بين الكتب

16 2 0
                                    

الفصل الأول: بين الكتب

كانت الرياح البحرية تحمل نسيمًا عليلًا عبر نوافذ مكتبة ليرين الصغيرة المطلة على الشاطئ. تلك المكتبة، التي كانت بمثابة عالمها الخاص، تضم مئات الكتب المتراصة على الرفوف الخشبية القديمة، كل منها يحمل قصة وحكاية مختلفة. جلست ليرين خلف المنضدة الخشبية الصغيرة، تقلب صفحات رواية عتيقة، متناسية العالم الخارجي.

منذ أن كانت طفلة، كانت الكتب ملاذها. القراءة تأخذها إلى عوالم بعيدة، تجعلها تنسى روتين حياتها اليومية الهادئة. في تلك المدينة الساحلية الصغيرة، كانت الحياة تسير ببطء، وكانت مكتبة ليرين مركزًا للكثير من الذكريات واللحظات الهادئة. تعودت على زيارة الأشخاص ذاتهم، تحية سريعة، ابتسامة متبادلة، ثم غوصهم في عالم الكتب.

لكن في ذلك اليوم، تغير كل شيء.

كان النهار مشرقًا والبحر هادئًا عندما دخل شاب طويل القامة إلى المكتبة. نظرت ليرين إليه للحظة، ثم عادت إلى كتابها، لكن شيئًا ما فيه جعلها تتوقف. كان يلبس قميصًا بسيطًا وسروالًا خفيفًا، شعره الداكن متألقًا تحت أشعة الشمس. بدا عليه التوتر، وكأنه لم يعتد على الأماكن الهادئة كهذه.

تقدمت إليه بابتسامة خفيفة، كما تفعل مع كل زبائنها الجدد. "مرحبًا، كيف يمكنني مساعدتك؟" سألت بصوت دافئ.

نظر إليها بعينين مليئتين بالفضول وقال بهدوء، "كنت أبحث عن مكان هادئ للقراءة. سمعت أن مكتبتك هي الأفضل في المدينة."

ضحكت ليرين بخجل وقالت، "لا أعتقد أنها الأفضل، لكنها بالتأكيد أكثرها هدوءًا."

أومأ الشاب برأسه وتقدم نحو الرفوف، يتصفح الكتب وكأنه يبحث عن شيء معين. لم تكن ليرين تستطيع أن تمنع نفسها من ملاحظة أن هناك شيئًا مختلفًا في هذا الرجل. لم يكن مجرد سائح آخر يمر بالمكتبة ويختفي، كان فيه شيء يبعث على الفضول.

"هل تبحث عن شيء محدد؟" سألته وهي تقترب منه بهدوء.

توقف لحظة، ثم نظر إليها وقال بابتسامة صغيرة، "في الحقيقة، لا. أظن أنني أبحث عن شيء لا أعرفه بعد."

كان لكلماته صدى غريب داخلها، فلطالما شعرت بنفس الشعور عندما تتصفح رفوف مكتبتها، وكأن كل كتاب يحمل جزءًا من حياتها لم تكتشفه بعد. ابتسمت له بتفهم وقالت، "هذا الشعور مألوف لدي. دعني أساعدك في العثور على شيء مناسب."

بقي الاثنان يتجولان بين رفوف المكتبة، وبين الحديث الخفيف واللحظات الصامتة، شعرت ليرين براحة غريبة بجانبه. أخبرها أن اسمه سنان، وأنه جاء إلى المدينة بحثًا عن الراحة بعد سنوات من العمل المجهد في المدينة الكبيرة. كان يبحث عن مكان يهرب إليه، وكان الشاطئ الهادئ والمكتبة الصغيرة بمثابة الملاذ المثالي له.

"أتعلمين،" قال سنان وهو ينظر من النافذة التي تطل على البحر، "أحيانًا، تشعر وكأن الحياة تمضي بسرعة دون أن نلتقط أنفاسنا. هنا، يبدو أن الوقت يتباطأ."

ابتسمت ليرين وقالت، "نعم، هذا ما أحب في هذه المدينة. يمكنك الاستمتاع بكل لحظة، دون ضغوط أو استعجال."

جلس سنان على أحد الكراسي الخشبية قرب النافذة، وأمسك كتابًا عشوائيًا من الرف. بدأ يقلب صفحاته ببطء، وكأن الكلمات كانت تهدئه. ليرين راقبت المشهد من بعيد، كانت هناك هالة من السلام تحيط بهما، وكأن المكان خلق ليجمع بين روحيهما في تلك اللحظة.

مع مرور الوقت، وجدت ليرين نفسها تنظر إلى سنان بين الحين والآخر، تتساءل عن قصته وما الذي دفعه إلى القدوم إلى هذه المدينة الهادئة. لم يكن مثل أي شخص آخر قابلته من قبل. كان هناك شيء مميز فيه، شيء لم تستطع تحديده تمامًا، لكنه جذبها إليه بطريقة غير مفهومة.

بينما كان سنان غارقًا في الكتاب، شعرت ليرين بنبضات قلبها تتسارع دون سبب واضح. هل يمكن أن يكون هذا هو الشخص الذي كانت تنتظره دون أن تعرف؟ ربما، لكن الوقت وحده سيجيب عن ذلك.

بقي الاثنان في المكتبة حتى بدأت الشمس تغرب، وكان البحر يعكس ألوان السماء الوردية والبرتقالية. عندما حان الوقت للرحيل، نظر سنان إلى ليرين وقال بابتسامة دافئة، "أعتقد أنني سأعود غدًا. هذا المكان مريح بشكل لا يُصدق."

ابتسمت ليرين وردت، "أنت دائمًا مرحب بك."

خرج سنان من المكتبة، وترك خلفه شعورًا دافئًا في قلب ليرين.

ليرينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن