غيم

4 0 0
                                    

مقارنة بسماء الصيف الزرقاء الباهتة، كنت أحب بدايات الخريف، وشكل الغيوم البديع الذي يزين السماء. كنت أشتاق للمطر كما تشتاق له الأرض، وأحب حركة الرياح الباردة أكثر من صمت الصيف الخانق. كشخص ولد وعاش في أرض الشام، لم يكن صيفنا جحيمًا لكنني مع ذلك لم أكن أطيقه أبدًا.

طال الصيف هذا العام كثيرًا، غابت الغيوم عن السماء لأشهر طويلة، وعندما ظهر فتات منها أخيرًا رحت أشارك حبوري مع الأصدقاء حولي، كنت سعيدة حقًا كعطشى تنتظر السقيا، لا أعتقد أنني حرمت أحدًا من كلامي يومها.

كان من بين من تحدثت إليهم صديقة من غزة، أخبرتها أن الجو عندنا بدأ يلين أخيرًا، لم يعد حارًا لتلك الدرجة، وبدأ الهواء يتحرك أخيرًا، والأجمل والأسعد هو أن الغيوم عادت لتغطي وجه السماء الباهت وتزينه بلونها وشكلها الساحر. كنت أنتظر من صديقتي أن تحتفل معي، هي تعيش على نفس الأرض، ولابد أن الجو عندها تغير كما تغير عندي، ولم يكن الصيف فصلًا مريحًا في غزة على أي حال.

لكن صديقتي فاجأتني بقولها أنها تكره الغيوم، قالت أنها لا تريد رؤيتها بعد، إنها تحجب الشمس، الشمس التي تحرك الحياة في غزة، وقود غزة هو الشمس، إذا غابت فكيف نعيش؟

كان جانبًا جديدًا اكتشفته يومها، الغيوم البديعة يمكن أن تكون ضيفًا مزعجًا. كنت ما زلت أحب الغيوم، وأحببت الشتاء كعادتي، لكنني لم أجرؤ بعدها على تمني أن يأتي سريعًا، فكرت أن الغيمة التي ستمر فوقي ستمر فوق غزة، الغيمة التي ستظلني من الشمس ستحرمهم منها، المطر الذي سيغسل أوراق أشجاري المتربة سيغرق غزة في الطين لأيام.

غابت الغيوم بعدها لفترة، يبدو أن الشتاء سيتأخر هذا العام، تنفست الصعداء، ربما تملك صديقتي وقتًا إضافيًا لتستعد للشتاء. صحيح أن نباتاتي بدأت تموت من طول مدة الجفاف وسطوع أشعة الشمس، لكن الحفاظ على حياة النبات رفاهية بينما لا نستطيع الحفاظ على حياة الإنسان.

أو هذا ما كنت أظنه حقًا. الفتاة التي خافت من قدوم الشتاء لا يبدو أنها ستشهده، لقد قصفت المدرسة التي نزحت إليها، لقد قتلها المحتل رفقة عشرة من عائلتها. كنت خائفة أن تؤذيها الغيوم، خفت ألا يعجبها برد الشتاء، تمنيت أن يتأخر الشتاء الذي يزعجها، أو الذي ظننت أنه يزعجها. لكن الحقيقة هي أنني لم أستطع أن أرى الغول الكبير الذي يغطي السماء كلها منذ أشهر، الذي جعل الصيف والشتاء على حد سواء عذابًا، هذا المحتل الغاصب، الذي سحق الأيام، وجعلها تسجيلًا مكررًا للصورة ذاتها. الذي حرم صديقتي من الاستبشار برؤية الغيم، وخلق القلق والخوف من الشتاء.

استيقظت اليوم على سماء تغزوها الغيوم، سمعت أن السماء بدأت تمطر في غزة، لكنها لم تمطر بعد عندنا، هل ترى سيأتي الشتاء هناك أولًا؟ أو أننا حرمنا من الغيث؟ في هذه الأثناء، أنا حقًا لا أعلم ما أتمنى، لكن لندعو أن يجزل الله العطاء من خير هذا الغيم لأهل غزة ولنا، ويمنع عنهم وعنا شره، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Nov 08 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

يوميات متفرج على الحربWhere stories live. Discover now