حديقة الغموض

70 6 0
                                    

خرجت رودين من عيادة طبيبها، تجر ساقيها وكلماتُه القاسية تدور في عقلها كعاصفة لا تهدأ: "هل من المعقول أن أموت قبل أن أعيش حياتي كما أرغب؟ لماذا يحدث هذا لي وأنا ما زلت في عشرينيات عمري؟ كيف يمكن أن أصاب بالسرطان؟ لماذا؟ فقط لماذا يحدث هذا لي؟" شعرت وكأن قلبها ينهار، والدموع تكاد تنهمر من عينيها، لكن تلك العواصف العاطفية لا تهمها أمام صراخ الناس من حولها.

فجأة، صرخ أحدهم في وجهها: "هل جننت؟ أتريدين الموت؟ ابتعدي عن الطريق!" أدركت رودين أنها تقف في منتصف الطريق، فحنت رأسها معتذرة، ثم هربت مسرعة، وكل خطوة كانت تتعالى فيها مشاعر الخوف والضياع في أعماقها.

استمرت في الركض حتى انقطعت أنفاسها، ووجدت نفسها في حديقة لم ترها من قبل. "مهلاً، أين أنا؟ لم أزر هذه الحديقة من قبل. هل كانت توجد في مدينتي حديقة مثل هذه؟" تملكتها مشاعر الدهشة، وكأنها عبرت إلى عالم آخر.

نظرت حولها باستغراب، فاستقبلتها ألوان زاهية وعطور غريبة، وكأن الحديقة تنبض بالحياة. كانت الأشجار ضخمة، وتماثيل غريبة تحتضن المكان، جميعها أجساد بلا رؤوس، جميلة ومخيفة في آن واحد. الورود السوداء التي تتفتح حولها كانت تعكس غموضًا وقلقًا في قلبها، كما لو أنها كانت في حلم غريب لا تعرف كيف انتهى بها الأمر هنا.

مشت رودين ببطء، مستمتعة بجمال المكان المذهل. كراسي رخامية بتصميم أنيق أحاطت بها، وتلك النافورة في الوسط، تتراقص فيها المياه كأنها تتحدث بلغة لا تفهمها. "كيف وصلت إلى هنا؟ هذا غريب، أو ربما دعستني سيارة ومُتُّ؟" تساءلت بصوت منخفض، وكأنها تبحث عن تفسير لموقفها المريب.

لكن حبل أفكارها انقطع بصوت خطوات شخص يقترب منها. استدارت لترى من القادم، ليظهر لها رجل يبدو في خمسينيات عمره، يرتدي ثيابًا غريبة كأنه خرج من أحد كتب التاريخ. شعرت برعشة تمر في جسدها، لكن فضولها كان يدفعها نحو المجهول.

قالت في نفسها: "ما هذا؟ هل سافرت عبر الزمن أم ماذا؟" ابتسم الرجل ابتسامة بشوشة، أضفت لمسة من الغموض على ملامحه، ثم قال: "لا، لم تسافري عبر الزمن."

تجمدت رودين في مكانها. "هل قرأ أفكاري أم ماذا؟" ضحك الرجل وقال: "تعابير وجهك توحي بذلك، لكن إذا أردتِ، يمكنني جعله حقيقة."

"أريد ماذا؟ السفر عبر الزمن؟ هل تمزح معي الآن؟" كانت تشعر بالارتباك، لكن الفضول بدأ يتسلل إلى مشاعرها.

"لماذا سأفعل ذلك؟ حسنًا، هو ليس سفرًا عبر الزمن فعلي، لكن يمكنني أخذك إلى عالم آخر حيث تتحقق كل رغباتك الدفينة."

"رغبتي الدفينة؟" سألت باستغراب، وكأن تلك الكلمات كانت تدق في رأسها. قرصت نفسها لعلها تتحقق من واقعها: "أوتش... هذا ليس حلمًا."

"لا تقلقي، لست رجلًا سيئًا. لن أؤذيك، بما أنك جئت إلى هنا، فسأكون مرشدك وسأساعدك في تحقيق رغبتك الدفينة." نظرت إليه باستغراب، وأجابت بتجهم: "رغبتي الدفينة الآن هي الخروج من هنا. من فضلك، أين بوابة الخروج؟"

أشار الرجل بيده نحو الخلف وقال: "خلفك مباشرة."

استدارت رودين في صدمة. "ماذا؟ كيف يمكن هذا؟ كيف لم أرَها؟" شعرت بارتباك شديد وكأن الأرض تبتلعها، وازدادت نبضات قلبها رعبًا.

نطق الرجل مجددًا، قائلاً بصوت هادئ: "يبدو أنك تفكرين أنني مجنون، لكن إذا أردت الذهاب إلى ذلك العالم، سأدلك بكل صدر رحب."

"هل تعرفني؟ ولماذا تفعل هذا؟ أمرك مشكوك فيه بالفعل." تساءلت رودين، والقلق يتصاعد في قلبها.

ضحك بصوت عالٍ، كأنه يتجاوز حدود الواقع، وقال: "أنت لست أول شخص يأتي إلى هنا، وبما أن القدر جلبك إلى هذا المكان، فهذا يعني أنك ضائعة. واجبي إرشادك، والباقي متروك لك."

رجعت رودين خطوتين للخلف، وهي تشعر أن هذا اللقاء قد يكون مع شخص غريب. "يجب أن أخرج من هنا. كان ينقصني فقط أن ألتقي بالمجانين." حينما استدارت لتخرج، قال الرجل: "أراك قريبًا، رودين."

مشت رودين مسرعة، والخوف يملأ قلبها، وكأن دقات قلبها تتناغم مع خطواتها السريعة. فور أن خرجت، ركضت بأقصى سرعتها عائدة إلى المنزل، وكانت تتمنى أن تكون كل هذه الأحداث كابوسًا. اعتبرت هذا أسوأ يوم في حياتها، وكأن كل ما مرت به كان مجرد ومضة من الجنون. لكن تلك الحديقة، وتلك الكلمات، ستظل عالقة في ذاكرتها كظل غامض.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن