أصداء الفقد

26 5 0
                                    

مرت أيام على خبر وفاة ليلى، وكأن الزمن قد تجمد. كانت رودين تجلس في غرفتها، كجسد بلا روح، لم تخرج منها طيلة تلك الأيام. كل تفكيرها كان محصورًا في سؤالٍ واحد: لماذا فعلت ليلى ذلك؟ "لقد قالت إنها ستكون معي، كيف أمكنها أن تترك كل شيء؟ قالت إنه لا يوجد في الحياة ما يستحق المعاناة، فلماذا انتحرت؟"

والدا ليلى لم يكونا سيئين، بل كانا صارمين. رغبا في نجاح ابنتهما الوحيدة، لكنهما لم يكرهاها كما فعل أهل رودين، الذين كانوا يزرعون الشك في نفسها.

قطعت حبل أفكارها صوت والدتها، وهي تحمل صينية الطعام وقلق يعتري وجهها. "رودين، بنيتي، لم تأكلي شيئًا منذ أيام. خذي هذا الحساء."

أجابت رودين برتابة، "لا رغبة لي، أرجوك، اتركني وحدي."

تنهدت والدتها، ثم قالت: "أنتِ تظنين أني أكرهك. أعلم أن طريقتي معك قد تكون قاسية، لكنني لا أستطيع تحمل رؤية ابنتي تذبل أمام عيني. أرجوك، تناولي قليلاً."

نظرت رودين إلى عيون أمها، ووجدت فيهما مزيجًا من القلق والألم، ثم قالت: "أخبرتك، لا أريد."

"رودين، أرجوك، لا تفعلي هذا. هل تريدين الموت بهذه الطريقة؟"

ابتسمت رودين بسخرية مريرة، "أنا أصلاً سأموت."

سألت أمها في حيرة، "ما الذي تتحدثين عنه؟"

أدارت رودين رأسها بعيدًا، "لا شيء."

أمسكتها والدتها من كتفيها، محاولةً استجذاب انتباهها. "رودين، إياك أن تفكري في الموت!"

"لكنه سيكون مصيري. أيامي معكم معدودة، وحينها سألتقي بصديقتي الوحيدة."

فزعت أمها من كلماتها، "هل ترغبين في الانتحار مثل ليلى؟"

ضحكت رودين بحزن، "لا أملك جرأة ليلى. لن أنتحر، فلا تقلقي، اسمكم لن يُلطخ بسببي."

"أنتِ ترينني كعدوتك، لهذا لن تخبريني بأي شيء."

"أنا لا أعتبرك عدوتي، ولا أعتبرك أمي. أنتِ بالنسبة لي لا شيء. من فضلك، اتركني وحدي."

نهضت والدتها من أمامها، وقبل أن تغادر الغرفة، قالت: "أمس جاءت والدة ليلى لرؤيتك، لكنك كنت نائمة. إذا أردتِ، يمكنك الذهاب لمنزلهم."

أقفلت الباب خلفها، وانكمشت رودين في مكانها. لم تعرف كم من الوقت مضى وهي على تلك الحال، حتى قررت فجأة الذهاب إلى منزل ليلى. ارتدت معطفًا طويلًا فوق ثياب النوم، رغم أن الجو كان ربيعيًا، لكنها شعرت بالبرد، وكأن الشتاء لا يزال يخيم على قلبها. خرجت من غرفتها لتجد أهلها مجتمعين في غرفة الاستقبال. توجهت والدتها نحوها، قائلة: "هل أنتِ ذاهبة لمنزل والدة ليلى؟"

أجابت بحزم، "نعم."

"رافقتك السلامة، ابنتي." لم تتحمل رودين رؤية وجه أمها، فارتدت حذاءها وخرجت دون تفكير.

لم تشعر بنفسها حتى وصلت إلى منزل صديقتها. كانت تسير وكأنها في حلم، حتى وجدت والدة ليلى، السيدة روز، تنتظرها عند مدخل الباب. "رودين، عزيزتي!" استقبلتها بالأحضان، ودفعتها إلى الداخل. "تفضلي، عزيزتي."

جلست رودين في غرفة الضيوف، وكان المنزل موحشًا، كأن الروح اللطيفة التي كانت تعم أرجاءه قد رحلت. وضعت الآنسة روز صينية من البسكويت والعصير أمام رودين. "هل تذكرين عندما كنتِ وليلى تخرجان من المدرسة، وتأتيان مباشرة لطلب هذا البسكويت والعصير؟ كم كنتما لطيفتين سويًا."

تنهدت رودين بألم، وعجزت عن الكلام، حتى أن تعبيرًا واحدًا لم يكن بإمكانها أن تعبر به عن مشاعرها. تجمدت كل المشاعر في قلبها، وكأن الزمن توقف.

نظرت إليها السيدة روز، ثم نهضت قائلة: "انتظري هنا، عزيزتي." عادت السيدة روز تحمل دفتر يوميات في يدها. "لقد وُجد هذا مع ليلى، وعليه رسالة تفيد بأنه يجب إعطاؤه لك. لم نجرؤ، أنا ووالدها، على قراءته. قرأه رجال الشرطة فقط، لكننا طلبنا منهم عدم إخبارنا عن محتواه."

نظرت رودين إلى الدفتر بألم، ثم مدت يدها نحو السيدة روز. "خذي، عزيزتي، لكِ الحرية في فعل ما تريدين به."

حملته رودين بنظرات فارغة طيلة جلستها هناك، بينما كانت السيدة روز تخفف عنها بحديثها الحنون. بعد فترة، خرجت رودين من عندها، تحمل الدفتر بين يديها، كأنها تحمل عبء ذكرياتها وأحزانها. كانت خطواتها ثقيلة، وكأنها تسير في كابوس لا ينتهي، تشعر بفقدانها العميق الذي لا يمكن أن يُشفى.

أمانيثا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن