الفصل الرابع: خيوط الظلام

13 10 1
                                    






بعد الأحداث المثيرة في الأيام الأخيرة، قررت آية أنها لا يمكن أن تبقى مجرد مشاهد. كان الخطر يتزايد، وشعرت بأنها بحاجة إلى اتخاذ خطوات أكثر فاعلية لحماية عائلتها، على الرغم من كونها في سن المراهقة. بدأت التفكير بجدية في الطريقة التي يمكن أن تساعد بها والدها.

في صباح أحد الأيام، جلست مع والدها في حديقة المنزل الصغيرة، وكان الجو دافئًا ومشمسًا. حاولت أن تتحدث معه حول ما يمكن أن تقوم به للمساعدة. بدأت بتوجيه بعض الأسئلة المحورية:

"بابا، ماذا لو قمت بالبحث عن معلومات عن هؤلاء الذين يهددوننا؟ ربما أستطيع مساعدتك في جمع المعلومات."

نظر إليها يوسف، وقد ارتسمت على وجهه تعابير متباينة من القلق والفخر. كان يعرف أن ابنته تتمتع بذكاء فائق، ولكن لم يكن يريدها أن تتورط في أمور أكبر منها.

"آية، لا أريدك أن تتعرضي للخطر. هذا ليس مكانًا آمنًا لك. يمكنك أن تركزين على دراستك وأصدقائك."

ولكن آية لم تكن مستعدة لتقبل ذلك. كانت تتطلع إلى العيش في عالم مختلف، عالم يشعر فيه أفراد عائلتها بالأمان. كان لديها حافز كبير. في تلك اللحظة، قررت أنها ستقوم بمزيد من البحث بنفسها، من دون أن يعلم والدها.

استغلت آية مهاراتها الجديدة التي تعلمتها في المدرسة. بدأت تدرس كيفية البحث عن المعلومات على الإنترنت واستخدام مصادر مختلفة للوصول إلى البيانات. كانت تعلم أن المعلومات هي القوة، وأن العثور على تفاصيل عن المنافسين قد يوفر لهم بعض الحماية. قضت أيامًا في المكتبة وفي المقاهي، تتنقل بين صفحات الكتب الإلكترونية والمقالات، وتبحث عن تفاصيل عن الشركات الأخرى، وخاصة تلك التي كانت تنافس والدها.

بينما كانت تغمر نفسها في هذه المهمة، بدأت آية تدرك أن هذا العالم لم يكن بالأمان الذي كانت تتخيله. كان هناك صفحات تحكي عن صراعات الشركات الكبرى، وعن طرق خبيثة يستخدمها بعض رجال الأعمال للضغط على خصومهم. في إحدى تلك الليالي، صادفت مقالة تتحدث عن عمليات الابتزاز والتهديدات في مجال الأعمال، وكيف أن البعض يلجأ إلى أساليب غير مشروعة للحفاظ على السيطرة.

في الأيام التي تلت ذلك، استمرت آية في ملاحقة المعلومات، وفي ذات الوقت، كانت تحاول التعامل مع قلق والدتها. لاحظت أن سامية كانت تسأل باستمرار عن صحة يوسف، وتتحدث عن ضرورة حماية العائلة. كان قلبها مليئًا بالقلق، خاصة بعد تهديدات أولئك الذين يتربصون بعائلتهم.

أحد الأيام، وبينما كانت آية تعمل في أحد المقاهي، لاحظت دخول رجلين يرتديان ملابس أنيقة، لكن تعابير وجهيهما كانت مشبوهة. كانا يتحدثان بصوت منخفض، وكانا يرمقان آية بنظرات غير مريحة. شعرت بشيء غريب في أعماقها، كأنها تتعرض للمراقبة.

تذكرت على الفور أن والدها ذكر أسماء لبعض رجال الأعمال الذين قد يكون لهم علاقة بتهديداتهم، وبالتحديد أحدهم يُدعى "لينغ". كانت سمعة هذا الرجل متواجدة في عالم الأعمال كواحد من الأشداء، الذين لا يتورعون عن استخدام أساليب غير قانونية لتحقيق أهدافهم.

لم تترك آية الأمر ليمر مرور الكرام، بل قررت أن تتابع الرجلين بعد مغادرتهما. خرجت من المقهى، وبدأت في السير خلفهما، وقلوبها تتسارع من القلق والإثارة. كان الطريق مبللاً من الأمطار السابقة، وعند كل خطوة كانت تصدر أصواتًا صغيرة تجعلها تشعر بأنها ليست بمأمن.

بعد دقائق، أدت خطواتها إلى حارة ضيقة، حيث توقف الرجلان أمام باب خلفي لمطعم. تراجعت آية إلى الوراء، واختبأت خلف أحد الأعمدة. كانت تنصت إليهما، وعندما بدأت تتحدث، أدركت أنهما يتحدثان عن والدها.

"علينا أن نضع حدًا لهذا الرجل. إذا لم يتراجع، فسنحتاج إلى اتخاذ إجراءات أكثر قسوة."

تجمدت آية في مكانها، بينما تجول الخوف في عروقها. كانت تعرف أن الوقت قد حان للتصرف، لكنها شعرت بعدم اليقين. اتصلت سريعًا بهاتفها وبدأت تدون كل ما سمعته، وعادت إلى المنزل مسرعة.

في تلك الليلة، قامت بتجميع المعلومات التي حصلت عليها. قررت أن تجتمع مع والدها في الصباح، وأن تخبره بكل ما اكتشفته. كان قلبها ينبض بشدة من القلق حول كيفية رد فعله، لكنها كانت تعرف أن عليها اتخاذ هذه الخطوة.

عندما جاء الصباح، جلست آية مع والدها على طاولة الإفطار، وقررت أن تكون مباشرة:

"بابا، أحتاج إلى التحدث معك. لقد اكتشفت شيئًا مهمًا."

نظر إليها يوسف بقلق، لكنه كان مفتوحًا لسماعها. بدأت آية في سرد كل ما سمعته من الرجلين، والأسماء التي ربطتها بتهديدات العائلة. كان والدها يصغي بتركيز، وفي عينيه تعبير من الصدمة والاستيعاب.

"آية، هذا خطير. لم يكن ينبغي عليك أن تتورطي في هذا."

لكن آية أجابت بثقة:

"لم أعد أريد أن أكون ضعيفة. أريد أن أساعدك، وأريد أن نتأكد من سلامتنا."

رأى يوسف في عينيها عزمًا لم يكن يتوقعه. أدرك أن آية لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي كانت بحاجة إلى الحماية، بل أصبحت شابة قوية، تتطلع لمواجهة التحديات.

"حسنًا، لكن عليك أن تكوني حذرة. هذه الأمور أكبر بكثير مما تظنين، ويجب أن نعمل معًا."

شعر يوسف بشيء من الأمل، فقد أدرك أنهما سيتحدان معًا لمواجهة التهديدات التي تحيط بهما. ولكن مع ذلك، كانت آية تعلم أن الأمر لن يكون سهلاً، وأن خيوط الخطر بدأت تتشابك من حولهم.

صدى الرصاصة الأخيرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن