11 "صدمات"

632 5 0
                                    

كانت شمس الأصيل تتسلل عبر نوافذ القصر الكبير في اليونان، تلون الجدران المهيبة بلون ذهبي دافئ. في الداخل، كانت حسناء تسير بهدوء بين الغرف، خطواتها بطيئة وحذرة، كأنها تحاول ألا تزعج الهواء من حولها. كلما كانت تقترب من غرفة ألبرتو، كانت نبضات قلبها تتسارع. لم تعد تشعر بالزمن، فالأيام كانت تتشابك في هذا القصر الموحش الذي بدا وكأنه معزول عن العالم.

في تلك الليلة، كانت حسناء قد أعدت له الشاي. تحاول بكل طاقتها أن تظل هادئة ومتقنة في كل حركة تقوم بها. حملت صينية الشاي بأيديها المرتعشة، ورفعت عينيها بخوف نحو ألبرتو، الذي كان يجلس على كرسيه الكبير، ينظر إليها بعينين تراقبان كل خطوة، كل حركة تقوم بها. لم يكن هناك مفر من تلك النظرات التي شعرت وكأنها تحاصرها من كل اتجاه.

تقدمت نحو الطاولة، جلست على ركبتيها بهدوء بجانبه، ووضعت الصينية أمامه. أمسك الفنجان منها دون أن يتحدث، لكنها شعرت بثقل عينيه عليها. كان الصمت سلاحه، يعرف تمامًا كيف يستخدمه ليُبقِيها في حالة دائمة من التوتر والترقب.

وبينما كانت تُقدّم له الفنجان، انزلقت يدها عن طريق الخطأ، فانسكب الشاي على ركبتيه. ارتجفت، وتراجعت بسرعة وهي تدرك أن ما حدث سيكون له عواقب وخيمة. "لا، لا، لا ارجوك .. هذا ليس قصدي، أنا آسفة، أرجوك سامحني..." همست بصوت مرتعش، وبدأت الدموع تتجمع في عينيها قبل أن تنظر إليه.

نظر إليها ألبرتو ببرود، عينيه كانتا جامدتين، لا تظهران أي مشاعر. وقف ببطء، مسح الشاي الذي انسكب على بنطاله، ثم التفت إليها. كان الموقف أشبه بكابوس تكرر في أحلامها مئات المرات، ولكن هذه المرة كان حقيقيًا.

ركعت حسناء أمامه فورًا، عيناها مملوءتان بالدموع، قلبها ينبض بقوة تكاد تجعلها تسمع دقاته. بدأت تقبّل يديه بسرعة وهي تبكي بحرقة: "أرجوك... أرجوك سامحني، ألبرتو، لم أقصد فعل ذلك... أنا آسفة. أرجوك، أرجوك، اغفر لي..."

ثم، وكأنها كانت تحاول إظهار أقصى درجات الطاعة والخضوع، انحنت أكثر حتى لامست جبهتها الأرض، وبدأت تقبّل قدميه، مرة وعشر مرات، تتمسك بكلتا قدميه وهي منهارة بالدموع. كانت دموعها تبلل الأرضية الباردة، وصوت شهقاتها كان يمزق الصمت الذي كان يسيطر على القصر. "ألبرتو، أرجوك، سأفعل أي شيء، أي شيء تريده... لا تعاقبني... أرجوك. اغفر لي هذه المرة. سأكون مطيعة، سأفعل كل ما تطلبه."

كانت تعرف أن هذه اللحظات الحاسمة قد تعني الفرق بين العقاب الجسدي والرحمة النادرة التي قد يمنحها لها إذا شعر بالرضا عن طاعتها.

وقف ألبرتو فوقها، نظر إليها من علوه وكأنها مجرد كائن مكسور عند قدميه. رفع يده ببطء، وكأنها تستعد لاستقبال صفعة جديدة منه. نظرت إلى يده وهي ترتفع في الهواء، شعرت بالخوف يخنقها وكأن قلبها سيتوقف في أي لحظة. دموعها ازدادت انهمارًا، وعيناها توسعتا رعبًا.

لكنه، بدلاً من أن يصفعها، أبقى يده مرفوعة للحظة، ثم أنزلها ببطء ولطف نحو خدها المبلل بالدموع. مسح دموعها بإصبعه، ثم بدأ يمرر يده على خدها وكأنه يتلاعب بمشاعرها، يلمسها بلطف خادع، وقال بصوت خافت مليء بالبرود: "لا تكرري فعلتك هذه... فهمتِ؟ بالمناسبة أحببت طريقتك في جلب مغفرتي هذه المرة"

ارتعشت حسناء تحت لمساته، وعيناها لا تزالان تحدقان في وجهه، غير قادرة على فهم ما إذا كان هذا لطفًا حقيقيًا أم مجرد جزء من لعبته النفسية. "نعم... نعم، فهمت لن أكررها سيدي" تمتمت بصوت مهتز، لم تجرؤ على رفع رأسها.

كانت تلك اللحظة مليئة بالتناقضات بالنسبة لها. كانت تعرف أنه لا يملك شفقة حقيقية، ولكن هذه اللمسة، حتى وإن كانت خادعة، كانت بمثابة لحظة راحة مؤقتة. مجرد عدم التعرض للأذى كان يُعتبر مكافأة في عالمها الذي بات يُقاس بالعقاب والنجاة. لولا أن صفعها مبتسما في اللحظة الأخيرة ثم ألقى بها أرضا ثم ذهب ليكمل سيجارته في الشرفة.

عاد ألبرتو إلى كرسيه جلس ببطء، ونظر إليها وهي لا تزال راكعة على الأرض. "تعلمي أنني أراقب كل شيء، حسناء. لا تفكري في ارتكاب أي خطأ، حتى لو كان صغيرًا. فكل شيء في هذا القصر يخضع لي."

نظرت حسناء إليه، ورأسها منخفض، محاولة كبت أي حركة قد تثير غضبه من جديد. كانت تعرف الآن أن الطاعة المطلقة هي السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة. كل مرة تنحني فيها له، كل مرة تقبل يده وقدمه، كانت تذكر نفسها أن هذا الخضوع هو كل ما تبقى لها. " حاضر سيدي! تقبل مني خالص اعتذاراتي وتوسلاتي الرخيصة أمام عظمتك"

في الأيام التالية، ازدادت طاعتها له بشكل كامل. كانت تستيقظ في الصباح لتجهز له الإفطار، تقدم له كل شيء بلا تردد. إذا طلب منها أن تجلس بجانبه، كانت تجلس فورًا. إذا أراد أن يراها تركع أمامه، كانت تفعل ذلك بلا تردد حتى من دون سبب،. حتى نظراتها أصبحت خاضعة بالكامل، كان أحيانا يطلب منها أن تركع فيضع على ظهرها طابق قهوته وسيجارته يمدد أقدامه ويبقى هكذا حتى يكتمل المساء، كانت لا تجرؤ على النظر في عينيه مباشرة إلا إذا طلب ذلك.

في إحدى الليالي، وبينما كانت تجلس بجانبه على الأرض، تقدم نحوها بهدوء وأمسك بذقنها بلطف، رفع وجهها نحو عينيه وقال: "عندما سوف تنجبين مني هذا الولد سأكون مضطرا إلى البحث عن أم تفهم في تربيته تناسب مقامي.. ستكونين حينها مضطرة إلى طاعتها هي الأخرى، تقدرين على ذلك يا كلبتي ؟ "

نظرت إليه، عينيها مملوءتان بالخوف والخضوع الكامل. "سأفعل كل ما تطلبه مني سيدي ألبرتو... أعدك." قالت بصوت خافت، وكأنها تُقدّم نفسها كضحية جاهزة لتقبل كل شيء.

مرت الأيام في القصر، وتعمقت حسناء في هذا النمط من الحياة. كانت تعرف أن كل يوم يمر هو يوم جديد من الخضوع، وأن كل لحظة هي فرصة لتجنب غضبه. لم تعد تفكر في نفسها كفرد مستقل، بل كجزء من عالمه، تعيش تحت سيطرته الكاملة، تنتظر منه الرحمة أو العقاب، لكن دون أمل حقيقي في النجاة.

إلى متى ستستمر حسناء في تقديم هذا الخضوع الكامل؟ وهل ستكون هذه الطاعة المفتاح الذي يحفظ حياتها أم أنه طريق آخر نحو هلاكها؟

فن السادية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن