قلبي يؤلمني

11 1 0
                                    


مرَّ يومان عليّ وكأنهما سنوات من العذاب، جحيمٌ قاسٍ لم أكن أظن أنني سأعيشه. هذه المرة بعدما ما ظهر في حياتي وظننت بانني نجوت من الموت بسبب فراقه عني، ومع ذلك اخترت الموت مرة اخرى ولم أستجب لاتصالاته، ولم أُصغِ إلى صوته؛ تجاهلته تماماً، وكأنني قررت أخيراً نفيه من حياتي. منذ اللحظة التي دخل فيها عالمي، انقلبت حياتي إلى فوضى لا تحتمل.

كنت أذكر طفولتنا، حين لم يكن يتجرأ يوماً على إيذائي، كان مختلفاً، وأفعاله لم تترك في قلبي ندوباً كما تفعل الآن. لقد تغير، وبتلك القسوة التي يجلدني بها اليوم، أرهقني نفسياً حتى أقصى حد. هذه المرة، عزمت حقاً أن أتجاهله وألا أُصغي إليه أو أصفح عنه.

كانت سابقا طموحات الشباب تملأ روحي، وهدوءٌ عميق يحتضن قلبي، راحة لم أظن يوماً أنها ستتبدد. لكن بعدما دخل حياتي ذلك الرجل المغرور، بعثر عالمي لآلاف السنين؛ حتى فقدت نفسي، وتاهت أهدافي وشغفي في هذه الحياة. بسببه، خسرت الكثير والكثير؛ أضعت نفسي بين الشوارع فقط لإسعاده ولأجل طمأنينته. لكن، ماذا حصلت بالمقابل؟ سوى كراهيته وعقابه القاسي، كان يعاقبني بطريقة أدمت قلبي الذي لا يقوى على هذا الألم.

أتذكر اللحظات الأولى عندما كنت أرى في عينيه عالماً جديداً، كنت أشعر وكأنني أطير معه في سماء مفتوحة. لكن فجأة، أصبحت تلك السماء ضيقة، وأصبح الهواء من حولي ثقيلاً لا أستطيع التنفس فيه. كان حضوره يطوقني كقيد، وكأنني سجينة في عالم صنعه لي؛ عالم لا يعرف للراحة أو الأمان سبيلاً.

أصبحتُ أخشى تفاصيل حياتي البسيطة، ابتسامتي التي كانت يوماً ما نابعة من القلب، باتت اليوم مختنقة، تنتظر لحظة الإفلات. أراقب نفسي وأنا أتلاشى شيئاً فشيئاً، أراقب أحلامي وهي تذبل، وأيامي وهي تُسرق مني بصمت. كيف كنت ساذجة بما يكفي لأضحي بنفسي لأجله؟ كيف سمحت أن أتحول إلى صورة باهتة لا تعرف عن نفسها شيئاً؟

أدركت أنني كنت مجرد ظل، ظلٌّ باهتٌ لشخصية أراد تشكيلها كما يشاء.

رغم كل الألم، كان جزء مني ما زال متعلقاً به كالمجنونة، كأنني أدور في دوامة لا أعرف طريقاً للخروج منها. كان ظله يرافقني أينما ذهبت، يتسلل إلى أفكاري، يُنبت في قلبي شوقاً لا تفسير له، شوقاً مُرّاً يأسرني ويحرمني من هدوئي الذي اعتدت عليه. كنت أعرف أنني أضعتُ نفسي، لكنني كنت عاجزة عن استعادتها.

صرتُ أبحث عن أي إشارة منه، كلمة، نظرة، حتى لو كانت قاسية؛ كنت أستمد منها ما يجعلني أعيش ليوم آخر، أتنفس ليوم آخر. كلما كان يبتعد، كان قلبي يزداد تعلقاً به. لم أعد أعرف ما إن كنتُ أعيش لنفسي أم له، كأنني تحولت إلى كائن ينمو فقط من بقايا اهتمامه، حتى لو كانت نظراته تخترقني ببرودٍ قاسٍ، وحتى لو كان صوته يحمل تجريحاً يتسلل إلى أعماقي.

وكلما حاولت الابتعاد، كان شيءٌ داخلي يشدني إليه، يدفعني للركض خلفه، لتبرير كل تصرفاته القاسية، لإقناع نفسي أني أستحق هذه الآلام من أجل لحظة قصيرة أشعر فيها بالدفء بين ذراعيه، أو ابتسامة عابرة تُعيد لي الحياة ولو للحظات. كنت أرى فيه أملًا زائفاً، مراً، لكنه أمل كان يعنيني أكثر من حياتي نفسها.

كانت أفكاري تتمحور حوله، تحاصرني به. لم أكن أستطيع النوم دون أن أتساءل إن كان يفكر بي، أو يشعر بي كما أشعر به. وكنت أعرف في أعماقي أني أسير خلف وهم، لكنني لم أملك القوة لأبتعد. استخدمني فقط كاداة له يتلاعب بها اينما يشاء، ومتى يشاء، وكيف يشاء، لدرجة كان يركض الي باوقاته الثقيلة والمتعبة فقط، هو لم يأتيني حين كان سعيدا وبينما مكتئبا وحزينا، وهذا ما جعلني أشعر بانني اليوم اعيش لاجله فقط وسيكون هدفي الوحيد ان اسنده في وقت الضيق والشدة!.

اي قلب رحيما املك، يا الهي هل ذلك كان غباء أم عشق؟!

في الأيام التالية، لم يتوقف عن الاتصال بي؛ عشرات المكالمات تضيء شاشة هاتفي، ورسائل متتابعة كأنها لا تنتهي، يترجاني فيها ويعتذر، ويدّعي أنني فهمت الأمر خطأً. تجاهلته، محاولتي للهرب منه كانت تزداد قوة، وكأن قلبي يحاول إغلاق كل الأبواب التي أبقيتها مفتوحةً له ذات مرة.

لكنه لم يتوقف؛ كان يلاحقني في كل مكان، حتى شعرت أنني أهرب من ظله. ظهر فجأة أمامي في طريقي المعتاد، تعابير وجهه تملؤها الندم والرجاء، كلماته المتسارعة تتوسل لي بأن أسمح له بالحديث. كان يقول: "أعطيني فرصة أخيرة، فقط لنشرح كل شيء". لكن قلبي المنهك كان يهمس لي بأنني عانيت بما يكفي، وأنني لست مدينةً له بأي فرصة أخرى.

ومع ذلك، لم أستطع تجاهل ذلك الشعور الذي يسكنني رغم كل شيء. كأنني بين الرغبة في البقاء قويةً وبين ضعفي أمامه، عالقة في هذا الصراع الذي لا ينتهي.

#يتبع

لا تنسو حبايبي تصوتوووو كرمال استمر!.

عاقبنيِ عن افعاّليِ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن