سارت رودين بجوار الرجل، غارقة في صراع بين ندائها الداخلي وشكوكها. لم تكن ممن يجرؤ على خوض المغامرات، لطالما كان صوت الخوف يغلب على قراراتها، حتى غدت حياتها ضبابية، يطغى عليها إحساس مرير بالعجز. شعرت بتردد شديد وندم لاتباع هذا الرجل الغريب، لكن هناك قوة غامضة كانت تدفعها إلى الأمام، تتشابك مع حزنها العتيق، لتكوّن بداخلها إحساسًا جديدًا أقرب ما يكون للجرأة.
ضمّت دفتر صديقتها ليلى بقوة، وكأنها تستمد منه شجاعة غير معهودة. واصل الرجل المسير، حتى توقف أمام جدار تغطيه نباتات خضراء متسلقة، متشابكة كأنها شبكة سرية لا يدركها إلا من يعرف الطريق. أخرج الرجل مفتاحًا كبيرًا بنقوش قديمة، وبحركة بطيئة وضعه في الجدار. بلمسة سحرية، تباعدت النباتات وأفسحت المجال لبوابة عملاقة انفتحت تدريجيًا، كاشفةً عن عالم مغاير.
كانت رودين متجمدة في مكانها، تتأمل البوابة بدهشة ممزوجة برهبة لا مثيل لها. استدار الرجل نحوها، وعيناه تعكسان ثقة غريبة، وقال بنبرة مطمئنة: "من هنا، ينتهي دوري كمرشدك. الطريق الآن ملكك، والرحلة تعتمد على شجاعتك."
شهقت بدهشة واستغراب: "ماذا تعني؟ قلت إنك سترافقني حتى النهاية! كيف تتركني وحدي عند عتبة هذا المكان المجهول؟"
ابتسم ابتسامة هادئة، وكأن حديثها لا يزيده إلا يقينًا: "أثق أنك تملكين الشجاعة اللازمة. ليس عليّ إلا إيصالك إلى هنا. الطريق بين يديك الآن، وأنا أؤمن أنك ستنجحين."
رغم شعورها بالقلق، كان ثمة شعلة صغيرة من الأمل تشتعل بداخلها، لكنها كانت تحتاج إجابة واحدة لتستجمع شتات نفسها: "ما اسم هذه المدينة التي أنتظر على عتبتها؟"
أجابها بنبرة غامضة: "عندما تصلين، اطلبي الذهاب إلى أمانيثا." مدّ يده نحوها، وقد أخرج قلادة تحمل ميدالية مزينة برموز غامضة وأعطاها إياها. "خذي هذه القلادة، ولكن لا تعطيها لأحد مهما كان."
تأملتها بدهشة متسائلة: "ما هذه القلادة؟"
قال الرجل بهدوء وهو ينظر إليها بعينين تحملان مزيجًا من القوة والسر: "إنها رمزية للقوة والشجاعة. ستمدك بالطاقة التي تحتاجينها في رحلتك، لكنها لن تكون كافية بمفردها. المدينة لن تمنحك ما تتوقعين بسهولة، بل ستختبر قوتك وصبرك."
أمسكت رودين بالقلادة، شعور غريب يجتاحها، مزيج من الخوف والرغبة في المضي قدمًا. همست: "وماذا لو كانت المصاعب أكبر من احتمالي؟ ماذا لو كانت هذه الرحلة فوق طاقتي؟"
اقترب منها الرجل وهمس: "حينها، تذكري ليلى، وتذكري أحلامكما سويًا. تذكري أنك هنا لأجلها، ولأجل جزء من نفسك تريدين العثور عليه."
كانت كلماته كفيلة بإشعال شرارة دفينة في قلبها. لمعت في عينيها نظرة جديدة، نظرة قرار، وربما قبول. ومع خطواتها الأولى نحو البوابة، أدركت أنها تترك وراءها حياة مليئة بالخوف، لتخوض غمار رحلة قد تنير لها الطريق نحو جزء من ذاتها.
عبرت العتبة ببطء، لتشعر بنسمة هواء باردة تمر عبر جسدها، وكأنها تنقلها إلى عالم آخر. أضواء باهتة تحيط بها، وأصوات غريبة تتسرب إلى مسامعها. كانت السماء فوقها تتلألأ بنجوم غريبة، والمسارات أمامها ملتوية كأنها متاهة أسطورية لم ترها من قبل.
تنفست بعمق، وتحسست القلادة التي على عنقها، وقد شعرت بدفء غريب ينبعث منها. تمتمت لنفسها: "أمانيثا... هذه المدينة هي الخطوة الأولى، سأكون قوية." بدأت تردد تلك الكلمات في قلبها كأنها تعويذة سرية، وكل خطوة كانت تزيد من عزمها.
وفي أعماقها، كانت هناك شعلة أمل صغيرة، ربما خافتة، لكنها حقيقية، تضئ لها الطريق نحو مصير لم تكن لتجرؤ على تخيله.
أنت تقرأ
أمانيثا
Fantasíaفي عالم من الخيال، تجد رودين نفسها تواجه واقعها القاسي بعد معرفتها بمرضها وفقدان صديقتها العزيزة. تُخبرها الأسطورة عن "أمانيثا"، المدينة التي يُزعم أنها تحقق الأماني المدفونة. لكن هل هي حقاً مدينة الأماني، أم أن فيها أسراراً أعمق؟ تنطلق رودين في رحل...