أحبها... ربما هي الشخص المناسب... لكن ليس الآن."
كانت هذه الأفكار تدور في ذهنه باستمرار. لم يكن الوقت مناسبًا له، هكذا كان يقنع نفسه. العمل، الطموحات، المسؤوليات، كلها أمور جعلته يؤجل هذه اللحظة. لكنه في العمق يعلم أن الوقت المناسب لن يأتي أبدًا إذا استمر في الهروب.
عاد عادل إلى المنزل تلك الليلة، جلس في غرفته وكتب رسالة قصيرة لليلى:
"ربما، لكن ليس الآن."
وأرسلها.