همسات البحر

11 0 0
                                    

الفصل الثاني: همسات البحر

حلَّ صباح جديد على المدينة الساحلية، حيث كان صوت أمواج البحر يتردد بهدوء في أرجاء الشوارع الهادئة. كانت ليرين قد استيقظت مبكرًا كعادتها، متوجهة إلى المكتبة قبل أن تفتح أبوابها للزوار. كان هذا الوقت من اليوم الأكثر هدوءًا بالنسبة لها؛ تلك اللحظات القليلة التي تقضيها وحدها في ترتيب الكتب واستنشاق رائحة الورق القديمة تمنحها سلامًا داخليًا عميقًا.

بينما كانت ترتب رفوف الكتب، كانت تفكر في سنان. زيارته المفاجئة يوم أمس تركت انطباعًا غريبًا داخلها، لم تستطع التخلص من الشعور الذي تملّكها عندما تحدث معه. كان هناك شيء ما في طريقته البسيطة والهادئة جعلها تشعر بالارتياح، وكأنها تعرفه منذ زمن طويل.

ما إن انتهت من ترتيب الرفوف، حتى سمعت صوت جرس الباب يرن. رفعت عينيها نحو الباب لترى سنان يقف هناك، بابتسامته الهادئة المعتادة. كان يحمل كوب قهوة في يده ويلوح به كتحية صباحية.

"مرحبًا!" قال وهو يدخل المكتبة ببطء. "جئت لأبدأ يومي هنا. أتمنى ألا أكون قد أزعجتك."

ابتسمت ليرين وهي تضع الكتاب الذي كانت تمسك به على الرف. "أبدًا، المكتبة دائمًا مفتوحة لمن يبحث عن الهدوء."

جلس سنان على الطاولة الخشبية القريبة من النافذة، ووضع كوب القهوة بجانبه. نظر للحظة إلى البحر من خلال الزجاج، ثم أدار رأسه نحو ليرين، وكأنه يتأمل المكان بشيء من الفضول.

"يبدو أن هذا المكان له تأثير غريب عليّ." قال بهدوء. "لم أكن أتوقع أن أشعر بهذا الارتياح في مكان بسيط مثل هذا."

اقتربت ليرين وجلست على الكرسي المقابل له، مستعدة للتحدث معه. كانت تشعر بشيء مختلف في حديثه اليوم، وكأن هناك شيء في داخله يريد التعبير عنه، لكنها لم ترغب في التدخل.

"ما الذي جاء بك إلى هنا؟" سألته بلطف. "لا تبدو كسائح عادي."

نظر إليها لوهلة طويلة، وكأن السؤال أثار داخله مشاعر مختلطة. أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال: "كنت بحاجة إلى الهروب. المدينة الكبيرة ترهقني، والضغوط لا تتوقف. كنت بحاجة إلى مكان أشعر فيه بأنني حر."

أومأت ليرين برأسها بتفهم. كانت تعرف هذا الشعور جيدًا، الشعور بالاختناق وسط زحمة الحياة. "أعتقد أن البحر يمكن أن يكون علاجًا جيدًا لذلك. كلما شعرت بالضغط، جلست هنا فقط وراقبت الأمواج. يذكرني بأن الحياة تستمر دائمًا، مهما كانت الصعوبات."

ابتسم سنان لها، وكانت تلك الابتسامة كافية لتخفيف بعض التوتر الذي كان يثقل صدره. "أعتقد أنك محقة. لم أكن أظن أنني سأجد مكانًا مثل هذا."

بينما كان الاثنان يتبادلان الحديث، بدأت الشمس تتسلل عبر النوافذ، محولة المكان إلى مشهد ساحر. كان الجو في المكتبة هادئًا ومليئًا بالسكينة، وكأن الزمن توقف للحظة واحدة ليمنحهما فرصة لاكتشاف بعضهما البعض.

بعد لحظات من الصمت المريح، قال سنان: "أعتقد أنني سأبقى هنا لفترة أطول مما كنت أخطط له. لم أكن أتوقع أن أجد مكانًا يعيد لي هذا الشعور بالسلام."

"ستكون دائمًا مرحبًا هنا،" قالت ليرين وهي تحاول إخفاء الابتسامة التي بدأت ترتسم على شفتيها. شعرت أن هناك شيء جميل ينمو بينهما، شيء لم يكن بالإمكان تفسيره بعد.

"إذن، هل لديك كتاب معين تنصحينني به اليوم؟" سأل سنان وهو يبتسم.

ضحكت ليرين بخفة وقالت، "دعني أرى، أعتقد أنني سأختار لك شيئًا خاصًا اليوم."

نهضت وتوجهت نحو الرفوف، تبحث بين الكتب عن واحد يحمل في داخله تلك المشاعر التي كانت تشعر بها في هذه اللحظة. كان من الصعب اختيار كتاب مثالي، لكنها أرادت أن تعطيه شيئًا يعكس تلك اللحظات الساكنة التي يتشاركانها الآن.

بعد بضع دقائق، عادت إليه وهي تحمل كتابًا عنوانه "بين الأمواج". "أعتقد أن هذا سيتحدث إليك. إنه عن شاب يجد نفسه في مدينة ساحلية صغيرة، تمامًا كما فعلت أنت."

أخذ سنان الكتاب منها بابتسامة ممتنة، وقلب الصفحات ببطء. "يبدو مثاليًا."

بقي الاثنان في المكتبة لبقية الصباح، يتبادلان الحديث أحيانًا، وأحيانًا يغرقان في صمت هادئ ومريح. كانت هناك تلك اللحظات القصيرة التي يتوقف فيها الزمن، وكأن كل شيء في هذا العالم قد تم ترتيبه بشكل مثالي لهما. لم تكن ليرين تعلم إلى أين ستأخذها هذه العلاقة، لكنها شعرت أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح.

عندما حان وقت المغادرة، وقف سنان وقال بلطف، "أعتقد أنني سأعود مجددًا غدًا. يبدو أنني أصبحت مدمنًا على هذا المكان."

ابتسمت ليرين وقالت، "ستكون دائمًا مرحبًا."

ترك سنان المكتبة، لكن وجوده ظل معها، وكأن همسات البحر حملت كلماته ورغباته وبقيت ترددها في أرجاء المكان.

---

كانت هذه بداية لعلاقة لم تتضح معالمها بعد، لكن الأيام القادمة كانت تحمل الكثير من المفاجآت لهما.

ليرينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن