-1-

558 38 11
                                    




في وينترهولوم - انجلترا سنه 1885
، في صباح يوم الثالث والعشرين من سبتمبر، حلّ الخريف أخيرًا وسقطت أول ورقة برتقالية من الشجرة العتيقة وسط المدينة. كان الهواء باردًا لكنه منعش، وتخلل النسيم الرقيق أجواء القرية الهادئة. وسط ذلك، وفي ورشته المظلمة، كان تشانيول الحداد الشهير منهمكًا في عمله.

تشانيول، بقامته الشاهقة التي تكاد تلامس السقف، وكتفيه العريضين كأنهما جبلاين، كان يقف مرتديًا مئزرًا جلديًا أسود يحيط بجسده الضخم. كل ضربة بمطرقته العملاقة كانت تخلق صوتًا يملأ الأرجاء، فيضرب الحديد المنصهر بقوة، تتراقص الشرارات حوله وتضيء وجهه المتصبب بالعرق. عضلات ذراعيه، المتفجرة كالحبال، تبرز مع كل حركة، تظهر عروقًا بارزة كأنها تروي قصة قوة لا تضاهى. كان جسده قويًا كأنه قد صُنع من الفولاذ ذاته الذي يعمل عليه.

عيناه الضيقتان، اللتان تظهر عليهما آثار التعب والجهد، انزعجتا من الشرارات المتطايرة التي كانت تتطاير في الأجواء. لكنه لم يهتم، فقد كان هذا يومًا آخر من العمل الشاق المعتاد في وينترهولوم، حيث يعرف الجميع الحداد الضخم الذي يستطيع إنهاء عمله أسرع من أي حداد آخر. قوة تشانيول كانت مضربًا للمثل في القرية، لم يكن هناك شخص ينافسه في القوة أو المهارة.

بينما هو منهمك في صنع سيف جديد، سمع طرقات خفيفة على باب ورشته. في هذا الوقت من اليوم، لا يسمح لأي شخص بالدخول، إلا أن هذه الطرقات كانت مختلفة، رقيقة وهادئة. لم يحتج أن يفكر كثيرًا ليدرك من هو خلف الباب.

بلا تردد، وضع المطرقة جانبًا، متجاهلاً أن الحديد سيجمد إن لم يكمل عمله الآن. لكن لا شيء يهم عندما يكون الطبيب بيون بيكهيون هو من ينتظر بالخارج.

عندما فتح تشانيول الباب، ظهرت أمامه تلك الصورة الناعمة التي يعرفها جيدًا. بيكهيون، بقامته القصيرة، وقف أمامه وهو يضم بعض الأوراق إلى صدره كأنه يحتفظ بشيء ثمين. كان الطبيب يرتدي معطفًا بسيطًا، يضفي على مظهره الأنيق طابعًا هادئًا يتناقض تمامًا مع ضجيج الورشة. عيناه البنيتان اللامعتان، التي تخفي خلفهما هدوءًا غير عادي، رفعت لتلتقي بعيني تشانيول.

"مرحبًا، تشانيول"، قال بيكهيون بصوته الناعم الذي ينساب كالموسيقى. "إنه موعد الفحص الدوري، هل أنت متفرغ؟"

تشانيول، الذي كان قد بدأ للتو بمسح العرق والرماد من وجهه، شعر بضربات قلبه تتسارع. ملامحه القوية التي كانت غارقة في التركيز منذ لحظات، انحلت تدريجيًا أمام هذا الحضور الهادئ. "نعم"، قال ببساطة، بينما يفتح الباب على مصراعيه ليسمح للطبيب بالدخول.

جلس تشانيول على كرسي خشبي ضخم وسط ورشته، عضلاته المفتجرة بارزة من تحت قميصه الأسود الذي لم يكن قادرًا على إخفاء تفاصيل جسده القوي. وجهه الصارم والعابس كان يعكس صلابة وقسوة، لكن في داخله، كان كل شيء مضطربًا. عيناه كانت تتراقص بين نظرات سريعة نحو الطبيب بيكهيون الذي يقف أمامه، ثم سرعان ما كان يشيح بنظره بعيدًا، متظاهرًا بأنه منشغل.

Strong arms | أذرع قويهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن